قاسم: لا منظور للشعب غير الإصلاح الحقيقي... القطان يدعو للالتزام بالنهج الإسلامي لمواجهة أمواج الفتن
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال خطيب جامع الإمام الصادق في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس (الجمعة): «لا منظور للشعب غير الإصلاح الحقيقي، ووضع العلاقة بين الشعب والحكومة في نصاب صحيح يتسم بالعدل».
وتساءل قاسم في بداية حديثه عن هذا الجانب «ما الذي ينتظره هذا الشعب؟»، وأجاب «الشعب لا ينتظر حواراً خدعةً كما يسميه البعض، ولا حواراً جاداً كما يسميه البعض الآخر، ولا يهمه أن يسمع كلاماً قليلاً أو كثيراً بشأن الحوار، ولا يعطي للحوار أي قيمة في نفسه، هذا الشعب المغبون الذي يعاني من سياسة التهميش، والعزل، والتمييز، والحرمان، لا ينتظر غير إصلاح يشهده على أرض الواقع، له اعتباره، ويعترف برأيه وحقه، ويقر له بسيادته، ولا يبقي بقيةً من ظلم أو اضطهاد، ولا تهميش أو تمييز كيفي، أو إقصاء كيدي، أو تسيّد قهري، ولا سجيناً من سجناء الرأي السياسي، ولا خوف خائف من أن يعود إلى وطنه، ولا مظلوماً لا يجد من ينتصف لظلمه، ولا رأياً سياسياً تضطر صاحبه الملاحقة الأمنية والقضائية الجائرة إلى كبته».
وأكد أن «هذا الإصلاح هو الذي حرك الشعب وطلبه من أول يوم في حراكه، وكل عمر حراكه، ولايزال ينشده ويصر عليه، وقد بذل ولايزال يبذل الكثير والغالي من أجله. أعطى على طريقه من أمنه وراحته وماله ودمه، أعطى شهداء من رجال ونساء، أعطى ألوفاً من السجناء، عاش ليالي وأياماً طويلةً في منازله وغرف النوم تحت رحمة السحب من الغازات الخانقة، وعلى الطريق نفسه هدمت المساجد والحسينيات والمنازل ومسّ الأسى والسوء والقلق والفزع والأذى والضرر مئات الألوف من المواطنين، وتشرد من تشرد، وتعذب من تعذب، وارتفع عدد الجرحى والمعلولين، وفقئت العيون، وشل من شل، وأزهقت أنفسٌ بريئة في السجون وتحت وطأة التعذيب، وفصل من فصل من عمله ووظيفته ودراسته، ونالت العقوبات المعنوية الغليظة والاتهامات الظالمة العديد من الشخصيات بقصد تحطيم السمعة، والقضاء على المعنوية، وإسكات الصوت، وإجهاض الدور، واستمرت محنة المعانات والألم والجراحات لما يقرب من السنتين لحد الآن».
وبشأن الحوار، تحدث قاسم قائلاً : «مازالت تصريحات المسئولين الرسميين تصر على أن الخلاف بين عدد من الجمعيات السياسية أو بين طائفتين، وأن موقعها الطبيعي (السلطة) في الصراع القائم أن تكون حكماً بين الطرفين وهي ترى لنفسها العدالة والنزاهة والموضعية الكافية التي يتطلبها هذا الموقع».
وأضاف «هذا يعني أن قوات أمن تابعةً لقسم من الجمعيات السياسية أو متسللةً من الخارج هي التي تقمع المتظاهرين في شوارع البحرين ممن يطالبون بالإصلاح بالطريقة السلمية، وبسلاحها يسقط من يسقط من الشهداء، وجرح من جرح، وعلى يدها امتلأت السجون من المعتقلين والموقوفين، وأن لها سجوناً ومحققين ومعذبين، ولها محاكم تصدر أحكامها القاسية على الأعداد الكبيرة من الجمعيات المتقابلة وجماهيرها التي تطالب بالحقوق، ولا يقول هذا الرأي إلا معتوه».
