قاسم: النظام العربي بحاجة للإصلاح... المحمود: وجود المعارضة من مستلزمات الحياة السياسية
الوسط - محرر الشئون المحلية
قال خطيب جامع الإمام الصادق في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2011): «إن النظام الرسمي العربي يعيش الحاجة إلى الإصلاح والتغيير»، وتساءل «ما تفسير أن الصوت المطالب من داخل النظام الرسمي العربي بالإصلاح والتغيير والمحشد لهما والمستنصر بالغرب أحياناً لتنفيذهما هو نفسه المدافع عن ظلم حكومات من داخل هذا النظام ويثبت أركانها ويدين ويخون أي تحرك داخلي ضد تلك الحكومات وأي حركة إصلاحية تريد أن تغير من الواقع، ولا يكفيه إلا أن يحشد الجيوش لإجهاض أي لون من الحراك يقاوم تلك الأوضاع، من جهة هناك دفاع عن شعوب ومن جهة أخرى هناك دفاع عن حكومات وحماية حكومات بينما الحكومات على حد واحد والشعوب على حد واحد».
وأضاف قاسم «رائعٌ جداً، ومفرحٌ جداً أن تتجه الإرادة في النظام العربي إلى إنكار الظلم من أي دولة من دوله للشعب الذي تحملت أمانة حكمه بصورة وأخرى وأن تردها عن ظلمه وتفرض عليها الاحترام لإرادة الشعب الذي همشت إرادته وإرجاع حقوقه وحريته وثروته، هذا رائع ومحل تثمين كبير إذا كان من العودة إلى الحق والأخذ بالصحيح واحترام الشعوب والنظر إلى الإسلام وأحكامه وقيمه».
وأوضح أن «هناك حكومات مستقلة تأتي قراراتها من إرادتها بلا أن تكون هذه الإرادة مهيمنا عليها ومملوكة لإرادة حكومة أخرى، هذه الحكومات قد تتوافق في سياستها مع شعوبها وقد تختلف، لكن حتى على فرض الاختلاف لو اقتنعت أن مصلحتها الدائمة أو المؤقتة في التوافق مع إرادة الشعب والسماع إلى مطالبه فإنه لا يبقى أمامها مانع من إعمال إرادتها في هذا الاتجاه وحل المشكل وإنهاء الأزمة. وهناك حكومات لا تتمتع بالاستقلال الكافي وتكون إرادتها مقيدة بإرادة مهيمنة لحكومة أخرى وهذه الهيمنة تؤزم في العادة العلاقة مع الشعب وتزيد من تعقيد حالات الاختلاف وتخلق مانعا من الوصول إلى التوافق في موارد النزاع، وخاصة عندما يكون استمرار النزاع مطلوباً للطرف المهيمن ويرى فيه فرصة للتمكين لهيمنته وترسيخها والمد في بقائها وفرض شروط أكبر على الطرف الواقع تحت هيمنته، ويزيد التعقيد تعقيداً حينما تكون حكومة عبداً مملوكاً لأكثر من جهة خارجية تفرض عليها هيمنتها وتعيش هي الحاجة إليها وتعتمد على حمايتها أو عطائها وإمدادها، فالعبد المملوك لأكثر من جهة سيادية يكون نهبا في مشاعره ومواقفه لهذه الجهات ولا يستطيع أن يتخذ قراره بنفسه، فهو فإن أرضى جهة بما يريد اتخاذه من قرار ينهي مشكلته ربما لم ترض عنه جهة أخرى وقد تتصادم إرادات مالكيه إلى الحد الذي يحيره ويمزقه ويمنع عليه اتخاذ قرار واضح وافق مصلحته أو مصلحة الشعب إلا أن تتفاوت قوة مالكيه فتكسر إرادة الأقوى إرادة الأضعف من أولئك».
وتابع قائلاً «ثم إن هذه الحكومة أو تلك قد لا يأتي دور إرادتها إلا في المرتبة الثالثة من إرادات سيادية يكون متوسطها مملوكاً لأعلاها وهي مملوكة لكل ما فوقها من إرادات وعندئذ تشتد مصيبة شعب، حكومته في هذه المنزلة من الضعف والذل في حين أنها تعد نفسها سيداً للشعب».
