قاسم: لا تنازل للشعب عن الإصلاح الجدي الذي يؤمِّن الحرية والكرامة...القطان: الحوار المثمر والمكاشفة من وسائل بناء الشخصية الإسلامية
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم: «إذا غابت الإرادة الإصلاحيَّة فلا جدوى في ألف حوارٍ ولا مليون حوار، وقد يُتَخَذُ الحوار وسيلةً للاعتذار عن الإصلاح والتنصُّل منه، أو لتسويفه وتطويل عمره»، معتبراً أنه «لا ملازمة بين الحوار والإصلاح، فإذا وُجِدَت الإرادة الإصلاحيَّة عند القادرين على الإصلاح، المالكين لأسبابه، أنفذوه بلا حاجةٍ للحوار، وسدُّوا بذلك أبواب الفتن».
وذكر قاسم، في خطبته أمس الجمعة (28 ديسمبر/ كانون الأول 2012)، أن «الحوار إذا كان سيخلق حالةً حرجيَّة للمُطالَبِ بالإصلاحِ تصعِّب عليه تجاوزه وتسويفه، فإنَّه هنا سيحاول ما استطاع غلق باب الحوار. فهل نحن أمام هذه الحالة من موقف السلطة من قضية الإصلاح؟ لو عُرِضَ السؤال على الواقع الخارجيّ لأجاب بنعم ونعم ونعم ولا غير».
وأضاف «في كلِّ مرَّةٍ يُرْفَعُ شعار الحوار ليتوارى بسرعة أو يُتَنَكَّر له من السُّلطة التي رفعته؛ ليعلن عن عدم جدِّيَته أساساً، وأنَّه إنَّما كان لمناسبةٍ سياسيَّةٍ معيَّنة، وغرضٍ إعلاميّ، ولإحراج المعارضة، والتخفيف من ضغط الخارج، يقلِّلُ من قيمته حتَّى عاد هذا الشعار لا يلفت النظر، ولا يُسْتَقْبَلُ بأيِّ اهتمامٍ من قبل الشعب، وقد يتجه البحث عن خلفيَّته الإعلاميَّة والغرض السياسيِ المؤقَّت الذي يقف وراءه ويحرِّكه».
وتحت عنوان «الحوار والإصلاح»، قال قاسم: «موضوع الحوار مسألةٌ غامضةٌ يُتَوَقَّعُ لتداول الآراء أن يكشف غموضها، ويزيل عنها الغبار، ويجلِّي أمرها».
وأضاف «موضوعٌ آخر للحوار أن يكون طرفان لكلٍّ منهما فيما يرى حقٌّ على الآخر، أو أنَّهما مسلِّمان بذلك، ويدخلان النقاش في محاولة التوصُّل إلى حلٍّ وسطٍ يقوم على تنازل كلٍّ منهما للآخر من شيءٍ ممَّا هو له في ذمَّته».
وتابع «قد لا يكون الحقُّ إلا لطرفٍ على آخر أصبح عاجزاً عن أداء الحقِّ لصاحبه فيطلب منه أن يتنازل عمَّا لا يستطيع أداءه من هذا الحقّ».
وأردف قائلاً: «أمَّا الفساد العامُّ سياسيّاً كان أو اقتصاديّاً أو ثقافيّاً أو اجتماعيّاً أو دينيّاً وأخلاقيّاً، فلا تنتظر الجهة القادرة على الإصلاح، المالكة لأسبابه، المسئولة عنه، الدخول في حوارٍ من أجل إنهائه، ولا تضع شروطاً لتخليص الناس منه، والاتِّجاه بالأوضاع إلى نصابها الصحيح الذي يقضي به الحقّ، ويتطلبَّه العدل، ويرضاه الضمير، وتستقيم به الحياة».
وقال: «معارضة الفساد منتفيةٌ حال انتفاء الفساد الذي هو موضوعها وسببها، ولا يُتَصَوَّرُ أن يكون لها وجودٌ بدونه. وكلُّ لونٍ من ألوان الفساد يرتفع بلواه عن الناس، يرتفع اعتراضهم ومواجهتهم له. وكلُّ لونٍ من ألوان الفساد يستجدُّ أو يكون إصرارٌ على بقائه، يدفع الناس لإنكاره، ومعارضته، ومواجهته».
