قاسم: يخطئ الإسلاميون لو طلبوا البقاء في الحكم بالإكراه... والمحمود: الانتخابات ذات الصدقية تظهر حقيقة توجهات الشعوب
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (28 أكتوبر / تشرين الأول 2011): «يخطئ الإسلاميون لو طلبوا البقاء في الحكم عن طريق الإكراه والتحايل على الأمة وترهيبها». واستدرك بالقول «إنهم يستطيعون أن يضمنوا البقاء في الحكم والعودة إليه عبر صناديق الاقتراع في كل مرة تعطى الأمة فيها فرصة الانتخاب، لو رأى الناس منهم صدق الإسلام وعدله ورحمته وأخلاقيته، واهتمامه بتقدم المجتمع في كل مسارات حركته الصالحة وأبعاد وجوده الكريمة، ولو رأوا منهم التفاني في خدمة الشعب والإخلاص له، والأمانة الصادقة على ما تحت أيديهم من خيراته وثرواته، والاحترام لإرادته وكرامته على خلاف ما رأوا ويرون في غيرهم».
وتحت عنوان «الإسلام والإسلاميون»، تحدث قاسم في خطبته عن أن «هناك أكثر من ثورة عربية أسقطت نظاماً حاكماً مغضوباً عليه من شعبه، وهي في طريقها لإقامة حكومة أخرى ونظام حكم آخر مكانه وعلى أنقاضه، والغالبية في الشعوب العربية عاطفة أو رأياً وعاطفة لا تقدم نظاماً وحكماً على الإسلام ولا تنسجم معه، وفي حال أن تجرى انتخابات حرة بالمعنى الحقيقي، بعيدة عن كل ألوان المغالطة، فسنجد أن خيار الغالبية من الشعوب الإسلامية هو الإسلام».
ورأى قاسم أن «هذا الأمر يجعل الإسلام والإسلاميين أمام تجربة جديدة صعبة، وامتحان عسيرٍ مكشوفٍ مؤثرٍ بدرجة عالية على مصيرهما، ولو أخفقت هذه التجربة المتطلع إليها من قبل جماهير مسلمة عريضة، والتي ستكون مراقبة بالمجهر الدقيق من قبل مختلف الملايين، ومقاومةً من قبل كثيرين، فإنها ستكون أشد خطراً وأبلغ في تأثيرها السلبي على الإسلام من حالة إقصائه عن السياسة وعداوتها السافرة له».
وأوضح أن «الإسلام قد خاض تجربة الحكم قديماً وحديثاً، ولم تحقق أي أطروحة أخرى ما حققه من نجاح حينما خاض هذه التجربة برؤيته وعقيدته الدينية والسياسية الصادقة وشريعته وقيمه وأخلاقيته الحقيقية، وكذلك قد خاض الإسلام تجربة الحكم مظلوماً على يد التزوير والأطماع الرخيصة ممن لا يؤمن به حق الإيمان، وإنما اتخذه مطيةً لأطماعه وهو عابدٌ للدنيا ـ ولأكثر من مرة في القديم والحديث ـ فسجل ذلك تشويهاً للإسلام، وتحريفاً لأحكامه وقيمه، وإسقاطاً لوزنه، وانقلاباً في الرأي العام في أوساط المسلمين عليه، وبحثاً عن بديلٍ سيئ له، واحتيج في تصحيح رأي الناس في إسلامهم بعد ذلك إلى جهود مضنية، وتوعية صبورة، وثورات قاسية».
وعودة إلى الوضع الحالي، قال قاسم: «يبقى امتحان الإسلاميين في التجربة الجديدة، لو تأتى للأمة أن تعطيهم خيارها، وتضع يدها في يدهم، وتحملهم أمانة الحكم وهي أمانة ثقيلة لا يتحملها إلا أمناء كبار، وقادة أوفياء، وعقول راجحة، وهمم عالية، ونفوس متحررة من شهواتها، متأبية على الأهداف الرخيصة، وذمم طاهرة، وأيد نظيفة، وفهم إسلامي ناضج، وقلوب لا تغفل عن ذكر الله ولا يصرفها عنه لهو ولا تجارة».
وأضاف أن «الحكم الإسلامي، (أي) الحكم، وموقع الحكم؛ يتطلب كل هذا، فهل يكون الإسلاميون في هذه التجربة الجديدة بوزن هذه الأمانة الكبرى بمقدار لا يسيء للإسلام، ولا يظلمه ظلماً أشد من ظلم أعدائه؟ هل يقربون في فهمهم من فهمه، وفي طهر نفوسهم ونياتهم من طهره، وفي حكمتهم من حكمته، وفي إنسانيتهم من إنسانيته، وفي عقلانيتهم من عقليته؟ وهل يأخذون في سيرة حكمهم نزاهة تزينهم من نزاهته، ودرجة عدل تعشقهم بها الملايين من عدله المطلق الشامل الذي تفرد به؟».
