«قصص قصيرة من الأدب الأميركي الحديث» جديد المترجم مهدي عبدالله
أصدر القاص والمترجم البحريني مهدي عبدالله كتابه الجديد «قصص قصيرة من الأدب الأمريكي الحديث» الذي يشتمل على 28 قصة لأبرز الكتاب الأميركيين المعاصرين. ويأتي هذا الإصدار في إطار اهتمام المؤلف بكتابة وترجمة القصص القصيرة، حيث سبق له أن أصدر الجزءين الأول والثاني من سلسلة «قصص مختارة من الأدب العالمي» بالإضافة إلى إصدار مجموعتين قصصيتين هما «تجربة» في العام 1999 و»قصص هاربة» في العام 2010.
وأشار المترجم في مقدمة الكتاب إلى أنه جمع هذه القصص من مصادر وكتب مختلفة بالإضافة إلى شبكة الإنترنت وقد حرص على التعريف بكاتب كل قصة قبل بدايتها كما أورد في هوامش بعض القصص شرحا لبعض المصطلحات والأماكن التي ترد في القصة وقال إن معظم القصص تتميز بأنها قصيرة الحجم ولا تزيد عن ثلاث صفحات مما يجعلها سريعة القراءة.
الأصوات التي في رأسي ... قصة قصيرة بقلم: جاك هاندي
لا أعرف أبداً متى تبدأ الأصوات التي في رأسي، في التحدّث إليّ. ربما أكون خارجاً من الشقة وهاماً بالنظر إلى السحاب. فجأة، تخبرني الأصوات بالرجوع إلى الداخل وأخذ مظلة، لأن السماء قد تمطر. أحياناً أطيعها وأعود وآخذ المظلة. لكن في أحيان أخرى أحشد قوتي وأرفض الرجوع. مع ذلك، الأصوات لا تتركك تنسى بأنك خالفت أمرها، خصوصاً إذا أمطرت السماء. سوف تقول «اعلم انه كان ينبغـي عليك أخذ المظلّة، لماذا لم تأخذها؟».
لا أتوقع منك أن تفهم وجود أصوات في رأسك تخبرك بما تفعل. لكن هذا كابوس أعيش معه طوال الوقت. في هذه اللحظة، على سبيل المثال، تخبرني الأصوات أن أعود وأغيّر كلمة كابوس إلى الجحيم الحيّ.
الأصوات تعذبني منذ الوقت الذي أستيقظ فيه. سوف تقول: «اذهب إلى الحمّام لتتبوّل». طوال اليوم لا تتوقف أبداً: «اذهب واجلب شيئاً لتأكله»، «اذهب وخذ قيلولة»، «اذهب إلى الحمّام مرة ثانية»، «استعد للنوم». بغير انقطاع. حتى انها تتحدث معي أحياناً أثناء نومي، تخبرني بأن أقوم وأتبوّل. خوفي هو أن الأصوات سوف تخبرني أن أفعل شيئاً مجنوناً، كأن أذهب للبحث عن عمل.
درجتُ على الاعتقاد بأن تناول الكحول سوف يهدّئ الأصوات لكن هذا عادة يجعلها أسوأ. حينها سوف تقول أشياء مثل «اذهب واخبر ذلك الشخص عن رأيك الحقيقي فيه» أو «اصعد فوق تلك الطاولة ومارس رقصة رعاة البقر المضحكة».
درجت الأصوات على الحديث معي عن فرقة «البيتلز» الموسيقية. حينما كنت صغيراً كانت تقول لي اذهب لشراء ألبوم معين لهذه الفرقة. وعندما أرد «ليس لديّ نقود» تقترح الأصوات عليّ أن أجزّ بعض العشب للحصول على النقود. وعندما أقول «لكن هذا عمل كثير» سترد الأصوات «حسناً، هل تريد الألبوم أم لا؟». (انتظر. ربما كان ذلك والدي).