وواصل قاسم حديثه «والفساد شرٌّ كله، وكلَّما بقي زاد خطراً على مصالح الأوطان والمجتمع، وأضرَّ بالموازين العادلة للحياة وانحرف بها عن أهدافها المطلوبة وخطِّها القويم، فلا يأتي في ضوء هذا الواقع، ولا في دينٍ، ولا ضميرٍ، ولا مصلحة وطن، ولا عُرفٍ إنسانيّ، أنَّ عليك أن تعترف راضياً مختاراً بلونٍ أو أكثر من ألوان الفساد، ثمناً لإصلاح شيءٍ منه؛ فالفساد إنَّما يؤسِّس للفساد، ويفتح الباب لانطلاقته الواسعة المدمِّرة».
وبيّن أن «الفساد والظلم حالةٌ يُقْهرُ الناس على السكوت عليها أحياناً تحت ضغط البطش، وليست من الحالات التي يقبلون بها مختارين، ولا يكون السكوت عليها نتيجةً للحوار؛ وإنَّما هو ظلمٌ قد تفرضه القوَّة».
وفي سياق آخر من خطبته، تحدث قاسم عن تعرُّض أحد الشباب إلى الاعتداء من أحد رجال الأمن في عالي، وقال تحت عنوان «درس في الإهانة»: «شابٌّ يمشي في طريقه حاملاً طفله على ذراعه آمناً مسالماً، وطفلٌ وديعٌ يعيش حنان الأبوَّة في كنف والده واحتضانه، وطريقٌ لا اعتصام فيه ولا مظاهرةٌ ولا تصادمات، والمكانُ قرب بيت الخالة المقصود زيارتها، في هذا المكان وفي هذا الجوِّ الآمن المطمئن - لو كان للمواطن أمانٌ - يتلقى الشابُّ من رجل الأمن صفعةً على وجهه على منظرٍ من فلذة كبده؛ لتسحق كرامة الأب في ظلمٍ صارخ، وبشاعةٍ بالغة، وتداس عزَّته، ويُهَانُ فيه إسلامه وإنسانيته ومواطنته، ويُهان من خلاله كلُّ مسلمٍ وكلُّ إنسان وكلُّ مواطن، ويُعْطَى كل ذي نفس كريمةٍ هنا درساً في الإهانة البالغة والإذلال المرّ».
واعتبر أنها «صفعةٌ أرادت أنْ تغتال براءة الطفولة الغضَّة، وترعب طفلاً في عمر البراعم، وتحطِّم نفسيَّته، وتعقِّد مستقبله، وتهزَّ كلَّ كيانه هزّاً».
وتساءل: «وكم واجهت الطفولة البريئة داخل البيوت، في ساعات الليل والنهار، وفي السيَّارات والأماكن المختلفة، من مشاهد العنف والقسوة التي تُمَارَسُ في حقِّ الآباء والأمَّهات فأرعبتها لتترك في نفسيَّة جيل المستقبل آثاراً مدمِّرةً لصدمات عنيفة».
وقال: «ظرفٌ صعب، واقعٌ حرج، معاناة مرَّة، لا تسمحُ لهذا الشعب التوَّاق للحريَّة، الشاعر بكرامته، المعتزِّ بقيمة إيمانه، المقدِّر لإنسانيَّته، أن يفكِّر ولو للحظةٍ واحدة في التنازلِ عن مطلب الإصلاح الجدِّي الذي يؤمِّن له الحريَّة والكرامة، ويقدِّر له انتماءه الإيمانيّ وإنسانيَّته، ويحفظ حقوقه، ويعترف له عملاً بموقعه».
وتحت عنوان «أخلاقٌ رفيعة»، أشار إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أن «البعض يشكو بأنَّهم يتعرَّضون من شبابٍ، من شباب المعارضة، إلى الاتِّهام بالتجسُّس والسعي بهم عند السُّلطة وأنَّهم يحصل لهم إتلافٌ في المال كإضرارٍ بسيَّارة أو ما شابه»، موضحاً أنه «وبغضِّ النظر عن صدق هذا الأمر وعدم صدقه، فإنَّ المطلوب من شباب المعارضة أنْ يعطوا مثلاً عالياً في التقوى، والالتزام الدينيّ، وألا يتهموا أحداً بلا دليل وألا يسرعوا في إساءة الظنّ، وإذا ساء ظنُّهم في أحدٍ ألا يرتِّبوا على ذلك استباحة دمٍ أو مال».
وذكر أن المطلوب «كفُّ الأذى، والتواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر، وأن تكونوا نماذجَ في الأخلاق الرائعة الرفيعة».
