قاسم: لا انقطاع عن المطالبة بحقوق الشعب بالسلمية ورفض العنف... المحمود: مواقف الإدارة الأميركية من أسباب عدم إستقرار البحرين
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، الشيخ عيسى قاسم إنه لا انقطاع عن المطالبة بحقوق الشعب، عبر طريق السلمية، ورفض العنف، جاء ذلك في خطبته أمس الجمعة (11 مايو/ أيار 2012). وأكد قاسم أنه «لا عنف ولكن لا تراجع عن الإصلاح، لا عنف ولكن لا تضحية بالمطالب، لا عنف ولكن لابدّ من حقوق المواطنة الكاملة».
وذكر قاسم «ذهب عشرات الشهداء إلى رحمة الله، ودخل السجون مئات الأحرار والحرائر، وامتلأت ساحة الوطن من أنواع الانتهاكات التي ضاق بها الشعب، وهُدمت المساجد ولايزال يُمنع بنيانها والصّلاةُ في مواقعها، ومازال الشُّرفاء والشريفات مغيّبين في حبسهم، ومازال الشّيخ ميرزا المحروس والناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة يتهددهم الموت، ومازال النّاشط الحقوقيّ نبيل رجب الآخر يُحتجز ويُحاكم، ومازال قادة الرأي السياسيّ ممّن في السّجن يُتلاعب بمصيرهم، والمطالب الحقوقيّة والسياسيّة معطلة».
وأضاف «كلّ ذلك ولا حاجة إلى الإصلاح؟، مقولةٌ يتنكّر لها الدّين والضمير والعرف العالمي والحسّ الإنساني والميثاق الوطني».
وتابع «سؤالٌ يتطلّب جواباً موضوعيّاَ منصفاً من السلطة: كيف تباركون لأي سلطةٍ أنتجتها الديمقراطيّة في أي بلدٍ من بلدان الربيع العربي من خلال إرادة الشعب، ثمّ ترون أن مجرّد المطالبة بالديمقراطية من هذا الشعب جريمة لا تغتفر ولابدّ أن تُواجَه بالعقوبة الصّارمة وأشدّ التّنكيل والعذاب؟، كيف تحاربون من أجل الديمقراطية في بلدانٍ من بلدان الربيع العربي وتقهرون صوت الحرية في هذه البلد؟».
وأفاد قاسم «من قبل أكثر من سنةٍ تحرّكت الساحة العربيّة في اتّجاه الإصلاح والتغيير على يدِ شعوبها فيما يُصطلح عليه بالربيع العربي. المُلاحَظ من هذا الحراك كلّه أنّه ليس كما كانت طبيعة الحركات السياسية والانقلابية قبله والتي كانت تنطلق عن تدبير قيادة شخصٍ أو حزبٍ أو فئة متنفّذة وطلباً لمكاسبَ تتحرّك في دائرةٍ معيّنةٍ ضيّقة خاصّة».
وبيّن أن «الحَراك الذي عاشته السّاحة العربيّة هذه المرّة امتاز بأنّه حراكٌ شعبيٌ عامٌ منطلقٌ من معاناة الشعوب، من وعيها وجهودها وتضحياتها، ويعبّر عن آلام الشعوب وآمالها وطموحاتها، ويسعى لاستعادة عزّة هذه الشعوب وكرامتها; ولذلك لا يتوقّف عند وصول البديل الذي لا يحِّق أحلام الشعب وأمنياته رغم كلّ الكلمات المعسولة والألوان الزاهية وأساليب الخداع والشعارات الرنّانة».
وقال إن: «الشعوب انطلقت تطلب الحريّة والانعتاق، العزّة والكرامة أن تسود قبل أن تسودها الحكومات، وللطبيعة الشعبيّة العامّة لهذا الحراك تجده لا يموت بموت رجلٍ ولا رجال ولا بسجن مئة ولا مئات ولا بتراجع حزب أو أحزاب ولا يَضعُف بمن يضعُف وخيانة من يخون. إنّه تفجر عامٌ بقوّته وسعته واشتداده لا تؤثّر على اندفاعاته العارمة كلّ هذه الخسائر وكلّ هذه التراجعات».
