العدد 1084 بتاريخ 24-08-2005م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


قراءة في خطاب الشيخ علي سلمان... شيء من الصراحة!

يرى بعض الفقهاء الشيعة أن الحكم من حق الإمام "المعصوم" أساسا، ولكنه خول الفقهاء الذين تتوافر فيهم مواصفات خاصة نوابا عنه في القيام بهذه المهمة.

هذه الرؤية بحسب اعتقادي خاصة بالمجتمعات الشيعية الصرفة، فإذا رأت تلك الشعوب المنتمية إلى المذهب الجعفري أن يكون نظام الحكم لديها مبنيا على هذه الرؤية فهذا شأنها ولا يحق للآخرين فرض رؤيتهم عليها. وفي المقابل لا يمكن فرض هذه النظرية في الحكم على المجتمعات المختلطة، وخصوصا أن ولاية الفقيه يراد بها حكومته وسلطته وقيادته، أي ان المؤمنين بها يرون أنه الحاكم الشرعي، اذ يرون أن الحاكم إما أن يكون معصوما أو نائب معصوم.

قرأت كلمة رئيس جمعية الوفاق الاسلامية الشيخ علي سلمان التي ألقاها في مسجد الإمام الصادق في يوم الجمعة الخامس من شهر أغسطس/ آب الجاري، وأعدت قراءتها عدة مرات لأنني وجدت فيها قولا وحديثا يختلف كثيرا وكثيرا عما سمعته وأسمعه منه باستمرار في الندوات العامة التي يتحدث فيها، أقصد الندوات التي يكون فيها الحضور مختلفا عن الجمهور الذي يحضره في المآتم أو المساجد.

معروف عن الشيخ علي سلمان الخطاب الجميل المنمق، إذ دائما ما يختار ألفاظه وعباراته ومعانيه بعناية فائقة، يشهد له بذلك كل من يسمعه، لدرجة أنه يستطيع أن يضع الكثيرين من الذين يخالفونه الرأي في درجة من الصعوبة.

إن أسلوب خطابه الذي أشرت إليه، والمقاصد التي احتواها ذلك الخطاب يختلف بحسب قناعتي عما سمعناه ونسمعه منه في الندوات العامة التي يكون جمهورها خلاف جمهوره في المأتم والمسجد.

لقد بينت أفكاره وأقواله في هذه الكلمة أنه صاحب خطاب يتحدث به مع جمهوره الخاص في المأتم والمسجد، وخطاب آخر يتحدث به أمام عامة المواطنين في الندوات العامة أو في أحاديثه الصحافية.

أعود الى بعض ما جاء في تلك الكلمة وأحاول قدر ما أستطيع مناقشة سماحته.

يتناول الشيخ علي سلمان قناعة الشيعة بأن الخليفة بعد النبي "ص" هو الإمام علي بن أبي طالب "ع". من المعروف أن هذا شأن خلافي بين المسلمين، ومضى على هذا الخلاف أكثر من خمسة عشر قرنا نشأت خلاله خلافات اسلامية عدة وأنظمة حكم مختلفة. أراد "بحسب فهمي" من إشارته الى أن الخليفة من بعد الرسول "ص" هو الإمام علي أن يمهد لقناعته بولاية الفقيه، إذ إن الفقيه الذي تكون له الولاية هو استمرار للإمامة، بمعنى أن هذا الفقيه هو نائب للإمام المنتظر يحكم ويشرع باسمه.

يقول في كلمته المشار اليها: "نحن في البحرين ألسنا مجموعة بشرية، ألسنا أكثر من النمل والنحل أهمية، ألسنا أكثر من أسرة يجب أن يكون لها قيم، ألا تحتاج هذه المجموعة لقائد في قضاياها المذهبية وفي تعلم دينها وعقيدتها ومشكلاتها الخاصة وقضاياها الوطنية ودفاعها عن مصالحها وحقوقها وكل صغيرة وكبيرة، هي مجموعة متميزة عقائديا تتبع أهل البيت وتشترك في هذا الوطن على أساس المواطنة ولها حقوق منتهكة، هذه المجموعة ألا يجب أن يكون لها قائد وإمام يعصمها، ألا يقول العقل والدين بذلك؟".