وتحت عنوان «النزاعات فرصة البعض»، قال قاسم: «هناك محبوا ظهور، باحثون عن مال، باحثون عن مناصب، أصحاب أحقاد، أصحاب عقد، لا يجدون فرصة أفضل من جو النزاع والصراع وتضارب المصالح بين شعب وحكومة، والحكومات تبحث في كل الظروف عن عملاء عن ألسن عن أيد عن عيون تستعين بهم لتنفيذ خططها وتثبيت وجودها بأي ثمن مستطاع، ولا تجد أفضل من باعة الدين والضمير من كل الفئات والشرائح والملل والمذاهب والتخصصات ممن يبحثون عن مشتر لهم، كما تبحث تلك الحكومات عمن تشتريه لأغراضها السيئة، وأعظم ما تشتد حاجة الحكومات لهذه السلعة ويكثر طلبها عليها فيكبر ثمنها في حال أزماتها مع شعوبها وإصرارها على كسر إرادة الشعب وإذلاله وعدم التنازل له في أي من حقوقه الثابتة، وهذه هي الفرصة الذهبية لمن كان يبحث عن الدنيا في أي بعد من أبعادها وأي مغر من مغرياتها أو تفاهة من تفاهاتها وكان مستعداً ألا يبقي لنفسه ذمة ولا دينا ولا إنسانية ولا شرفاً في قبال ما يطمح له من مال أو منصب أو تزلف، وفي هذا مصيبة كبرى للدين والشعوب والأمة».
إلى ذلك، اعتبر خطيب جامع عائشة أم المؤمنين الشيخ عبداللطيف المحمود أن «وجود المعارضة في الدولة من مستلزمات الحياة السياسية في كل الأزمان، وهذه المعارضة تزيد وتنقص وتشتد وتخفت بحسب نسبة العدل ومشاركة الشعب في تسيير شئون الحكم وتسيير حياتهم ومواجهة التطور، وذلك لا يكون إلا بمشاركة الحاكم للمواطن في تسيير شئون الحكم والدولة» .
وعرج المحمود على الحديث عن مبدأ الشورى، وقال: «إن العمل بمبدأ الشورى يوصل المجتمع المسلم إلى أفضل الحلول لحياتهم الدنيوية، وهو ما يعينهم على الوصول إلى السعادة في الآخرة أيضاً، وقد تطورت الشورى في حياة الأمم الحريصة على التقدم، وقبلت بوجود المعارضة حتى إنها أصبحت جزءاً رئيساً من الحياة السياسية» .
وبخصوص المعارضة، رأى المحمود إمكان تقسيم المعارضة السياسية هذه الأيام إلى قسمين بحسب العمل لصالح الوطن والمواطنين إلى معارضة وطنية ومعارضة غير وطنية، وبحسب الغاية منها إلى معارضة إيجابية وهي معارضة للإصلاح ومعارضة سلبية وهي معارضة للإفساد.
وأوضح أن «المعارضة الوطنية هي التي تعمل على استقلال الوطن وتنميته لمصلحة جميع المواطنين، والمعارضة غير الوطنية هي التي تبيع نفسها للغير لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصالح بقية المواطنين، فهي تعمل على تبعية الوطن لغير أهله. المعارضة الإيجابية تكون لصالح الوطن ولصالح المواطنين، والمعارضة السلبية تكون للإفساد وتكون على حساب الوطن والمواطنين».
وبين المحمود أن «المعارضة الإيجابية هي التي ترى بعينين فترى الأعمال الصحيحة النافعة للوطن والمواطنين وتؤيدها، وترى الأعمال السيئة والخاطئة فتعمل على بيان خطئها وخطرها وتعمل على تصحيحها. أما المعارضة السلبية فهي ترى بعين واحدة، فهي تكتم ما تراه من أعمال صحيحة ولا تلقي لها بالاً، وترى الأعمال الخاطئة والسيئة فتعمل على استقلالها لمصلحتها وتركز عليها وتستغلها لمصالحها السياسية وغيرها».
وأضاف أن «المعارضة الإيجابية تقوم على حب الخير للوطن ولجميع أفراد الدولة، والمعارضة السلبية تقوم على الحقد والكراهية والبغضاء وتحب الخير لنفسها فقط، المعارضة الإيجابية تستخدم الوسائل المشروعة دينيّاً وقانونيّاً للوصول إلى أهدافها، فالغاية عندها لا تبرر الوسيلة، والمعارضة السلبية تستخدم كل الوسائل الممنوعة دينيّا وقانونيّا للوصول إلى أهدافها، فالغاية عندها تبرر الوسيلة. والمعارضة الإيجابية تحرص على سلامة الأفراد والمحافظ على أرواحهم، والمعارضة السلبية لا تهمها سلامة الأفراد وتضحي بحياتهم بل إنها تضحي بأتباعها من أجل وصول زعمائها إلى أهدافهم.المعارضة الإيجابية تحافظ على الممتلكات العامة والخاصة وتراها أمانة في أعناقها ومسئولة عنها، والمعارضة السلبية لا تهتم بسلامة الممتلكات العامة والخاصة بل تدعو وتعمل على إتلافها، إلا أن تكون ممتلكاتها.المعارضة الإيجابية تعمل على تجنيب البلاد والعباد الفتن والقتل والشرور والآثام وتستخدم كل الوسائل الخيرة للوصول إلى الأهداف، والمعارضة السلبية تعمل على إغراق البلاد والعباد في الفتن والقتل والشرور والآثام».