وبيّن قاسم أن «المسئولين الرسميين يحددون نتيجة الحوار في توصيات ينتهي إليها الخصماء من جمعيات سياسية ومستقلة لتنفذها المؤسسات الدستورية والقانونية للدولة على حد ما كان عليه الأمر بالنسبة لتوصيات ما يسمى بالتوافق الوطني السابق، أما الضمان لتنفيذ هذه التوصيات فهو الشعب كما يقول التصريح الرسمي. ووسيلة الشعب في الضغط لصالح التنفيذ لأي توصية يراها تنصب في مصلحة الوطن هي وسيلته في المطالبة بالإصلاح».
وتساءل قاسم «ماذا عند الشعب من وسيلة ضغط؟ الوسيلة نفسها التي يستعملها في المطالبة بالإصلاح، وهي مسيراته واعتصاماته، واحتجاجاته السلمية، والتي يتلقى جزاءها قتلاً وجرحاً وسجناً وويلات وتعذيبا؟، فهل هذه هي الضمانة التي يقترحها الجانب الرسمي لتنفيذ وصايا الحوار؟ وبعد الاحتياطات المتخذة لعدم خروجها على التوجه الرسمي وتجاوزها لمشتهياته وإملاءاته؟، هذه وسيلة ممنوعة أيضاً، تقابل برصاص الشوزن وبالغازات الخانقة، وهذه هي وسيلة الضمان؟ ومع ذلك استمرار الاعتصامات؟ واستمرار المسيرات؟، وإذا كان التوافق الوطني المطلوب للحوار هو من جنس سابقه، وسقفه سقفه، ومستوى نتائجه مستوى التوصيات، فلماذا هذه الجولة الثانية وتكرار التجربة والبحث من جديد عن نتائج لا تمثل حلاً للمشكل ولا ترقى للطموح العادل للشعب ولا تحقق مهماً واحداً من مطالبه؟».
وشدد قاسم على أنه «لا منظور للشعب غير الإصلاح الحقيقي، ووضع العلاقة بين الشعب والحكومة في نصاب صحيح يتسم بالعدل، ويقدر للشعب وزنه وكلمته في الشأن العام الذي ترتبط به مصالح دينه ودنياه وآخرته، ولا أقل من ضمانة دستور متوافق عليه بين طرفين، هما طرف الحكم وطرف الشعب، وكما لا ينيب عن الحكومة أحدٌ فيما تريد إلا بإذنها فكذلك لا يمكن أن يقرر عن الشعب فيما يريده إلا هو ولا يمكن لأحد أن ينيب عنه رغماً على أنفه، وكيف يغيب مغيبون، مغيب السجون ومغيب الخارج، عن حوار هم من أولى أهل الأولوية بشأنه ونتائجه، ومن أشفق أهل الشفقة على مصلحة الوطن، وأصدق أهل الصدق، وحملة الراية في الدفاع عن حقوقه والمطالة بحريته؟».
وتحت عنوان «إذاً لتخلو شوارعنا»، قال قاسم: «مئات الألوف من أبناء هذا الشعب استفادوا من الميثاق، وحتى من الدستور المختلف عليه، ومما عرفوه من المواثيق الدولية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، أن من حقهم أن يشاركوا في المسيرات والاعتصامات السياسية السلمية، ثم إن العاصمة جزءٌ من هذا الوطن، وهي عاصمة الجميع، ولا يصح حرمانهم من التعبير عن رأيهم السياسي وبالطريقة السلمية، المنضبطة، الحضارية، الراقية، الشرعية، على أرض العاصمة، فإذا كان الأمر كذلك وكان الجزاء للمشاركة في مسيرة مخطر عنها في العاصمة أو غيرها اقتياد المشاركين في صورة مهينة للتوقيف لمدة خمسة وأربعين يوماً، ويحتاج أمر المشاركة إلى التحقيق طوال هذه المدة؛ فإذاً لتخلو الشوارع ولتخلو البيوت في البحرين من مئات الألوف من مواطنيها لجرم المشاركة في المطالبة بالحقوق والإصلاح بالأسلوب الملتزم بالسلمية».
وتحت عنوان «وجودٌ أو لا وجود»، قال قاسم: «الأمة التي تريد أن يستمر لها وجودٌ، أن يكون لها بقاء، لا تسمح لنفسها بالتمزقات، والأمة التي تتوق للنهضة والسبق والريادة لابد لها من الحفاظ على وحدتها، تكون الأمة قد اختارت ألا تكون لها نهضة، وألا يكون تقدمٌ ولا سبق، بل ولا بقاء، إذا اختارت طريق الانشطار والتمزق والتشظيات».
