قاسم: الحلول السلمية هي الحلول الاستراتيجية الدائمة
الوسط - محرر الشئون المحلية
في أول خطبة له منذ الحملة الأمنية التي بدأت في 13 أغسطس / اب 2010، وبعد عودته الى البحرين بعد انتهاء شهر رمضان، قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى أحمد قاسم: «إن ما صار إليه وضع الساحة المحلية مؤلمٌ، موجعٌ، مُفزع، وفي التقدير الدقيق أنه لا يؤدي إلى صلاح وطنٍ ولا مصلحة حكومةٍ ولا شعب. والبحرين ليس فيها صراعٌ على الحكم، ولا توجد منازعةٌ على اصل السلطة، وليس هناك استهداف للصراع من أجل الصراع فضلاً عن ركوب مراكب صعبة وخطيرة في غمار الصراع».
وأضاف «هناك قضايا وملفاتٌ معروفةٌ مشهورة يدور حولها خلاف، وتتسبب في مشاكل متعددة، وتثير الصداع الحاد لهذا الوطن وكل من فيه، وتعرقل مسيرة التوافق وتنحرف بها بدرجاتٍ قد تكبر وتخطر وتحدث هزاتٍ متتالية».
وأوضح «ما نتمناه إلى هذا الوطن ونسعى إليه أن يكون وطن عدلٍ ومحبةٍ بلا ظلمٍ ولا عنفٍ ولا مواجهات. والحلول الأمنية المتشددة والموغلة في التشدد لا توصل إلى هذا الهدف ولا تقع معه على طريق، وإنما تبتعد بالمسيرة عنه إلى مسافاتٍ ومسافات، وتتسبب في المزيد من التدهور والتفكك وتعمق الجراح وتوسع الفجوة وتزيد من الشروخ وكل ذلك مما لا يتمناه مخلصٌ لوطنه».
وأردف «التشدد الأمني ليس حلاً، وإنما هو تعقيدٌ لمسألة الحل وتصعيدٌ للأزمة وإيقادٍ للنار. قد يُوجِدُ ما يسمى مجازاً باسم الحل الأمني ـ ولو من باب تسمية الضد باسم ضده ـ هدوءًا سطحياً وقتياً، كما في التجارب التي استعمل فيها هذا الخيار في اكثر من بلد ـ في بعض حالاته ـ ولكنه لا يمثل حلاً جذرياً ولا عادلاً مع استهدافه الإسكات على كل حال أمام كل الأخطاء التي قد تقع فيها هذه الحكومة أو تلك، وفتح الباب لأي سياسيةٍ وإن كانت متجاوزة. وكثيراً ما يُحدث هذا النوع من الحل مضاعفاتٍ خطيرة عانت منها بلدان كثيرة، ويحطم أوطاناً بكاملها على المدى القصير أو غير القصير».
وتابع «لا نتمنى لهذا البلد الحبيب هذا النوع من الحلول ولا نتمنى له عنفاً بما يستتبعه هذا النوع من الحل والعنف من شرور... ولو جاءت خطوةٌ إصلاحية كبرى مكان الحل الأمني لتعيد الوضع كله وبكل أطرافه إلى حالةٍ من الصحة والعافية، والتفاهم والانسجام، وتفتح فرصةً سانحةً لرُشدٍ عام، يأخذ بكل الجهود على طريق بناء الوطن وتسوية المشكلات. للأسلوب الأمني المتشدد نتائج، وللإصلاح الفعلي نتائج، ولا ينبغي لأحدٍ أن يساوي بين نتائجهما».
وقال قاسم «قد يذهب البعض إلى أن الإصلاح يغري بطلب المزيد بل يدفع الى التجاوز عن الحد المعقول في المطالبات ويفتح باب الاستغلال والإثارة بعد الإثارة والتحريض على النظام، ولكن الوجه الصحيح هو أن الاستمرار في عملية الإصلاح وبالصورة التي تراعي الواقع يجب أن يكون من هدف الجميع، وأما مسألة الاستغلال والتحريض فتمتنع على مريدها ـ لو قُدر وجوده ـ في أجواء الرضا والثقة التي يوفرها شعور المواطن بالاستجابة إلى ضروراته وحاجاته، والاهتمام به، واحترامه في أمر دينه ودنياه».
وأضاف «أنا لا أستطيع ولا غيري يستطيع أن يقنع من يرى اهتمام الحكومة به وتقديرها له وعدلها معه، ومن يرى مشاريعها في خدمته بأن يحرك ضدها يده أو يثير في وجهها المشاكل. الناس يكفرون بمثل هذه الدعوة إذا كانت الأجواء السائدة تنال منهم رضا. إذا أحس الناس بأن أي حكومةٍ تحترم دينهم، وتهتم بدنياهم، وتعيش مشاكلهم، وترعى مصالحهم، فإن يدهم لا تكون إلا معها لا عليها، ولن تبخس كلمتهم حقها. وإذا شذ القليل فإن الكثرة الكاثرة لا تكون إلا كذلك».
