نغمة الديمقراطية في الأوتار الغربية
الـ «NDI»: معهد تثقيفي أم منتج أميركي في سوق الشرق الأوسط؟
الوسط - حيدر محمد
الكثير من الجدل صاحب نشاط المعاهد والمؤسسات الغربية عموما والأميركية خصوصا المعنية بتقديم برامج وأنشطة تدريبية للتمكين السياسي في العالم وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط الذي يشكل مركز البصر يسيل عليه لعاب هذه المراكز متعددة الأساليب والتمويل.
ويأتي المعهد الديمقراطي الوطني للشئون الدولية كأحد أكبر هذه المعاهد المتخصصة في التدريب والتثقيف السياسي، وقد تضاعف النقاش بشأن المعهد الأميركي منذ قدومه للمنطقة وخصوصا بعد العام 2001، وهذا التاريخ له أبعاد مختلفة، لأنه العام الذي شهد التحول الأكبر في العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في العام 2001، وهو الحدث الذي أحدث انقساما عالميا في مواجهة الحدث.
الولايات المتحدة الأميركية برز فيها صوتان كبيران: صوت الإدارة الأميركية بقيادة جورج دبليو بوش الذي دعا إلى تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، والذي أسفر لاحقا عن غزو أفغانستان وإزاحة نظام «طالبان» المتحالف مع تنظيم القاعدة، أما الصوت الآخر فكان يدعو إلى مواجهة الإرهاب عن طريق مساعدة دول الشرق الأوسط على توسيع دائرة الحريات واستيعاب مفهوم أكبر للمشاركة الشعبية في القرار السياسي، ولهذا نشطت الكثير من الدوائر في الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما على نشر التثقيف السياسي في المنطقة.
وفي تلك الفترة أيضا، برزت ثلاث تجارب إصلاحية في العالم العربي، تزامنت مع تولي ثلاثة من الملوك الشباب العرب مقاليد الحكم في بلدانهم برؤى جديدة تحمل رؤية تتناسب مع التوجهات الدولية المتقاطعة مع المطالب المحلية في الإصلاح السياسي والتحديث المؤسساتي والمشاركة الشعبية.
وبدأت هذه التجارب من المملكة الأردنية الهاشمية مع تولي الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم خلفا لوالده الراحل الملك الحسين، ومن ثم في الرباط مع تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم خلفا للراحل الملك حسن الثاني، والتجربة الثالثة في البحرين مع تولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة (سمو الأمير آنذاك) الحكم.
وهذا التحول السياسي في العواصم الثلاث «عماّن، الرباط، المنامة» قدم جرعة حماسية للمراكز التدريبية الغربية لفتح أنشطة موسعة في المنطقة انطلاقا من العواصم الثلاث بالإضافة إلى عواصم أخرى مثل صنعاء وبيروت التي كانت لمدة طويلة المكان الأنسب لعمل المراكز الدولية نظرا للجغرافيا وانفتاح المناخ السياسي والحريات العامة.
لكن التحول الأهم في الشرق الأوسط ظهر مع غزو العراق في العام 2003، وهو الحدث المفصلي الذي صاغ المشهد السياسي في المنطقة على مكونات جديدة، فالولايات المتحدة ومع تبريرها للغزو أرادت أن تقدم أنموذجا يحتذى به في تداولية السلطة عبر الانتخابات العامة (وفق المنظور الأميركي)، إذ للمرة الأولى تشهد منطقة الخليج هذا السيل من التحولات السياسية الجذرية، وبدأت رياح التغيير القادمة من بلاد الرافدين تعبر أجواء المنطقة وتفرض على حكوماتها تعاطيا مختلفا مع المتغير الجديد.
لهذه الأسباب ولغيرها، تقاطرت معاهد التدريب الدولية على الشرق الأوسط، ولعل التجربة الأهم تسجل للمعهد المعهدَ الديمقراطيَ الأميركي للشئون الدولية NDI والذي فتح شبكة من البرامج والأنشطة لدول المنطقة.