ورأى أن «مسألة وحدة الأمة وعدمها مسألة تقدم أو انتكاس، بل قضية استمرار أو انتهاء، والأمة الإسلامية ليست مستثناةً من هذا الأمر، فهي محكومةٌ بما يحكم كل الأمم، وبقاء هذا الأمة بصفتها الدينية الإسلامية غير منفصل بحال عن الأحوال عن استمساكها بدينها وانشداد كل واقعها إليه. والإسلام في ظهوره العملي، وفي امتداد وجوده في الأرض وغلبته، محتاجٌ هو الآخر إلى وحدة الأمة التي آمنت به، وحملت أمانته، وفي ضعفها ضعفه، وفي تفتتها تفتته، وفي ذهابها ذهابه، وكلما زاد الانقسام على الإسلام، وتعددت رؤى الأمة حول مرتكزات من مرتكزاته، كلما كان ذلك سبباً رئيسياً لانقساماتها وتشظيها، وليس أدعى إلى ذلك من أن يتصدى إلى بيان الرأي في مسائل كبرى من مسائل الإسلام من لا اهلية له علماً أو ورعا فيسمع لرأيه ويؤخذ به، فعلى الأمة ألا تسمح لهذه الآراء القاصرة أو الفاجرة أن تجد لها موقعاً في حياتها، أما لو توقفت وحدة الأمة على أن تتوحد آراء مجتهديها كلهم في كل المسائل، حين لا يمكن أن تتوحد الآراء الاجتهادية في إطار المذهب الواحد، لكان عليها أن تكون مئة أمة، وألف أمة، وأن تتمزق كل ممزق. إذا انتظرنا لوحدتنا الإسلامية الكبرى أن نتفق داخل المذهب الواحد - فضلاً عن كل المذاهب - على كل الآراء الاجتهادية فبيننا وبين تلك الوحدة ما لا يمكن أن يقطع».
وأضاف «ليس أسعد لأعداء الأمة جميعاً من أن ينحط مستوى مجتهديها علماً وتقوى، وتتفرق بهم الاراء فيما لا يصح الاختلاف عليه من أمر الإسلام، ويتكثر علماء السلاطين ممن يبيعون دينهم بالأدنى، والطامحون من القاصرين علماً وديناً في الزعامات الدنيوية، فلا يهمهم أن تتوزع الأمة أشتاتا، وتفقد وحدتها، وأن يسعوا إلى ذلك عن قصد وسبق وإصرار مادام طريقهم إلى الدنيا هو الاختلاف ودعم السياسات الظالمة، ومادام تقاضي الأجور والمكافآت المادية الضخمة، والحصول على الألقاب المغرية، والشهرة الزائفة، يتطلب ثمناً من الدين، ومن وحدة الأمة، ولا يحصل إلا بتفتيت كيانها».
وقال: «على الأمة حفاظاً على ما تبقى من وحدتها، وطلباً لصون هذه الوحدة ومتانتها، واشتدادها، وتأبيها على التفتت والذوبان، وقدرتها على أن تنهض بمستوى الأمة وتبلغ بها مبالغ لا تطالها الأمم، أن تزيد من فهمها للإسلام، وتحاول أن تقترب بفهمها من فهمه، وبواقعها من واقعه، وخلقها من خلقه، وأهدافها من أهدافه، وأفقها من أفقه، وتتمحور في كل حركتها حول التوحيد، وهي إذا أرادت ذلك لابد أن تتمحور كل حركتها حول الرسول والرسالة؛ لتأتي الأمة الوسط بحق، وأوعى أمة، وأهدى أمة، وأقوم أمة، وأعلم أمة، وأنتج أمة، وأكثر الأمم سبقاً في كل مجد وعز وخير وكرامة».