وتابع «إن كان لهم ذلك، سعدت بهم الأمة وسعدوا بها، وحمتهم بقلوبها وأيديها، وكانت قلعتهم الحصينة، وسياجهم المتين، ودعامة وجودهم الثابتة بعد دعم الله وحمايته، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وتعمق إيمانهم به، وتصلب وتثبت اختيارهم الإسلام ولن يستبدلوا عنه أو يتخلوا عن نصرته، أما لو أساؤوا فهم الإسلام، ولو صبغوه بالعصبية العمياء، لو فصلوه عن بعده الإنساني، لو أوغلوا السيف في رقاب العباد، لو ظَلموا وهم يعلنون انتماءهم للإسلام ويتحدثون باسمه، لو كان أول تنافسهم على المواقع والثروة، لو اشتغلوا بالغنائم عن هموم الناس ومشاكلهم، لو توجهوا لبناء الأمجاد الدنيوية الشخصية والفئوية ضاربين بمصالح الأمة عرض الحائط، فإنهم سيسقطون من نظر الأمة، وسيسقطون الإسلام من ناحية عملية إلى حدٍّ كبير، ويجنون عليه أكبر جناية، وفي الجناية على الإسلام أعظم جناية على الأمة المظلومة والإنسانية المعذبة، وحرمان لأهل الأرض من منقذ لا منقذ لهم سواه إلى مدى قد يطول، وإن كان لابد أن ينقذ الإسلام العالم من مأساته التي أغرقه فيها البُعد عن الله سبحانه على يد الكافرين والظالمين، ويُسقط الإسلاميين الذين يصلون إلى الحكم باسم الإسلام، وينزلون به ضربة قوية بأن يساوموا أعداءه عليه، ويحرفوه مجاملة لهم وكسباً لودهم، ليجدوا فيهم سنداً أو يؤمنوا منهم شراً وتآمراً».
وذكر قاسم أن «نجاح الإسلاميين في حكم الأمة أو شعب من شعوبها أن يكونوا رساليين مبدئيين بمقدار رسالية الإسلام ومبدئيته، واقعيين عند حدود واقعيته، جديين بمستوى جديته، منفتحين بسعة انفتاحه، نزيهين كنزاهته، عادلين في الناس لا يعدلون عن عدله، بعيدين عن كل عصبية أرضية تعكر نقاءه وصفاءه، بهذا يقوون وتقوى بهم الأمة ويجدون منها محضناً دافئاً، وحصناً حصيناً، وعيناً ساهرة، ويداً ضاربة، وبهذا يحترمهم العدو ويهابهم، ويعطون لأوطانهم الاستقلال ولأمتهم العزة والمهابة والكرامة».
وتحت عنوان «الحكومات بين الوظيفة والواقع»، أوضح قاسم أن «الحكومات وظيفة من أجل أمن الشعب، ونظم أمره، ولم شمله، وحماية دينه ونفوس أبنائه وبناته، وتطوير اقتصاده وثروة وطنه وتوظيفها لغذائه وصحته وتقدمه العلمي والاجتماعي، وتحسين بيئته، وتوفير الخدمات المدنية التي يحتاج إليها، وتقدم كل أوضاع حياته».
وذكر أن «الكثير من الحكومات صار مطلوبها شعباً بلا أظافر، وبلا إرادة، وبلا تطلع إلى حياة مريحة، وبلا أمل، وحتى بلا لسان. صار مطلوبها شعوباً متنازلة عن حريتها، وكل إيمانها بالحرية المطلقة للحكومات في أن تفعل فيها ما تشاء وتختار لها ما تشاء، وأن الحكومات مالك مطلق للأرض والشعب وكل الثروة، وأن على الشعوب أن تكدح جاهدة لثراء حكوماتها التي إن شاءت أن تتصدق عليها بما يقيم أودها لتقوى على خدمتها كان ذلك منها إحساناً، وإن شاءت أن تقبض يدها فهي تمارس حقها الطبيعي ولا مورد لأي اعتراض عليها».
وبيَّن قاسم أن «المطلوب لهذه الحكومات شعبٌ يسبِّح باسم حاكميه ليلاً ونهاراً، وينسى ذاته وربه ودينه وقيمه وضروراته وحاجات حياته، ويكون بلا أمل ولا أمنية ولا تطلع، وهذا هو الواقع الذي تعاني منه شعوب هذه الأمة، ويثير تحركات أقطارها، ويفجر ثوراتها، ويسقط حكومة تلو حكومة ونظاماً تلو نظام من حكوماتها وأنظمتها».
إلى ذلك، تحدث خطيب جامع عائشة أم المؤمنين الشيخ عبداللطيف المحمود في خطبته أمس (الجمعة) تحت عنوان: «التمحيص على مستوى الأشخاص والدول»، وقال: «المؤمنون بالأديان السماوية يجمعون على أن الحياة الدنيا لها نهاية وأن بعد هذه الحياة حياة أخرى أبدية، بينما الذين لا يؤمنون بالأديان على رؤى مختلفة، فبعضهم يقول لا أدري، وبعضهم لا يتصور أن لهذه الدنيا نهاية وإن كانت هناك نهاية فليس هناك حياة أخرى».