وتأسس الصندوق الوطني للديمقراطية في العام 1983 وهو مؤسسة خاصة، مستقلة، غير ربحية، ممولة من طرف الكونغرس الأميركي عن طريق اعتماد سنوي. وبدأ الصندوق الوطنيّ للديمقراطيّة بالعمل لتنمية ودعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وفي شمال إفريقا منذ عشرة أعوام. حيث يقوم بتقديم منح تهدف إلى رفع مستوى الوعي المدني وثقافة حقوق الإنسان، وتقوية قطاع المنظمات غير الحكوميّة، ودعم مبادرات الإصلاح، وتقوية المؤسسات السياسيّة، إضافة إلى دعم مشاركة المواطنين في الحياة العامة ونقابات العمال والمؤسسات التجار.
وقد أثار الـ NDI موجة من الصخب وخصوصا في البحرين التي كانت الحاضن الأهم للمعهد الأميركي في منطقة الخليج، وذلك بسبب إصلاحاتها السياسية وانفتاحها الإعلامي وتنوعها الثقافي.
وبحسب مدير المعهد الوطني للشئون الدولية NDI فوزي جوليد الذي غادر البحرين بطلب من السلطات الرسمية قبيل الانتخابات البلدية والبرلمانية في العام 2002 والتي شاركت فيها قوى المعارضة للمرة الأولى، فإن المعهد الأميركي نظم عشرات الورش والفعاليات والملتقيات والرحلات البحرين منذ العام 2002 وحتى العام 2006، موضحا أن فعاليات المعهد استفاد منها أكثر من3500 من بينهم أعضاء مجلسي الشورى والنواب وأعضاء المجالس البلدية الخمسة ونشطاء من الجمعيات السياسية والمجتمع المدني.
وجاء في مذكرة المعهد الأميركي أن أنشطة معهد الـ NDI في البحرين بدأت بعد اجتماع المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليز كامبل مع صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وعدد من الوزراء والمسئولين إلى جانب أكثر من 30 سياسيا وناشطا وقيادات المجتمع المدني. وأكدت الاجتماعات على الدور المهم الذي يلعبه المجتمع المدني في نمو وتطور أيّ ديمقراطية صاعدة.
ونظّمَ معهد NDI دورات لأعضاءِ المجالس البلدية المُنتخبينِ في العام 2002 وحاضر فيها العمدة السابق لمدينة دبلن، وحضرها 30 مِن أعضاء المجالسِ البلدية، كما أجرى معهد NDI سلسلة من المُناقشات وورش العمل التي ضمت تسع مجموعات لقياس المعرفة السياسية، ومواقف الناخبَ والرأي العام.
ونظم NDI رحلة إلى المملكة المغربية لخمسة من الرموز السياسية في الرحلة فرصة للاطلاع على تجربة إحدى الديمقراطيات العربية، وجلب المعهد إلى البحرين 10 مدربين دوليين للاستعداد للانتخابات البرلمانيةِ التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأولِ من العام 2002، وأقيمت دورات مكثفة شارك فيها عشرون سياسيا وأعضاء مؤسسات المجتمع المدني.
ونظم المعهد جلسةَ معلوماتِ لـ 80 مرشّحا للانتخابات. بمشاركة جهات رسمية، وكذلك نظم المعهد ورشة عمل عن التغطية الإعلامية للانتخابات شارك فيها 40 صحافيا مِن راديو البحرين، التلفزيون، وكالة أنباء البحرين، ووزارة الإعلام وآخرين أيضا بمشاركة نخبة من الإعلاميين الأردنيين.
ونظّمَ المعهد ورشات ركزت على «الانتقال الديمقراطي في البحرين» «بمشاركة 160 شخصا، منهم كُلّ أعضاءِ المجالس البلدية الخمسين تقريبا، وأعضاء مجلسي الشورى والنواب والجمعيات السياسية ونشطاء المجتمع المدني.