القطان يدعو للالتزامبالنهج الإسلامي لمواجهة أمواج الفتن
قال خطيب مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان في خطبته أمس (الجمعة): «إن المسلمين اليوم تتقاذف بهم أمواج الفتن، وتحيط بهم أسباب التفرق والشرور، يسعى الأعداء لتفريق صفوفهم، ويبذلون كل جهد لبذر أسباب العداء بين أبنائهم، يفرحون بخرق صف المسلمين وتفريق كلمتهم، ويسعدون ببث روح التباغض في مجتمعاتهم، وفشو الكراهية بين شبابهم. وحينئذ فما أحوج المسلمين اليوم للالتزام بالمنهج الذي تصفو به قلوبهم، وتسلم معه صدورهم، وتنشر من خلاله مبادئ المحبة والوئام في مجتمعاتهم وأوطانهم، إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة لمراجعة منهج المدرسة الأخلاقية العظمى، وفي ضرورة ملحة لتحقيق مدرسة قواعد الفضائل العليا، تلك المدرسة التي تضمنت المبادئ الكبرى للمحبة والوئام، والأصول العظمى للخصال الكرام، إنه منهج مدرسة الإسلام التي حرصت على تأصيل أسباب المحبة بين المسلمين، وبذر قواعد الأخوة والألفة والتعاون بين المؤمنين».
وأشار إلى أن «تلك المبادئ الكريمة، وهذه الفضائل العظيمة، تقود الأمة إلى كل خير، وتحقق لهم كل منفعة. مبادئ هي أساس استقامة مجتمعاتهم وأوطانهم، وسعادة حياتهم، وتحقيق مصالحهم، ومن هذا المنطلق وجه نبينا وسيدنا محمدٌ (ص) رسالته الخالدة لهذه الأمة بوجوب البعد عن التحاسد والتباغض في مجتمعات المسلمين، وفي ظل هذا المنهج العظيم يجب أن يعيش المسلم في مجتمعه ووطنه، يزاول حياته، ويقوم بنشاطاته، وهو مرتبطٌ بإخوانه المسلمين برابطة هي أعظم الروابط، وآصرة هي أوثق الأواصر، في ظل منهج سيد البشرية وخير البرية، يجب أن يعيش الفرد المسلم في كل مكان متصفًا بصفات فضلى متحليًا بمعان كبرى، قاعدتها وأصلها الجامع أن يعيش في مجتمعه المسلم، محبًا لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، كارهًا لهم ما يكره لنفسه».
وأضاف «هناك قاعدةٌ نبوية محمدية، تتضمن كل المعاني الخيرة، والمبادئ الطيبة، والأخلاق الكريمة، قاعدةٌ يوجهها أكمل الناس خلقًا وبرًا وفضلاً، تقتضي هذه القاعدة الثابتة على مر الأزمان واختلاف الأحوال، تقتضي وتتضمن لزوم الاتصاف والالتزام بمعاني الألفة والإخاء والرأفة والرحمة والرفق والعطف وحسن العشرة والمعاملة والإيثار والمواساة وتفريج الكربات وقضاء الحاجات، وفي هذه المعاني السامية والفضائل العالية، قاعدةٌ نبوية أخرى تقضي بتحريم الإضرار والإيذاء للمؤمنين، إن للأذية صوراً لا تكاد تتناهى، وعلى المسلم أن يتجنبها جميعا؛ خاصة ما ورد النص عليه تنبيها لخطره، وتعظيما لأثره، كالنهي عن القتل وتعذيب الناس والسب والشتم واللعن والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض، وأذية الجيران والخدم والضعفاء، إن أذية المؤمن ظلم عظيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن من الأذى ما لا تكفره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم، بل لا يغفر للظالم حتى يغفر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف وتعز الحسنات».
وذكر أن «أعداء هذا الدين لا يألون جهداً في الفساد والإفساد لأهل الإسلام، فهم في عمل دؤوب لزرع روح التباغض بين المسلمين، وبذر أسباب التدابر بين المؤمنين، وإن الواجب على المسلمين في كل مكان وقد أصل لهم دينهم طرق الخيرات وأسباب الفلاح والمسرات أن يثبتوا على وصايا هذا الدين كالجبال الراسيات، وأن يلزموا أنفسهم وأهليهم وأولادهم بتلك التوجيهات المباركات، وإن قادة وأهل هذه البلاد الطيبين المسالمين، وهم يعيشون نعماً عظمى وخيرات جلى، فهم محسودون من أعداء الإسلام والمسلمين، لذا حريٌ بأهلها وحريٌ بأهل الإسلام في كل مكان الاجتماع على كتاب الله وهدي رسول الله (ص)، والتعاون على البر والتقوى، وواجبٌ على المسلمين والمواطنين في هذه البلاد أن يكونوا يداً واحدةً مع قادتهم وولاة أمورهم لتحقيق المنافع الخيرة والمصالح المرجوة لهم، وأن يحذر الجميع أسباب التدابر والتباغض وطرق التنازع والتفرق؛ حتى يسلم للناس دينهم، وتسلم لهم دنياهم، ويعيشوا في ظل أمن وأمان ورغد ورخاء».