وأضاف «المؤمنون بالأديان لديهم تصور عن بعض الأحداث التي ستحدث مما أنبأتهم به الأنبياء والرسل، أما غيرهم فهم لا يؤمنون إلا بما يقع بالفعل أو بما يرى أن الأحداث توصل إلى حدث معين قد يحدث وقد لا يحدث».
وعرج على وضع المسلمين، وقال: «نحن المسلمين نؤمن من خلال النصوص الصحيحة بأن الحياة الدنيا لها نهاية، وأن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية التي نعمل من أجلها ونستثمر حياة الدنيا لتلك الحياة، كما نؤمن بأن هذه الحياة الدنيا فيها إقبال على التدين وفيها إدبار عنه».
وأوضح أن تاريخ أمة محمد حتى تقوم الساعة سيكون على أربع مراحل بحسب الإقبال أو الإدبار عن الدين، المرحلة الأولى هي مرحلة النبوة، وذلك قد مرّ في حياة النبي (ص)، المرحلة الثانية وهي مرحلة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهي مرحلة الخلفاء الراشدين ومن تأسى بهم واتبعهم بإحسان، المرحلة الثالثة هي مرحلة الملكية الجبرية وهي أطول مرحلة من مراحل تاريخ المسلمين ومازلنا نعيشها، المرحلة الرابعة هي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، وهي مرحلة لا ندري متى تبدأ.
وبين أن المرحلة الأخيرة لا تأتي إلا بعد تمحيص واختبارات وابتلاءات على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول، أما على مستوى الأفراد؛ فإننا رأينا في حياة أمتنا خلال العقود الماضية كيف انتشرت الأفكار والنظريات التي لا تؤمن بالأديان بين أفراد الأمة وكان لها صولة وجولة حتى وقعت بالأمة الأزمات والهزائم ما جعل أكثر أفرادها يكفرون بتلك النظريات والأفكار التي ظنوا أنها كفيلة بتحقيق التقدم والتطور والتنمية والحياة الرغدة السعيدة، ويعودون إلى دينهم ويتمسكون به ويتركون تلك الأفكار التي أخرتهم كثيراً عن ركب التقدم والأمن والأمان، أما على مستوى الدول فإننا رأينا دولاً تدعي الإسلامية لكن أظهرت ممارساتها وسلوكها مع شعوبها بعدها عن الدين وعداوتها للمؤمنين واعتدادها بالطائفية المقيتة، ورأينا دولاً تحارب التوجهات الإسلامية وتدفع بهم إلى غياهب السجون وتضغط عليهم وترهبهم وتمنعهم من المشاركة في الحياة السياسية وتضيق عليهم في حرياتهم وفي معاشهم، مؤيدة من الدول الكبرى التي تخاصم الإسلام والمسلمين، فإذا بأولئك الحكام يخرجون من الحكم بكل الخزي والعار».
وتطرق إلى الانتخابات، وذكر أن الانتخابات ذات الصدقية تظهر حقيقة توجهات الشعوب الإسلامية إلى دينها وتمسكها به كما حدث في تونس، إذ تؤكد الشعوب إلإسلامية أن لا ملجأ لها من أولئك المتآمرين عليها وعلى ثرواتها وعلى دينها إلا إلى الله تعالى وإلا الاهتداء والتمسك بدينها. ونرى اليوم تلك الدول الكبرى التي وقفت مع أولئك الحكام تضطر إلى التواصل مع القوى الإسلامية التي أثبتت أنها لن تبيع دينها بعرض من الدنيا قليل ولا كثير. وبقيت بعض الأنظمة الطاغية تذيق أبناءها القتل كما يحدث من النظام السوري المتعاون مع النظام الإيراني ضد الشعب من أشهر عديدة، وكذلك النظام في اليمن الذي يتمسك بالحكم دون اعتبار للشعب ومطالبه التي لو أرادها عنيفة لما منعه من ذلك شيء فسلاحه كثير في أيدي كل أبناء الشعب، على رغم ما وقع على الشعب من قتل لأبنائه طلباً للحرب الأهلية بين الشعب، ولكنه يعي حقيقة ما يراد له ويصبر حتى يأذن الله تعالى في أمره.
وقال المحمود: «إن على من يصل إلى الحكم أو السلطة من المسلمين أن يُرِيَ أهل بلده عدالة الإسلام وحكمه الرشيد الذي يصل خيره إلى جميع الناس وأن يزيل الظلم عنهم ويحقق لهم العيش الهنيء، وأن يجعل من عمله دعوة للإقناع بالإسلام كما فعل دعاة الإسلام الأولون، الذين جعلوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا وأصبحت شعوب دول كثيرة من المسلمين، فكان الترغيب والعدل هو الداعي لدخولهم في الإسلام عن قناعة واقتناع»