الأزمة في لبنان تدفع بصدقية أميركا إلى أدنى مستوى
واشنطن - ديفيد ميليكين
قال محللون إن صدقية الولايات المتحدة كوسيط دبلوماسي في الشرق الأوسط تراجعت إلى أدنى مستوى لها بعد الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش مع النزاع في لبنان المستمر منذ شهر. ولكن على رغم تضاؤل نفوذها، لاتزال واشنطن تعتبر اللاعب المهيمن على أي جهود لتخفيف حدة العنف الذي تشهده المنطقة المضطربة.
وتصاعد القتال بين «إسرائيل» وحزب الله مع دخوله الأسبوع الخامس أمس الأول فيما لايزال الدبلوماسيون يختلفون بشأن تفاصيل مشروع القرار الدولي الخاص بوقف إطلاق النار في لبنان وفيما تزداد عزلة الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين والعرب.
وبالنسبة إلى الكثير من المحللين، وضعت إدارة بوش التي تضررت بشكل كبير بسبب تعاملها مع الأزمة في العراق، نفسها في زاوية دبلوماسية ضيقة بسبب تأييدها الكبير «إسرائيل» في هجومها المستمر منذ شهر على لبنان.
وقتل أكثر من 1000 مدني لبناني في الغارات الإسرائيلية. ولاتزال المدافع تقصف لبنان فيما يتجادل الدبلوماسيون بشأن شروط وقف ممكن لإطلاق النار في حين قتل عشرات الإسرائيليين في هجمات حزب الله الصاروخية.
وقال المحلل المختص بشئون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دانيال بنجامين: «انه ستكون هناك فكرة قوية بأن الولايات المتحدة تنحاز لـ (إسرائيل) وانها لم تظهر اهتماماً كافياً بالضحايا المسلمين». وأضاف «لا شك في أننا لا نكسب أي أصدقاء جدداً في المنطقة الآن باستثناء (إسرائيل)».
وقال بنجامين ومحللون آخرون: «إن نفوذ إدارة بوش في الشرق الأوسط يعاني من ضغوط قوية بسبب فشلها في إحلال الاستقرار ووقف العنف الطائفي في العراق بعد أكثر من 3 سنوات على الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. إلا أن رفض واشنطن دعم الدعوات الدولية لوقف فوري لإطلاق النار في لبنان وانسحاب القوات الإسرائيلية بسرعة من الأراضي اللبنانية أثار غضب الشعوب العربية وكذلك حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة.
وأفاد المختص بالعلاقات العربية الإسرائيلية في جامعة جونز هوبكنز سعدي توفال أن «المشكلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة هي أن الرأي العام في العالم الإسلامي والعالم العربي معاد لها، لذلك فإن الحكومات لا ترغب في أن ينظر إليها على أنها تتعاون معها».
وأعرب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن انزعاجه من الموقف الأميركي بعد أن وصفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس النزاع في لبنان بأنه «آلام مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد» لا مكان فيه لمتشددين مثل حزب الله.
وقال عاهل الأردن في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي. بي. سي» الثلثاء الماضي: «أخشى على مستقبل الشرق الأوسط»، مؤيداً الدعوات لوقف إطلاق النار فوراً في لبنان. وأضاف «لم اعد استطيع قراءة الخريطة السياسية في الشرق الأوسط لأنني لا أرى سوى غيوم متراكمة فوق أكتافنا».
وقال المحللون انه حتى أصدقاء الولايات المتحدة المقربين مثل الملك عبدالله أصبحوا ينأون بأنفسهم عن واشنطن في مؤشر على مدى تدهور النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
ورأى الخبير في سياسة الشرق الأوسط والولايات المتحدة في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك أن «ثقة العالم العربي بـالولايات المتحدة بصفتها وسيطاً نزيها للسلام بلغت أدنى مستوى لها نظراً إلى الفهم السائد بأن الولايات المتحدة تؤيد كل ما تفعله (إسرائيل) من دون قيد أو شرط».
ووافق توفال من جامعة جونز هوبكنز على ذلك. وقال: «في التاريخ المعاصر ومنذ أصبحت الولايات المتحدة مشاركة في العلاقات الدولية، اعتقد أن نفوذها تراجع الآن إلى أدنى مستوى له». إلا انه أضاف انه «على رغم ضعف نفوذ الولايات المتحدة فإنه ليس هناك من يأخذ مكانها». وأوضح أن «الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ لأنها تتمتع بنفوذ على (إسرائيل) وتتمتع بنفوذ اكبر من أي دولة أخرى من حيث تعبئة الموارد وفي إقناع الآخرين».
أما المحلل كذلك في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حاييم مالكا، فقال: «الخلاصة تبقى هي أن أي وساطة أو مفاوضات يمكن أن تجري في المنطقة يجب أن تتضمن دوراً قياديا قويا للولايات المتحدة».
ونفى المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك أي تلميح إلى فقدان واشنطن نفوذها في الشرق الأوسط، وقال: «إن الدول لاتزال تعتبر أن للولايات المتحدة دوراً قيادياً مهماً في المنطقة»