من جانب آخر، تطرق إلى الحديث عن الحق الخاص والحق العام في القضايا الجنائية، وبين أن «بعض الأحكام تتغير إجراءات الحكم فيها بتغير الزمان والمكان، وبعضها لا يتغير، وعلى سبيل المثال؛ فإن إجراءات رفع القضايا المتعلقة بحقوق الأفراد المالية يترك أمر رفعها إلى المحاكم للأفراد أنفسهم، على اعتبار أن هذا الحق حق شخصي، وهذه لم يطرأ عليها تغيير. أما القضايا المعتبرة من الجنايات (الاعتداء على النفس والعرض والدين والمال العام والسلب والنهب والسرقة والرشوة) ففي الماضي تعتبر من القضايا الشخصية فلا بد أن يرفع المجني عليه أو أولياؤه الدعوى أمام القاضي، لكن هذا الأمر دخل عليه بعض التغيير، فقد اصطلحت الدول على أن للدولة حقّاً في الجنايات المرتكبة على الأفراد كما أن للمجني عليه حقّاً فيها، ولها حق في الجناية على المال العام (أموال الدولة) أيضاً، وعلى الدولة أن تطالب بعقوبة الجاني لصالح المجتمع للردع والزجر، أما المجني عليه؛ فإن له حقّاً آخر غير العقوبة وهو الحق في التعويض عما أصابه من ضرر أو إرجاع حقه».
وأضاف «من أجل ذلك نرى في الدول الحديثة منصباً مهمّاً وهو منصب النائب العام في النيابة العامة، وهو مكلف من الدولة رفع القضايا المعتبرة من الجرائم أمام المحاكم الجنائية سواء أقام المجني عليه أم أولياؤه الدعوى الجنائية أم لم يقيموها ولا يحتاج إلى توكيل من المعتدى عليه، فإذا ثبتت الجناية على المتهم؛ فحينئذ يعتبر ذلك إثباتاً لوقوع الجناية من المتهم، وهذا يعطي المجني عليه الحق في أن يرفع قضية يطالب فيها بحقوقه أو التعويض أمام المحاكم المدنية».
العصفور: طريق الإصلاح لا يمر إلا عبر الحكومات والمؤسسات الأهلية
من جانبه، أكد إمام وخطيب جامع عالي الكبير الشيخ ناصر العصفور بأنه من الضروري العمل على الارتقاء بالنفس والذات إلى مستويات أفضل وأحسن، ولفت العصفور خلال خطبته أمس (الجمعة) إلى أن الإنسان في الغالب لا يلتفت إلى نواقص نفسه وإنما يلتفت جداً إلى معائب الآخرين، بل إن البعض يجهد نفسه في التفتيش والبحث عن زلات وأخطاء الآخرين متغافلاً ذاته ونفسه، مستشهداً بأحد الحكماء عندما سئل «ما بال الناس لا يرون عيوب أنفسهم كما يرون عيب غيرهم» فقال: «إن الإنسان عاشق نفسه والعاشق لا يرى عيوب المعشوق، فحب الذات يُعمي ويُصِم فمن عشق شيئاً أعمى بصره».
وشدد العصفور على ضرورة الالتفات إلى النفس ونقذ الذات وهو أمر ضروري ومطلوب ليس على المستوى الشخصي والفردي فقط، وإنما على المستوى الاجتماعي وعلى كل المجتمعات من مؤسسات وجهات حكومية كانت أو أهلية فإن طريق الإصلاح والارتقاء لا يمكن أن يمرر إلا من خلال هذه الجهات.
وأشار العصفور إلى التحول الحاصل في ليبيا وقال: «إن أمام ليبيا كبلد وشعب مهمة صعبة وكبيرة ومحفوفة بالمخاطر، وذلك بعد انتهاء الحقبة استبدادية للقذافي والذي شاهد العالم نهايته بهذه الطريقة، وهي نهاية طبيعية، فلو قرأ الوضع بصورة طبيعية لاستطاع أن يجنب نفسه هذا المصير ولجنب شعبه وبلاده هذه الخسائر الفادحة والباهضة، وأتمنى للشعب الليبي التقدم والبناء والازدهار».