القطان: الحوار المثمر والمكاشفة من وسائل بناء الشخصية الإسلامية
من جانبه، قال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان: «إن محور بناء الشخصية الإسلامية، هو غرس العقيدة الصحيحة، وتقوية الإيمان بالله عز وجل، فالعقيدة الصحيحة تكشف زيف الشبهات، والإيمان بالله يربي على الثبات أمام المطامع والشهوات، كما أن العبادة بمفهومها الشامل، تغذي البناء».
واعتبر القطان، في خطبته أمس الجمعة (28 ديسمبر/ كانون الأول 2012)، أن «أسلوب الحوار المثمر، والمكاشفة والمصارحة للفتيان والفتيات، للإقناع بالحجة والبيان، من وسائل بناء الشخصية الإسلامية».
وأكد أن «بهذا الأسلوب يا عباد الله تبنى الشخصية الإسلامية، وبذلك ننتزع حشائش الأرض الضارة ودقلها، ونمنحها الماء، ونبذر فيها البذور الصالحة للإنبات، ولن تكون النتيجة بعدها إلا حدائق ذات بهجة، ولن يكون الحصاد بعد ذلك إلا جناً حلواً وشهداً».
وأوضح أن «الشخصية الإسلامية تأثرت عبر القرون وتعرضت ومازالت إلى حملات آثمة، استهدفت إزالتها وتدميرها وتشويهها ومسخها، وذلك بما يلقيه غير المسلمين من شبهات وشهوات، وبما جاءوا به من فلسفات وثقافات، لذا كان لزاماً على الآباء والمربين، والمعلمين ومؤسسات التربية والتعليم، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، أن تقوم بتأصيل بناء الشخصية الإسلامية، وتغذية المناعة الداخلية، وإيجاد الحصانة الذاتية».
وذكر أن «بناء شخصية واضحة المعالم، تطبق الإسلام واقعاً محسوساً ومشاهداً، كما جلتها نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة... فكلما كان بناء الفرد سليماً، نشأ المجتمع ونشأت الأمة قوية متينة، وفي ذلك وقاية للأفراد والمجتمعات، من خلل عقدي، وتطرف وغلو ديني، أو انحلال خلقي، وانحراف سلوكي».
ورأى أن «رقي المجتمعات لا يقاس بما حققت من منجزات العلم، وما تقدمت به في عالم المادة، بل يقاس بتمسكها بدينها وعقيدتها ومثلها، وسيادة القيم والمبادئ والأخلاق التي نشأت عليها وربت عليها أجيالها».
وعن سمات الشخصية الإسلامية، بيّن أنها «طائعة لله، منصاعة لهديه، أوّابة إلى حماه، راضية بقضائه وقدره، إنها شخصية متوازنة، لا تهرب من الحياة وتعذب الجسد، وتكبت هواتفه، ولا تنغمس في ملذات الحياة الدنيا، متجاوزة حدود الله تعالى»، مؤكداً أن»التعاون لجلب الخير والنفع، ودفع الضر والشر، من سمات الشخصية الإسلامية».
وأضاف أنها «شخصية متميزة، تعطي للجسم حقه من العناية، وللمظهر ما يستوجبه من الرعاية، فمع نظافة البدن والثوب، تكون نظافة اللسان، فلا يؤذيك ببذيء الألفاظ، ولا يجرحك بالطعن في الأحساب والأنساب، ولا يتلوث بالفحش والثرثرة وكثير الكلام، يُتُوج ذلك بطهارة القلب من مشاعر الحقد والحسد والبغضاء... الشخصية الإسلامية مع الوالدين: برٌ وإحسانٌ ووفاء».
وأشار إلى أن صاحب الشخصية الإسلامية «يتقن عبادته، وينطلق في سماء الإبداع، في العمل والمهنة، يحقق أعلى معدلات الإنتاج، في صناعة أو زراعة أو حرفة، ليكون عضواً عاملاً في جسد الأمة، ودماً يجري في عروقها، يمدها بالقوة والنماء، فهو إذا صنع أتقن، وإذا زرع أحسن، وإذا تاجر برع وتفنن، لا يرضى لوطنه وأمته أن تتأخر بعد تقدم، وأن تذل بعد عزة».
وقال القطان إن: «مع قوة الإيمان والأخلاق والجسم، تكون القوة في العلم والمعرفة والمهنة، وفي كل ما يعطيه لفظ القوة من دلالة، فالأمة موقعها الصدارة، وفي أبنائها من المقومات ما يجعل لها وزناً حضارياً».