من حق الشيخ سلمان أن يقول ان حق الجماعة المذهبية أن يكون لها قائد في قضاياها المذهبية وفي تعلم دينها وعقيدتها ومشكلاتها الخاصة، على رغم ان واقع الأمر انه حتى في مثل هذه الأمور هناك عدة رؤساء حتى في المذهب الواحد يقودون تابعيهم في قضاياهم المذهبية، وكثيرا ما يختلف هؤلاء، فهذا أصولي وذاك اخباري، هذا يقلد الشيخ الفلاني، وذاك يقلد السيد الفلاني، بالتأكيد إنه يدرك جيدا إن غالبية الشيعة الجعفرية ورجال الدين منهم لا يتفقون مع نظرية ولاية الفقيه المطبقة في جمهورية إيران الإسلامية.

لا أتفق مع ما ذهب اليه في تصنيف الشيعة وطنيا بأنهم متميزون عقائديا في اتباعهم مذهب أهل البيت، فالمواطن هو المواطن أيا كان مذهبه وأيا كان عرقه، فنحن لسنا في حاجة الى قادة وطنيين على أساس مذهبي أو عرقي، نحن بحاجة الى مؤسسات بالدرجة الأولى تقودنا وطنيا على أساس وطني ديمقراطي تضم في صفوفها مواطنين على اختلاف مذاهبهم وأصولهم وعروقهم. أتذكر بالمناسبة قول الناشط السياسي عبدالوهاب حسين في احدى الندوات بنادي العروبة غداة تأسيس جمعية الوفاق ان هذه الجمعية هي "للمؤمنين بمذهب آل البيت". ان المنصف يرى أن الوفاق وبالطريقة التي قامت بها وعليها اكدت تأسيس أوضاع طائفية، اذ استنفرت البعيدين عن العمل الوطني والعمل السياسي من السلفيين ومن الاخوان المسلمين، ليردوا عليها ويقوموا بتأسيس تنظيمات سياسية مبنية على تكوين طائفي يعزز من الامراض الطائفية البغيضة.

واضح من محتوى خطبة الشيخ علي سلمان أنه يؤكد القيادة الفردية ووجوب الخضوع لها، ليس لسبب إلا لكونها قيادة دينية مبنية على ولاية الفقيه.

يحاول الشيخ سلمان أن يقارن بين ما حصل في إيران عندما ثار الشعب الإيراني ضد حكم الشاه واستقبال الجماهير الإيرانية للإمام الخميني عند عودته إلى إيران، مع استقبال جماهير من الشيعة للشيخ عيسى أحمد قاسم عند عودته الى البحرين قادما من إيران، وتوصل الى نتيجة مفادها ان الطائفة اختارت الشيخ عيسى أحمد قاسم قائدا لها. إذا كان الشيخ علي سلمان يرمي من ذلك الى أن من استقبل الشيخ عيسى أحمد قاسم من أبناء الطائفة الشيعية اختاروه قائدا يتبعونه في أمورهم المذهبية فهذا أمر يخصهم لا اعتراض لدينا عليه. نود أن نقول في هذا المقام ان من ذهب إلى استقباله ربما لم تحركه نوازع وطنية بالدرجة الأولى، بل حركه شعور طائفي استطاع نظام التمييز والقهر والفقر الذي يحسون ويشعرون به نتيجة سياسات التمييز المتبعة في هذا الوطن أن يحركهم.