واجتمع المدير الإقليمي للمعهد مع 65 عضوا من المجلس الوطني وأعضاء المجالس البلدية، كما أجرى كامبيل جلسة بعد الظهر ركزت «دور المعارضةِ في المجتمعِ المفتوحِ» (مجموعات ضغط خارج البرلمانات).
وعلى رغم أن العلاقة كانت جيدة جدا بين المعهد الأميركي مع البحرين التي تربطها علاقات استراتيجية تاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر المنامة أحد حلفائها في منطقة الخليج، وكان عمل الـ NDI مرحبا به، إلا أن التغير المفاجئ في نمط التعاطي الرسمي مع المعهد حدث قبل الانتخابات البلدية والبرلمانية في العام 2006، وقد اتهمت أوساط إعلامية (مقربة للجهات الرسمية) المعهد بأنه له أغراض غير معلنة وانه يحد من سيادة البحرين، لكن فئات أخرى ترى أن عرقلة عمل المعهد يكمن في تخوف بعض الجهات من مساهمة المعهد في التمكين السياسي للمعارضة، وهي التهمة التي نفاها المعهد مرارا.
وتحديدا عندما صدر مرسوم ملكي بتأسيس معهد البحرين للتنمية السياسية التي تترأسه الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة لولوة العوضي. ووصل الخلاف ذروته عندما أنهت البحرين الإقامة الخاصة التي منحها الديوان الملكي لمدير معهد الـ NDI في المنامة فوزي جوليد بعد أربع سنوات من عمله المتواصل مع الحكومة والفعاليات السياسية البحرينية المختلفة إثر اختلاف الطرفين على قانونية إشراف المعهد البحريني على عمل الـ NDI و كشف كبير ممثلي المعهد الديمقراطي الوطني للشئون الدولية «NDI» سكوت بيتس عن توصل المعهد إلى اتفاق مبدئي مع حكومة البحرين على عودة أنشطته إلى المملكة مرة أخرى ولكن من دون افتتاح مكتب للمعهد في المنامة.
وأفصح بيتس عن تنفيذ أول برنامج للتعاون بين المعهد والبحرين في أكتوبر/ تشرين الأول عن طريق معهد البحرين للتنمية السياسية، موضحا أن تحديد طبيعة البرنامج الذي سينفذ في المنامة تزامنا مع افتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس الوطني متروك للتشاور بين قيادتي المعهدين.
وكانت وزير الخارجية الأميركية السابقة ورئيسة مجلس أمناء معهد الـ NDI مادلين أولبرايت قد زارت المنامة أواخر العام الماضي، وعقدت لقاءات مع كبار المسئولين في المملكة وأعضاء السلطة التشريعية وممثلي الجمعيات السياسية، كما زار المنامة أيضا المدير الإقليمي لبرامج المعهد ليز كامبل، ولعب السفير الأميركي السابق في المنامة وليام مونرو جهودا للتنسيق في المفاوضات مع الحكومة البحرينية.
وقد كثرت المؤسسات التدريبية مع التنافس الغربي على الحصول على موطأ قدم في «شرق أوسط ما بعد العراق»، وتعالت موجة الحديث عن الديمقراطية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وخصوصا بعد «منتدى المستقبل» الذي كان فكرة أميركية لمد الجسور مع القوى السياسية والإصلاحية في الشرق الأوسط وخصوصا العالم العربي ولكن السؤال الجدلي بشأن هذه الأصناف من المراكز الدولية لم ينقطع، وهو: هل شكلت المعاهد التدريبية للتثقيف السياسي والتنمية في العالم الثالث، أما انها نوافذ أميركية على الشرق تروج للسياسة الأميركية التي يرى مناهضوها أن لها مآرب أخرى!