وأردف قائلاً: «هذا الواقع الذي رآه الجميع في عموم السّاحة العربيّة، لابدّ أن يؤكد للذين يطمحون لإسكات صوت الشعب هنا عن مطالبه بأنّه لو مات كلّ علماء البلد ممّن يتمنّون موتهم أو غُيّبوا في السّجون أو هُجّروا، ولو خَلَت الساحة من كلّ رمزٍ من رموزها السياسيةّ فإنّ ذلك لا يقضي على حركة الشعب وإصراره على مطالبه العادلة».
ورأى أنه «جاء دور الأنظمة العربية التي خاضت الصّراع من حَراك شعوبها على تفاوت، فمنها ما حاول امتصاص الصّدمة بدرجةٍ وأخرى من الإصلاحات مبكّرة أو بعد حين بصورةٍ استطاعت تهدئة الأوضاع إلى حينٍ أو لم تستطع، ومنها من لم يعرف إلا استعمال لغة القوّة، ومنها ما يتجّه إلى السّماح بالمطالبة السلميّة بالإصلاح، ويتعامل معها بمهارته السياسيّة في المراوغة والالتفاف مع مضايقته للمطالبة محاولةً للتخلّص من إحراجها، ومنها من يُعاقِب على أصل المطالبة ويلاحق بالأذى كلّ صوتٍ ناقد وكلمةٍ تبوح بطلب الإصلاح».
ونوّه أن «والظّاهر أنّنا صرنا هنا إلى هذا المستوى الأخير، أن تُجرّم كلمةٌ تنطلق بمطالبة الإصلاح. وهذا المنحى يزيد الإيمان بضرورة الإصلاح; لأنّه يضيف إلى المحنة ويرفع من درجة القهر ويضاعف المشكلة ويزيد في التأزيم».
وفي سياق خطبته، تحدث قاسم عن ما أسماه بـ «التشكيك في جنسيّتي في حملةٍ من الافتراء المكشوف والتجنّي السّافر المتجاوز لحدود الدِّين والأدب واللياقة وكلّ عرفٍ إنساني»، معتبراً أنه «طريق للتّشكيك ليس في جنسيّة المئات من أرحامي فحسب ولا جنسيّة طائفةٍ بكاملها; بل هو طريقٌ للتّشكيك في جنسيّة أيّ مواطنٍ أصليّ مغضوبٍ عليه من السلطة».
وتساءل قاسم «لماذا يتجاوزني هذا التّشكيك والمئات من أهلي إلى كلّ مواطن مغضوبٍ عليه؟، ذلك لا لأني أمثّل غير نفسي أو أنّ لي امتيازاً على أيّ طفلٍ من أطفال الطّائفة أو الشعب، ولكن لأنّ نسف ثوابت جنسيّتي مع ترسّخها يفتح الباب لنسف ثوابت الجنسيّة لأيّ واحدٍ يُرادُ التخلّص منه للعِداء السياسيّ».
وأوضح قاسم «يبعُد بيت جدّي الرابع -عبد الإثنَيْ عشر- أي الأئمة الأطهار (ع) (والمسمّى ابن عمّي المباشر باسمه وهو أبو الشهيد عبدالحميد)، عن بيت الوالد والعمّ الذي تربّيت فيه حوالَيْ مئة وخمسين قدماً فقط».
وأضاف «أمّا عائلة المصلّي والتي ينحدر أجدادي منها، والتي كانت قاطنةً في حيّ المصلّي المعروف الآن بـِـفـُــوَيـْـلـِـيد شمال الدراز، وفيه مسجد القَدَم الذي يقع قريباً من هذا الجامع، فإنّ هذه العائلة قد اضطرها الاضطهاد السياسيّ المعروف تاريخيّاً إلى الهجرة من البحرين بعد أن صبّ رجالها عرَقَهم على أرض الوطن منذ مئات السنين إسهاماً في بنائها، وتركوا شواهد هجرتهم قائمة وقد وقفت فيمن وقف على آثارها، ومع ذلك فإن أبناء العمومة والخؤولة من مباشرٍ وغير مباشرٍ ممّن يلتقون بنا ونلتقي بهم في جدٍ واحد، يبلغون في الدُرازِ بالمئات، وإلى جنب أبناء وبنات من عاش من الأخوة حتّى سنّ الزواج والذين يُعدّون بالعشرات».