ألا يعتقد الشيخ سلمان أن المناضلين عبدالرحمن النعيمي وعبدالنبي العكري ومحمد المرباطي نالوا استقبالا وطنيا عند عودتهم الى أرض الوطن، بحكم أن ما يجمعهم هو الوطن وليس الطائفة، بخلاف الاستقبال الذي حظي به الشيخ عيسى أحمد قاسم، إذ ان من استقبله تجمعه الطائفة قبل أن يجمعه الوطن.

أكد الشيخ سلمان دور الشيخ قاسم في ولاية الفقيه عندما قال: "من هو رئيس كيانها "كيان الطائفة" الثقافي والفكري والمشرف عليها بعد تخليه عن الرئاسة اليومية".

خلط الشيخ سلمان في كلمته بين الطائفة والأمة عند قوله هذه الطائفة اختارت أم لم تختر لها قائدا، ومن بعده يقول: "ما فيه قائد تختاره الأمة بكلها"، وقال: "إن الأمة اختارت آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم قائدا لها".

في الوقت الذي نسمع من الشيخ سلمان كثيرا عن الديمقراطية، ولكنه عندما تصل الديمقراطية الى الشيخ عيسى أحمد قاسم فإن أمرها يتوقف وأن الرأي النهائي سيكون للشيخ! سبق للشيخ في احدى الندوات بمقر جمعية الوفاق ردا على سؤال، بأنه في حال أعطى توجيها أو رأيا يخالف رأي أو توجيه الشيخ، فإن على الجمهور ان يترك رأي رئيس جمعية الوفاق ويأخذ برأي الشيخ. لا ندري هل نحن نتعامل مع مؤسسة ومع جمعية سياسية أم مع فرد؟ ربما أراد الشيخ سلمان التمهيد لمواقف قد تتخذها جمعية الوفاق بخلاف التعبئة التي تقوم بها في مختلف القضايا ومنها بحسب اعتقادي المسألة الدستورية والمشاركة في الانتخابات المقبلة.

حقا، إن المسألة الطائفية لا يحلها الطائفيون، منهم من يرى المواطنة من خلال طائفته، يتخندق بحديثه عن حقوق للشيعة وحقوق للسنة، ومنهم من يرى انه المصب الرئيسي والباقي حثالة ومجار أوساخ ومعادون للعروبة والاسلام والوطن وانه الفرقة الناجية، ومنهم من اصبح ينادي بتشكيل جمعية للدفاع عن عروبة البحرين، وكأن هناك من شعب البحرين من يريد أن يفرط في الوطن ويسلمه الى إيران. لنا أن نتصور قول أحد الكتاب الناشطين ان هذه الدعوة أخذت تتفاعل في المجتمع البحريني وتتنامى وخصوصا وسط القطاعات الشعبية التي همشت سياسيا في مدن المحرق والرفاعين والبديع وعسكر وجو والحالات ومدن عيسى وحمد وزايد. "لم يبق الا ان يقسم الوطن أحياء وشوارع!".

لا اعتقد ان التحالف الرباعي بتجربته يستطيع ان يبني تجربة وطنية رائدة، مادامت النقاط لا توضع على الحروف حتى نسير في خط واضح بعيد عن العلاقات التكتيكية وليس الاستراتيجية حسبما يحلو للبعض ان يسميها، وليس على أساس الخوف من ان يكون لي موقف من قانون الأحوال الشخصية يخالف رأي الشيخ، وبالتالي أخاف من السير في تبني قانون للأحوال الشخصية، ربما يؤدي الى تفكيك التحالف الدستوري، إن التحالف في المسألة الدستورية ليس مقدما على وحدة الوطن، بالتأكيد أننا لن ننجح في مطالبنا الدستورية العادلة إذا لم نكن واضحين تجاه بعضنا بعضا.

نأمل من التيار الوطني الديمقراطي بمختلف تلاوينه أن يكون أكثر وعيا ونضجا للعمل سوية بعيدين عن الطائفية وتداعياتها حتى نستطيع أن نحمي وطننا من شرورها.

*كاتب بحري



أضف تعليق