وأوضح القطان أن «مهمة المجتمع المسلم بالنظر إلى الأخلاق والفضائل، ذات ثلاث شعب: التوجيه، والتثبيت، والحماية، فالتوجيه يكون بالنشر والدعاية ومختلف وسائل الإعلام والتثقيف، والدعوة والإرشاد، والتثبيت يكون بالتعليم الطويل المدى، والتربية العميقة الجذور، على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة، والحماية تكون بأمرين: برقابة الرأي العام اليقظ، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكره الفساد وينفر من الانحراف، وبالتشريع الذي يمنع الفساد قبل وقوعه، ويعاقب عليه بعد وقوعه، زجراً للمنحرف وتأديباً للمستهتر، وتطهيراً لجو الجماعة من التلوث، وبهذه الأمور من التوجيه والتثبيت والحماية، تسود أخلاق الإسلام، وتسري فضائله في حياة المجتمع سريان العصارة الحية في الغصون والأوراق. فليس إذن بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تختفي فيه أخلاق المؤمنين، لتبرز أخلاق الفجار والمنافقين. وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يؤذى فيه الناس ويعتدى عليهم في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي يشيع فيه خلق القسوة على الضعفاء، والخضوع للأقوياء، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تضمر فيه تقوى الله، ومراقبته تعالى، والخوف من حسابه، فنرى الناس يتصرفون وكأنما هم آلهة أنفسهم، وينطلقون وكأنما ليس هناك حساب ينتظرهم، وإنما هم في غفلة معرضون، وفي غمرة ساهون، ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي يسوده التواكل والعجز والسلبية، في مواجهة الأمور وإلقاء الأوزار على كاهل الأقدار، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي يهان فيه الصالحون، ويكرم الفاسقون، ويقدم أهل الفجور، ويؤخر أهل التقوى، ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي يظلم فيه المحق، ويحابى فيه المبطل، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان ذلك الذي تفسد فيه الذمم، وتشترى فيه الضمائر، ويقضى فيه كل أمر بالرشوة، ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي لا يوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، ولا يعرف لذي الفضل فضله، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تتميع فيه الأخلاق، فيتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي تشيع فيه الفاحشة، ويفقد فيه الرجال الغيرة، ويفقد النساء الحياء، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي لا يكاد الناس يتكلمون فيه أو يعملون أو يتصرفون إلا رياءً ونفاقًاً، وطلباً للشهرة والجاه، ولا تكاد ترى فيه جندياً مجهولاً، من المخلصين البررة، والأتقياء الأخفياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي تسوده أخلاق المنافقين من كل من حدث فكذب، ووعد فأخلف، وائتمن فخان، وعاهد فغدر، وخاصم ففجر، ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي يهمل فيه الآباء الأبناء، ويعق فيه الأبناء الآباء، ويتجافى فيه الإخوان، وتتقطع فيه الأرحام، ويتناكر فيه الجيران، وتنفق فيه سوق الغيبة والنميمة وفساد ذات البين، وينهزم فيه البذل والإيثار أمام الشح والأنانية وحب الذات».
وأكد القطان أن «المجتمع المسلم مجتمع أخلاقي بكل ما تحمله كلمة الأخلاق، من شمول وسعة، وليس مجتمعاً تسيره المنافع المادية، أو الأغراض السياسية، أو الاعتبارات العسكرية وحدها، بل هو مجتمع تحكمه فضائل ومثل عليا، يلتزم بها، ويتقيد بحدودها مهما يكلفه ذلك من مشقات وتضحيات، فلا انفصال في هذا المجتمع بين العلم والأخلاق، ولا بين الفن والأخلاق، ولا بين الاقتصاد والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، ولا بين الحرب والأخلاق، وإنما الأخلاق عنصر يهيمن على كل شئون الحياة وتصرفاتها، صغيرها وكبيرها، فرديها وجماعيها».