وقال: «لا فخر كالفخر بالإسلام ولا قيمة لنسبٍ من دون عملٍ صالح، فأسأل الله الحنّان المنّان لكم سلامة الدّين وزاد التّقوى، وشكوانا إلى الله وكفى بالله حاكماً ونصيرا. مثل الكلام الذي نشر فضيحة من فضائح الإعلام الرسمي وصورة من صور الظلم البشع للمواطن».
ونوّه قاسم «أبلغكم أيها الأعزاء أنّه لا يرضيني; بل يسوؤني، مسّني ما مسّني من سوء ظلم الظالمين أن يضطرب وضع هذا الوطن أو أن أكون سبباً في أن تسيل قطرة دمٍ واحدة من أيّ مواطنٍ أو مقيمٍ كان من كان وإنّي لشديدُ الحرص على سلامة شبابنا».
المحمود: خلاصنا من الأزمة يبدأ بمعالجة الفساد والاستمرار في التنمية
من جانبه، رأى إمام وخطيب جامع عائشة أم المؤمنين الشيخ عبداللطيف المحمود أن طريق الخلاص من الأزمة في البحرين يبدأ من خلال معالجة الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، إلى جانب الاستمرار في عمليات البناء والتنمية.
وقال المحمود، في خطبته أمس الجمعة (11 مايو/ أيار 2012) إن «طريق خلاصنا يبدأ من وطننا وبأيدينا وفق سياسة واستراتيجية واضحة تقوم على أمرين، أولا: استراتيجية (دفع المفاسد)، فمعالجة الفساد الإداري والمالي والأخلاقي بكل قوة ووضوح، ووضع خطة كاملة محددة المدة لتطبيق القضايا التي تم الاتفاق عليها في حوار التوافق الوطني، وقد أنجز منها ما يتعلق بالجانب الدستوري وصدق عليها الملك، لكن الباقي أكثر أهمية لأنها تتعلق بالحياة اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
واعتبر المحمود أن «كل سلبية من سلبيات العمل هي أكبر معول هدم لبناء الدولة. ولقد قلت من قديم لبعض المسئولين وكررت عليهم (سلبيات العمل الحكومي هو سلاح أعداء البحرين)، ومازلت أكرر هذا القول، فقد ثبت أن محاولات هدم البحرين في الأزمة التي لاتزال ذيولها مستمرة، اعتمدت على تلك السلبيات والأخطاء التي ارتكبت بقصد أو بغير قصد، ولم تتم المحاسبة عليها أو تصحيحها في حينها»، مؤكداً أن «تخصيص هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وتطبيق مرئيات حوار التوافق الوطني يتولاها رجل قوي أمين سيساعد على تحقيق هذه السياسة المعتمدة على (دفع المفاسد)».
وأضاف «ثانيا: استراتيجية (جلب المنافع)، وذلك بالاستمرار في البناء والتنمية والتعمير على نحو ما نراه في الحركة العمرانية والخدمية. ولا يجوز أن نغتر بخطط التنمية والتعمير (جلب المنافع) دون أن نولي (دفع المفاسد) الأهمية الكبرى، فمن قواعد الشريعة الإسلامية قاعدة مهمة في بناء الفرد وبناء الدول تقول: (دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع)».
وتحت سؤال «ما الذي يمنع البحرين أن تتقدم بخطى أكثر في عمليات التطور والتنمية؟»، قال المحمود: «يظن البعض أن مواقف الإدارة الأميركية المساندة للقوى السياسية المستمرة في عمليات التخريب والعنف هي من أسباب عدم الاستقرار في البحرين، ونقول لهؤلاء، لا تنتظروا أن تغير الإدارة الأميركية من مواقفها الاستراتيجية، فقد أظهرت أنها مع تفتيت المنطقة كلها».