القطان يدعو لعدم تسييس الحج
ودعا إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان إلى عدم تسيس الحج، وشدد القطان في خطبته أمس (الجمعة) على ضرورة حفظ الأمن إلى الحجاج والابتعاد عن الدعوة إلى التظاهر أو التخريب في الحج، والابتعاد عن كل ما يكدر أو يعكر صفو الحجاج، مشيداً بدور المملكة العربية السعودية وما تقوم به من دور في حفظ الأمن والأمان للحجاج.
ودعا القطان الحجاج إلى ضرورة التحلي بالصبر في الحج وعدم التسرع في إصدار الأحكام، كما تحدث القطان خلال خطبته عن الطغيان وأنواعه وعما يقوم به بعض الطغاة بسبب الحكم، ملفتاً إلى أن بعضهم يقوم بسفك الدماء والتهديد بملء السجون.
كما تطرق القطان إلى مظاهر الطغيان وأسبابه التي تتجلى في حب المال وحصره وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة.
كما تطرق القطان إلى معالم الطغيان والتي تتجلى في إذلال الشعوب، متحدثاً عن مصير الطغاة وتاريخهم الذي ذكر في القرآن الكريم، ومنهم فرعون وكيف كان مصيره.
حمادة: ظلم العباد من الذنوب التي لا تغتفر
إلى ذلك، حذر إمام جامع جدحفص الشيخ منصور حمادة في خطبته أمس (الجمعة) من ظلم العباد وولاية أهلِ الكفرِ والإلحاد، ومعونة الظالمين الأوغاد؛ مشدداً على أن الذنوب المقترَفة بحقِّ البشر، هي من الذُّنوبِ التي لا تُغتفَر. وقال إنَّ ما بيَّنه (الله) في كتابِه المبين، وتضمَّنته سنَّةُ سيِّدِ المرسلين، (ص)، من مضاعفةٍ في جزاءِ المحسنين، ومغفرةٍ للمقصِّرين، ورحمةٍ للمذنبين، لا تشملُ سوى الموحِّدين، وهي محجوبةٌ عن الكافرين والمشركين، كما بيَّن ربُّ العالمين في الذِّكرِ المبين، حيثُ يقول: «إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا» (: النساء). وكذلك الذنوبُ المقترَفةُ بحقِّ البشر، فإنَّها من الذُّنوبِ التي لا تُغتفَر، كما ورد بها صحيحُ الخبر، بالإسنادِ المعتبر، عن السادةِ الغرر، أنَّ اللهَ جلَّ ذكرُه وعلاه، قال في حديثٍ قدسيٍّ أوحاه: «إنْ تجاوزتُ عن ظلمِ ظالمٍ فأنا الظَّالم».
وحذر حمادة من «الشرك بالله فيما أمرَ وأراد، أو أنْ يأتيَ أحدُكم حاملاً ظلمَ العباد، أو ولايةً لأهلِ الكفرِ والإلحاد، أو معونةً للظالمين الأوغاد، ولا تنافسوا على مواقعَ في دنياكم، ولا تُمَدَّنَّ إلى ما مُتِّع به أحدٌ عيناكم، ولا تتحاسدوا على ما هو زائل، أو صاحبُه عنه منتقلٌ راحل».
ودعا إلى الاعتبار بالسابقين من الأوائل، «فأيْن مَن بنوا الديار؟ وملكوا المعمورَ والقفار؟ ممَّن كان من الأخيارِ أو الأشرار؟ ممَّن آمنوا أو كانوا من الكفَّار؟ أين سليمانُ بنُ داود؟ وأين ذو القرنينِ باني السدود؟ وأين فرعونَ ونمرود؟ لقد خرجوا جميعًا من هذا الوجود، وسكنوا القبورَ واللحود، وذهبتْ آثارُهم في الغابرين، ووفدوا على ربِّ العالمين، مِمَّا ملكوه مجرَّدين، لم يحملوا متاعًا ولا زاداً، ولم يصطحبوا حرَّاسًا ولا أجناداً، تركوا الذخيرةَ والأسباب، وفارقوا الحلائلَ والأحباب، وانقلبوا إلى ذي العزَّةِ والجلال، بلا عشيرةٍ ولا أموال، بين مقيَّدٍ في الأغلال، رازحٍ في العذابِ والنَّكال، وبين منعَّمٍ في الجِنان، بينَ حورٍ وولدان، ورغائبَ أشكالٍ وألوان، ورضا من الرَّحيمِ الرَّحمن، بما قدَّمَ من الطَّاعةِ والإحسان».