وأوضح «هناك أوضاعٌ لا تفيد معها تهدئة الناس ومحاولة إقناعهم لشدة إثارتها، وهناك أوضاعٌ لا يجدي معها تحفيزٌ ولا تحريض، وعلينا جميعاً ألا نحرض من جهةٍ إخماداً للفتنة، ولا نخلق أوضاعاً من جهةٍ أخرى لا تفيد معها تهدئة ولا تقبل آثارها الإخماد».
وبيَّن أن «مصلحة كل الأطراف في الكف عن هذا وذاك، والرجوع إلى ما يوفر حلاً جذرياً دائماً لإصلاحٍ جدي وحوارٍ لا يغني عنه سلاح، والسلاح يعجز، والقوة والبطش لا يمكن أن تستمر في أي بلدٍ من البلدان، والحلول السلمية هي الحلول الاستراتيجية الدائمة التي تخلق أجواء المحبة والوئام، وتعطي لأي وطنٍ فرصة الانطلاق بقوةٍ للبناء والإعمار».
وتابع «أنصح ما يُنصح به في هذا المقام، وينبغي التأكيد عليه، هو التراجع عن الحل الأمني ومستلزماته وأجوائه المتوترة ومضاعفاته المنذرة ونتائجه الوخيمة إلى ما أمر الله عز وجل به من الاحتكام إلى العقل والدين، وإعمال الحكمة، وتغليب مصلحة الوطن، والفيء إلى لغة التفاهم، والأخذ بمنطق الإصلاح الذي يغسل القلوب ويزيل العوالق، وأن يعود كل موقوفٍ إلى بيته، لا إلى تجدد الأحداث ويستمر الصراع، إنما ليكون التلاقي على صورةٍ توافقيةٍ واحدة ينجو بها هذا الوطن من شر الفتن، ويكون على الطريق الذي يختاره له كل محبٍ مخلصٍ واعٍ لوطنه».
وأردف «تشتد خطورة الحل الأمني، وتتفاقم آثاره، وتتعمق جراحاته، ويعصف بالأمن ـ بدل أن يعالج الأمن ـ على المدى القصير والطويل، ويهدم فرص التلاقي، وتستنكره السماء والأرض عندما يدخل فيه استباحة الأعراض والحرمات، ولا تبقى أمامه حدود، وليس معه تحفظات، وأن اعتباره فوق كل اعتبار. وإذا ساد هذا التوسع في معنى الحل الأمني في الجماعات البدائية وعند من لا دين له ولا أعراف إنسانية، فإنه لا يسوغ من أي حكومةٍ مسلمة وفي بلدٍ مسلم يؤمن بحرمات الله ويشعر بكرامة الإنسان ويعيش أعرافاً دينيةً وإنسانيةً راقية». وقال «كثيراً ما يثار السؤال عن مسئولية الخطاب الديني عند اشتداد الأزمات السياسية والاجتماعية وفي حالات الصراع. ومن مسئولية الخطاب الديني أن يقول عن الظلم بأنه ظلمٌ ويدينه، وعن رد الفعل المتجاوز بأنه متجاوزٌ ويرفضه، وأن يصرف عن العنف ما استطاع، ويدعو إلى الحكمة والحوار، وليس على الخطاب الديني وهو لا يملك وسائل الرفض الكافية ولا فرصة التوفيق أن يُكلف بهذه المهمة وهو على هذا الحال، وأن يتابع هذا الجهاز الرسمي أو ذاك فيما يقول، أو يثبت كل ما قد ادعى هنا أو هناك، ضد هذا الطرف أو ذلك الطرف».
وأضاف «للخطاب الديني علمياً وعقلائياً أن يطالب بالدليل الكافي على أي حادثةٍ من الحوادث، وأي نسبةٍ من النسب، وأي مدعى من المدعيات، ولا يسوغ له أن ينساق وراء أي من الدعاوى، من غير دليلٍ واضح».
وبيَّن «كما يوصي الخطاب بمبدأ العدل والإنصاف والمساواة، والنأي عن العنف والتعدي، وحفظ مصالح الأوطان، وعدم المساس بالأموال العامة والخاصة، يوصي بحسن الكلمة ونظافتها ولياقتها ورقيها وسلامة الخطاب».
وتابع «وكلمةٌ أخيرة، أن لسنا مع أي مبررٍ يوتر الأوضاع، ويزيد في حالة الاحتقان، ويصعب الحل، ويضاعف من حالة الافتراق، ويشعل النار، ويرفع من مستوى خسائر الوطن. ومن هذا المنطلق نفسه ننادي بتوقف الحل الأمني وبكل تشديدٍ وتأكيد، والاستبدال عنه سريعاً بما تُضمن نتائجه الإيجابية من الإصلاح، وبالتخلي عن أي دعوةٍ فيها إثارةٌ أو تأجيجٌ أو إلهابٌ للحماس، من أي طرفٍ من الأطراف، والارتفاع بمستوى الخطاب للجهات والذوات. ومن المنطلق نفسه، ننادي كل العقول المفكرة والقلوب المحبة للسلام ولأمن هذا الوطن وإنسانه ومصلحته، أن تعمل جاهدة في تطويق الحدث، وتخفيف اللهيب، وإطفاء النار، وإيقاف التداعيات، والمنع من حالة التدهور، والرجوع بالوضع إلى حالته الطبيعية».