وأضاف «يمكن أن تغير الإدارة الأميركية من مواقفها الجزئية لكننا مؤمنون بأن نظرتها الاستراتيجية لم تتغير لخدمة مصالحها البعيدة المدى، ولو كانت على حساب الشعب الأميركي وشعوب العالم كله، مشيراً إلى أن «هذا ما تبين من موقف وزيرة الخارجية الأميركية يوم أمس في مقابلتها مع ولي العهد، إذ استمرت في دفاعها عن المخربين ومحاولة ضغطها على البحرين».
وشدد المحمود «نعم نحن بحاجة للكياسة السياسية، لكن لا يجوز أن نبدي أي ضعف، فلا يؤكل إلا من رضي باستضعاف نفسه، وقد قيل في الأمثال: (استضعفوك فأكلوك)».
وتحدث المحمود عن موقف بعض الدول الغربية، مبيناً أن «من هذا الاستضعاف ما نراه من بعض الدول الغربية في مطالبتها تسليم بعض من يحمل جنسيتها إليهم مع أنهم محكومون في جريمة جنائية بتطبيق القانون الجنائي البحريني».
وتساءل «ويمكن أن نوجه لهذه الدول الغربية سؤالا: لو أن من يحمل جنسية دولة من دولكم مع جنسية دولة أخرى قد ارتكب جريمة في دولكم وطلبته الدولة الأخرى التي يحمل جنسيتها فهل يسلم إليها؟».
ورأى المحمود أيضاً «نحن بحاجة إلى مواقف صارمة مع تلك الدول التي تتلاعب بحق شعبنا، ولابد أن يستشعر الآخرون هذه المواقف حتى لا يمضوا في نفس الطريق، إذا كانوا يدافعون عن حقوق فرد فيما يزعمون، فإننا نطالب الإدارة البحرينية أن تدافع عن حقوق كل الشعب البحريني بمختلف فئاته فهذه مسئوليتها».
عيد: ليس محباً لوطنه مَنْ يعالج المشكلات السياسية بالقوة
من جهته، اعتبر إمام وخطيب جامع كرزكان الشيخ عيسى عيد أن من يعالج المشكلات السياسية بالقوة، وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة «ليس محبا لوطنه، وليس مصيبا من يعالج المشكلات السياسة بتكميم الأصوات، وفرض سياسة الرأي الواحد، ورفض الرأي الآخر».
ورأى عيد، في خطبته أمس الجمعة (11 مايو/ أيار 2012) أن «سياسة فرض القوة تزيد من الأزمة، وتباعد الهوة بين الحكومات والشعوب، وتزيد في الخراب، تدمير البنى التحية، فتدمر الاقتصاد، الذي عليه تقدم البلد وازدهاره، وفرض سياسة تكميم الأفواه تعمق المشكلة، وتبعدها عن أبواب الحل، إذا لم توصد أبواب الحل أمامها».
وقال عيد: «لا نشك أن التصعيد الأمني من قبل الحكومة لا يصب في مصلحة البلد أصلا، وهو مرفوض عقلا وشرعا وعرفا، فالعقل لا يمنع من أن يعبر الإنسان عن رأيه، ولاسيما في الأمور التي تعنيه وتتعلق به»، مضيفاً «لاشك أنّ الأمور السياسية في كل بلد تعني مواطنيها وتتعلق بهم، وكذلك الشرع لا يمنع من أن يبدي أي مواطن رأيه في كل ما يهم بلده».
وأكد عيد أن ذلك «ما مضى عليه السلف الصالح من المسلمين في صدر الإسلام، حيث كانت للمسلمين مواقفهم من الحكام، كما كان للخلفاء الراشدين دور في تشجيع الناس على إبداء وجهة نظرهم حتى بالنسبة إلى الخليفة نفسه، وهذه الأعراف المحلية والإقليمية والدولية كلها متفقة على نبذ العنف وإدانته، فالبرلمانيون الدوليون والحقوقيون، والمنظمات الحقوقية، بما في ذلك لجنة تقصي الحقائق التي شكلت بأمر ملكي، ومنظمة العفو الدولية يعربون عن قلقهم وتنديدهم للإفراط في التعاطي الأمني المفرط، واستخدام الغازات السامة ضد المحتجين البحرينيين».