في سياق آخر، تحدث حمادة عبادة الحج المفروضة؛ قائلاً إن هذا موسمُ الحجِّ قد دخل عليكم، وخطابُ اللهِ به قد ارتفع فيكم، فمنكم مَن خُوطِب به أداءً، أو استقرَّ في ذمَّتِه قضاءً، كما أن في الإتيانِ به مندوبًا أجرٌ من الله عظيم، فلا يفوتنَّكم أيُّها القادرون، بأنفسِكم وبما تملكون، فمن كان عاجزًا عن الحجِّ ببدنِه، وقد خوطب به فيما مضى من زمنِه، وتركه متكاسلاً، وصدَّ عنه متثاقلاً، فعليه أن ينيبَ عنه أحدَ المؤمنين، ليحجَّ عنه طالبًا العفوَ من ربِّ العالمين، ومَن كان مستطيعًا وأغفله، وبلغَ كتابُه أجلَه، خرج من الدنيا على غيرِ الإسلام، كما ورد في الحديثِ المأثورِ عن السَّادةِ الكرام أنَّه يخيَّرُ عند موتِه بين أن يموتَ يهوديًّا أو نصرانيًّا، وقد عدَّ اللهُ سبحانه تاركَ الحجِّ قادرًا في كتابِه المجيدِ كافرا، حيثُ يقول: «وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (: آل عمران).
ثم بين فضل الحج؛ فقد ورد عن الرسولِ الأعظمِ (ص)، أنَّه قال في خطبةٍ له: «ومن خرج حاجًّا أو معتمرًا فله بكلِّ خطوةٍ حتى يرجعَ مئةُ ألفِ ألفِ حسنة، ويُمحى عنه ألف ألف سيئة، ويُرفعُ له ألفُ ألفِ درجة، وكان له عند اللهِ بكلِّ درهمٍ ألفُ ألفِ درهم، وبكلِّ دينارٍ ألفُ ألفِ دينار، وبكلِّ حسنةٍ عمِلها في وجهه ذلك ألفُ ألف حسنة حتى يرجع، وكان في ضمانِ الله، إنْ توفَّاه أدخله الجنَّة، وإن رجع رجع مغفورًا له، مستجابًا له، فاغتنموا دعوتَه، فإنَّ اللهَ لا يردُّ دعاءه إذا قدم، فإنَّه يشفَّع في مائةِ ألفِ رجلٍ يوم القيامة، ومن خلف حاجًّا أو معتمرًا في أهله بخيرٍ بعده كان له مثلُ أجرِه كاملاً من غيرِ أنْ ينقصَ من أجرِه شيء».
مطر: الظَّلمة يتساقطون على أيدي من يستهينون بهم
من جهته، دعا إمام مسجد أبي بكر الصديق الشيخ علي مطر في خطبته أمس (الجمعة) إلى الاعتبار بالأعمار التي تنتهي وتنقطع عن ملذات الدنيا؛ فلنعتبر بمن كان بالأمس عزيزاً، واليوم هو ذليل، نسي كل ما مر به من نعيم، فهاهم الظلمة يتساقطون الواحد تلو الآخر، ويذلون على أيدي من كانوا يستهينون بهم.
وحذر الشيخ علي مطر من الأعمال التي تقرب من النار؛ فإن حرها شديد وقعرها بعيد، حاثّاً على العمل من أجل الجنة؛ فإنها تستحق منا العمل، وها نحن نعمل ونتعب في الدنيا ونجتهد من أجل المال والحوافز والترقيات والمناصب والشهادات... فمن الخسارة أن نهمل أمر الآخرة، فنعيم الدنيا منقطع زائل وأما نعيم الآخرة فدائم خالد. قال الله تعالى «لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ» (20: الحشر) وذكر أن الناس يوم القيامة ينقسمون إلى فريقين: أهل الجنة وأهل النار، السعداء والأشقياء، أهل الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وأهل الكفر والزندقة والشرك والإلحاد والزيغ والضلال، كما في قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (7: الشورى)
وبيَّن حال الأشقياء وحال السعداء، في قوله سبحانه: «يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(106 - 108:هود) أي عطاء ونعيم دائم غير منقطع. قال ابن كثير: «يوم يأتي هذا اليوم وهو يوم القيامة، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى، كما قال تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا» (38: النبأ)