في بعض الأحيان تمر أوقات طويلة نسبياً دون أن تتحدث الأصوات إليّ، كالوقت الذي أشاهد فيه التلفاز، أو أراقب النمل أو أكون مستلقياً على أرض الغرفة محاولا أن انفخ كرات نسالة في سرب كبير من النسالة. أو الوقت الذي أشاهد فيه أي قطة من قططي هي الأكثر خوفاً من «رأس كيس المخدّة». لكن هذه الدقائق الذهبية تتلاشى بسرعة وسرعان ما تعود الأصوات.
أتمنى فقط أن تخبرني الأصوات شيئاً مفيداً ذات مرة، كأن تعلّمني كيف أقول الأشياء باللغة الفرنسية أو أين استقرت قفازاتي. لكنها لا تفعل ذلك أبداً، وفي أحيان كثيرة تحب الأصوات توبيخي كأن تخبرني على سبيل المثال أن أنعطف إلى اليسار عند تقاطع شارعين بينما يتضح لي لاحقاً أنني ينبغي أن أنعطف جهة اليمين. أو أحياناً تخبرني أن أرتدي ربطة عنق تبدو بوضوح أنها مضحكة.
والأسوأ من ذلك، في بعض الأحيان لا تعرف الأصوات نفسها ماذا تريد، فقد تخبرني أن أذهب وأتحدّث إلى امرأة جميلة، ثم ستقول «لا، انتظر، إنها جميلة أكثر من اللازم لك» وبعدها ستقول «هيا امضِ» ثم ستقول «ماذا لو اكتشفت زوجتك الأمر؟». (أيها الرجل، قرّر ما تريد!).
عندما تخبر الناس بوجود أصوات في رأسك، يعتقدون أنك مجنون. لكن عندما لا تقول شيئاً على الإطلاق، وتجلس فقط وتحدّق فيهم فإنهم سيقولون أيضاً إنك مجنون. لذلك أنت لا تستطيع أن تربح.
فكرت في الذهاب إلى طبيب نفساني لكي أتخلص من الأصوات، لكن الأصوات قالت إن ذلك سيكون مكلفاً وسوف يستغرق بالطبع وقتاً طويلاً، وأنه يجب عليّ أن أرتدي بنطالي وأذهب إلى قطار الأنفاق ثم أعود ثانية طوال الطريق بواسطة القطار، ثم أخلع بنطالي، ومن يعلم إن كانت هذه الفكرة ستنجح أم لا؟. أحياناً الأصوات تكون محقة.
في أحد الأيّام قرّرت أنني لا أستطيع أن أستحمل أكثر ويجب أن أخرس الأصوات التي في رأسي مرة واحدة وإلى الأبد. لكنني لم أستطع أن اكتشف كيف أفعل ذلك، لذا لم أفعله قط.
ربما يكون الجواب هو عدم محاولة التخّلص من الأصوات لكن أن أتعلّم كيف أعيش معها. (أنا في الحقيقة لا أعتقد ذلك، إنني أقوله فقط للأصوات).
هل سأكون قادراً قط على التحكّم الكامل في الأصوات التي برأسي؟ بالطبع لا. لكن هل سأكون قادراً على الأقـل أن أعدّل أسلوب حياتي لكي لا تشكّل الأصوات تهديداً لي أو للآخرين؟ مرة أخرى الجواب لا.
لكنني لست مستعداً لأن أعترف بعجزي بعد، لأنني تعلّمت شيئاً واحداً وهو: الأصوات قد تكون دكتاتورية إلاّ أنها غبيّة حقاً.
جاك هاندي
جاك هاندي كاتب أميركي هزلي ولد بولاية تكساس العام 1949. عمل في بداية حياته صحافياً ثم معداً لبرامج تلفزيونية. اشتهر بسلسلة كتبه المسماة «أفكار عميقة» وهي مجموعـة كبيرة من النكت السيريالية ذات السطر الواحد، كما صدر له كتاب «ذكريات مشوشة» وهـو مجموعة قصص حول طفولته. من البرامج التلفزيونية التي كتبها «الكوميديا ليست جميلة» و»عرض مساء السبت المباشر». يعيش حالياً في ولاية نيو مكسيكو