وانتقد عيد وصف المطالبين بحقوقهم بأنهم محرضين، وقال إنه «أمر يندى له الجبين، وخطأ فادح يرتكب في حق البحرين والبحرينيين، ويتعارض كليا مع عملية الإصلاح».
وناشد عيد «المسئولين بالعمل الجاد والصادق لإيجاد الحلول الناجحة لحلحلة القضية، والمشكلة السياسية، بدلا من تكميم الأفواه بإصدار القوانين التي تصادر حرية الرأي المكفولة دستوريا، ودوليا».
القطان: حب الدنيا والبحث عن الجاه أودى بأمة الإسلام في العصور المتأخرة
على صعيد آخر، اعتبر إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان أن حب الدنيا والبحث عن الجاه العريض، والشهرة الواسعة، أودى بأمة الإسلام في عصورها المتأخرة، إلى ما هي عليه الآن من ضعف وهوان، وتفرع ونزاع وشقاق»، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى «تحكم الأعداء في كثير من قضاياها، واستحوذوا على كثير من خيراتها، واستولوا على بعض بلادها، وساموا بعض الشعوب المسلمة سوء العذاب، وألحقوا بهم أصنافاً من النكال».
وقال القطان، في خطبته أمس الجمعة (11 مايو/ أيار 2012) إن: «ما يحدث اليوم على أيدي الصهاينة الغاصبين، والشرذمة المفسدين، ضد إخواننا المستضعفين في الأرض المباركة فلسطين، وكذا ما يحدث في بعض الدول العربية والإسلامية، من ظلم وطغيان وعدوان أثيم على الأنفس والأموال والحرمات، وقتل الأبرياء على الهوية، وتدنيس المقدسات، إنما مرده إلى ما عليه حال كثير من المسلمين من إقبال على الدنيا، وزهد في الآخرة، وإعراض عن طاعة الله ورسوله؛ وغفلة عما يدبر ويحاك لهم من مؤامرات، وعدم مبالاة لما يجري لإخوانهم من محن ومصائب ونكبات، حتى ابتلوا بهؤلاء الأعداء الحاقدين، ومن شايعهم من المجرمين والظالمين، الذين استهانوا بالمسلمين، واسترخصوا دماءهم وحرماتهم».
وذكر القطان أن «أبلغ بيان وأوضح تصوير لحقيقة هذه الحياة الدنيا، وما يجب أن يكون عليه حال المرء فيها من الإقبال على الله جل وعلا، والأخذ بالنفس في دروب الصلاح والتقى، ومجانبة الشهوات والهوى، والحذر من الاغترار بالدنيا، غير أن من عظيم الأسف أن يظل الكثيرون منا في غفلة وتعامٍ عن ذلك؛ حتى غلب عليهم طول الأمل، وران على قلوبهم سوء العمل، وكأن لا حياة لهم إلا الحياة الدنيا... وإذا استولى حب الدنيا على قلب المرء أنساه ذكر ربه، وإذا نسي المرء ذكر ربه أنساه تعالى نفسه، حتى يورده موارد العطب والهلاك». وأفاد بأن «من مظاهر غلبة حب الدنيا على القلوب، واستيلائها على النفوس لدى البعض، ألا يكون لهم همّ إلا البحث عن الجاه العريض، والشهرة الواسعة، وإن كان على حساب الدين والفضيلة، وآخرون ليس لهم همّ سوى جمع الأموال، وتضخيم الثروات، حتى سلكوا في تحصيل ذلك مسالك مشبوهة، وسبلاً محرمة».
وقال القطان إن: «عنوان سعادة المرء ودلائل توفيقه، إنما يكون في إنابته لربه، واستقامته على شرع الله ودينه في جميع أيام حياته، وعلى كل حالاته، وإقباله على الله تعالى بنية خالصة وعبودية صادقة، وألا تشغله الحياة الدنيا والسعي في تحصيل ما يؤمل منها، عن الاستعداد للحياة الباقية، والتزود للدار الآخرة، فذلك سبيل الصالحين، ونهج المتقين».