الولايات المتحدة وبريطانيا تقامران بالكثير في حرب لبنان
القاهرة - جوناثان رايت
تقدم بريطانيا والولايات المتحدة على مقامرة كبيرة عندما تبرر الغزو الإسرائيلي الثالث للبنان لأن فشل «إسرائيل» في تحقيق أهدافها سيضعف من موقفهما في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تتعرض فيه قوتا الحليفتين المتحدثتين بالانجليزية للهجمات في العراق فإنهما تخاطران بفقد المزيد من الأصدقاء والنفوذ من دون تحقيق تقدم يذكر في مواجهة الخصوم من حكومات وجماعات عربية ومسلمة تعارض خططهما في المنطقة.
ووصفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ما يحدث في لبنان بأنه آلام مخاض لميلاد شرق أوسط جديد. ويقول محللون إن إدارة بوش تنظر إلى الصراع بين «إسرائيل» وحزب الله على أنه فرصة لنزع أسلحة الجماعة ومعاقبة سورية وإيران اللتين تدعمانه.
وفي هذا الإطار سيخيف الهجوم الإسرائيلي حركة «حماس» التي ترفض الاعتراف بـ «إسرائيل» أو التخلي عن الكفاح المسلح لاستعادة الأراضي المغتصبة. ولكن «إسرائيل» تعين عليها فعلاً تعديل استراتيجيتها وقللت من شأن توقعات بأن حزب الله سيفرج من نفسه عن الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرهما في 12 يوليو/ تموز أو أن الحكومة اللبنانية ستبادر بنزع أسلحة حزب الله.
ويقول مسئولون إسرائيليون في الوقت الحالي إن الهدف الحالي هو تكبيد حزب الله اكبر خسارة ممكنة قبل التوصل لوقف إطلاق النار وان تدمير كل صواريخه لن يكون ممكنا. وهناك شك في قدرة «إسرائيل» على إبعاد حزب الله عن الحدود بمسافة كافية بحيث يصبح عاجزا عن إطلاق صواريخ على «إسرائيل».
وبدأ غالبية المعلقين حتى في الولايات المتحدة و››إسرائيل» يشككون في احتمال النجاح في الحملة على لبنان وعقدوا مقارنة بين فشل القوات الأميركية والبريطانية في تحويل العراق من خلال القوة العسكرية إلى قلعة للديمقراطية والمشاعر الموالية للغرب وبين ما تقوم به «إسرائيل».
قال بريت ستيفنز وهو كاتب صحافي في صحيفة «وول ستريت جورنال» المحافظة انه إذا استمرت الحرب كما هي «فإن (إسرائيل) تتجه لأكبر مهانة عسكرية في تاريخها». وقال الوف بن المحلل في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت يقوم بمحاولة أخيرة لإظهار أن الحرب حققت نجاحا بدلا من الانسحاب وأن الهدف الآن هو نشر قوة أوروبية في منطقة عازلة بامتداد الحدود. ولكن بالنسبة لحزب الله الذي حصل على قدر كبير من الدعم والشرعية بعد محاربته «إسرائيل» وإخراجها في العام 2000 من جنوب لبنان بعد احتلال دام 20 عاما فإن أية نتيجة تسمح ببقاء الجماعة وتترك قطاعات كبيرة من السكان مؤيدة لها يمثل انتصارا. وقال أولمرت أمس إن الجيش الإسرائيلي دمر تماما البنية الأساسية لحزب الله ونزع أسلحة الجماعة «بدرجة كبيرة». ولكن حزب الله يمثل أيضا حركة سياسية ودينية لها جذور متغلغلة بين الشيعة في لبنان وهو يمثل أكبر قوة سياسية في أكبر طائفة دينية بلبنان. انه يواصل القتال ويمكنه بسهولة تعويض الترسانة القديمة.
وعلى عكس المقاتلين الفلسطينيين الذين حاربتهم «إسرائيل» في جنوب لبنان في العام 1978 ومرة أخرى في العام 1982 يأتي مقاتلو حزب الله من القرى الجبلية في المنطقة ولديهم حافز يحركهم للقتال وهو تخليص المنطقة من أي جيش احتلال إسرائيلي.
وتعلق الولايات المتحدة و«إسرائيل» وبريطانيا الآمال على نشر قوة دولية بامتداد الحدود ومساعدة الجيش اللبناني في نزع أسلحة حزب الله. ولكن تاريخ مثل هذه القوات في لبنان يشير إلى أنها لا تحقق أي نجاح.
والخطر الذي يواجه واشنطن ولندن هو نتيجة غير حاسمة في لبنان بعد كل هذا الموت والدمار سيضعف بصورة اكبر من صدقيتهما في الشرق الأوسط وسيلقي مزيدا من الشكوك على الرأي الذي يتكون تجاه زعيميهما. وسببا فعلاً حرجا للدول العربية الصديقة المحدودة المتبقية في المنطقة مثل مصر والأردن والسعودية وهي دول يواجه حكامها غضبا شعبيا لأن مطالبتهم بوقف إطلاق النار لم تلق آذانا صاغية.
وفقدت حملتهما من أجل نشر الديمقراطية في العالم العربي والتي استثمرا فيها قدرا كبيرا من رأس المال السياسي على مدى عامين القوة الدافعة وظهرت فيها تناقضات جمة. وليس للولايات المتحدة اتصالات بلاعبين رئيسيين في المنطقة مثل إيران وسورية و«حماس» وحزب الله والمسلحين في العراق وذلك على رغم تاريخها في إجراء الوساطات حتى في اتجاه المصلحة الإسرائيلية.
قال الكاتب الصحافي في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان «عندما نقول فقط، لن نصغي للسوريين فإننا لن نحقق أية نتيجة بهذه الطريقة». حتى رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وهو من أكثر السياسيين موالاة للولايات المتحدة في المنطقة أبلغ رايس في الأسبوع الماضي أنه لا داعي لزيارتها لبيروت ما لم تكن قادرة على التوصل لوقف إطلاق النار. وإذا ما تردت الأمور من سيء إلى أسوأ فان مؤيدي حزب الله بين الغالبية الشيعية في العراق من الممكن أن يتحولوا ضد القوات الأميركية والبريطانية هناك ليصبوا عليهم جام غضبهم وربما يحولون الفشل هناك إلى كارثة