حذر من ظاهرة تشريع الأذكار وتعميم الكلمات «الركيكة» لقضاء الحاجات
قاسم: حيادية المرجعية في الخطأ والصواب والضار والنافع خيانة
الوسط - محرر الشئون المحلية
تطرق الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز أمس إلى ما يتم طرحه هذه الأيام من مفهوم «حياد المرجعية»، وقال: «الحيادية حين تكون حيادية من الخطأ والصواب والضار والنافع حسب تشخيص المرجعية نفسها، تكون خيانة وتخلياً عن المسئولية لا يصح للمرجعية ارتكابهما». سائلاً: «كيف ينسجم هذا اللون من الحيادية مع التكليف الشرعي العام أولاً ومع مطالبة الأمة للمرجعية برعاية قضاياها ما أمكن؟ من جهة نطالب المرجعية بالوقوف مع قضايا الناس والاهتمام بقضايا الناس، ومن جهة أخرى أن تقف مكتوفة اليد ولا تبدي أي رأي إذا اختلف الناس».
وبدأ قاسم حديثه في هذا السياق بالقول: «يظهر طرح مفهوم حياد المرجعية في الساحة الشيعية العامة أو بعض أجزائه، ومراد هذا المفهوم أن المرجعية الدينية في أعلى مستوياتها المتمثلة بالدرجة الأولى في زمن الغيبة في مراجع التقليد العظام ثم العلماء، أن تقف موقف الحياد وعلى مسافات واحدة بين وجهات النظر والمواقف والتوجهات المختلفة والتي قد تشهد اصطراعاً داخل الساحة الخاصة للطائفة، وأن تعيش هذه المرجعية الأبوة المشتركة وواقع المظلة العامة للجميع. وهذا المفهوم وأي مفهوم آخر يطرح في الساحة يمكن أن يسود أوساط المؤمنين ويأخذ موقعه الكبير في عقليتهم ونفسيتهم ويتحول جزءاً ثابتاً ومؤثراً في ثقاتهم الإسلامية التي تحرك مواقفهم وتحددها وتجري على ضوئها محاكمتهم لمواقف الآخرين وتقييمها». مستطرداً «وعليه فلابد من تسليط شيء من الضوء على هذا المفهوم قبل أن يتسلل إلى ثقافة المجتمع المسلم وقناعاته ومواقفه ليتبين مقدار صحته وفساده».
وأوضح قاسم أن «هناك اختلافاً في كل المجتمعات فيما يتعلق بالأمور الشخصية، وهذا الاختلاف ليس معنياً لهذا المفهوم، فلا كلام فيه وإنما الكلام في الاختلاف فيما يتعلق بالحياة العامة للمجتمعات وتوجهات المجتمع والأمة ومواقفهما. وهناك اختلاف بين أهل الحق وأهل الباطل فيما يتعلق بالهدف والموقف والأسلوب مع تبيّن ما هو حق وما هو باطل، والمفهوم المطروح لا يتناول هذا النوع من الاختلاف فيما يقصده المؤمنون من أصحاب الطرح، وإن كان هذا شيئاً مطروحاً على مستويات أخرى كما هو منادى به في بعض الساحات في إطاره الأشمل كما يطرحه بعض العلمانيين في بعض البلاد».
وتابع «هناك الاختلاف بين فريقين أو فرقاء من أهل الحق والهدف المشترك، كتقليل المعاناة وتخفيف الظلم والفساد في أية ساحة من الساحات، وهو اختلاف قد يتعلق بأسلوب أو موقف عملي من قضية أو أكثر، وبصورة مؤقتة أو دائمة ولا فرق، ولا أقل من أن يشير مفهوم حيادية المرجعية إلى هذا النوع من الاختلاف، فنحن مع هذا النوع». مستدركاً «لكن هذا الاختلاف قد يكون في حدود المباح والنافع مع تفاوت يسير في النفع يكون في صالح هذا النظر أو تلك الوجهة من النظر، وقد يصل إلى حدود أوسع يتفاحش الفرق بين الموقفين تفاحشاً كبيراً فيما يستتبع من المنافع والأضرار اللاحقة بالناس والوضع العام، بما قد يصل إلى اصطدام بعض المواقف والخيارات عند هذا الطرف أو ذلك الطرف بالحكم الشرعي والمصلحة العامة».
وأضاف «هنا يأتي السؤال عن شرعية حيادية المرجعية القادرة على التدخل والتصحيح؟ وقبل ذلك يُسأل: هل المرجعية معفوة أساساً وابتداءً عن اتخاذ موقف معين من القضايا العامة؟ التقى موقفها مع موقف هذا أو ذاك أو اختلف، مادام مطابقاً في نظرها للحكم الشرعي، وأن عليها أن تتخلى عن مسئولياتها العامة حتى مع القدرة وعدم موجبات سقوط التكليف انتظاراً لاتخاذ الآخرين الموقف؟ هل ترضى الأمة للمرجعية أن تتخلى عن مسئوليتها وتقف موقف المتفرج وتنتظر قول الآخرين لتصفق لهذا أو تصفق لذاك، أو لا تصفق لهذا ولا ذاك نهائياً؟ ألا نظلم المرجعية بهذا الطرح؟».
كما سأل قاسم: «كيف ينسجم هذا اللون من الحيادية مع التكليف الشرعي العام أولاً ومع مطالبة الأمة للمرجعية برعاية قضاياها ما أمكن؟ من جهة نطالب المرجعية بالوقوف مع قضايا الناس والاهتمام بقضايا الناس، ومن جهة أخرى أن تقف مكتوفة اليد ولا تبدي أي رأي إذا اختلف الناس. والحيادية حين تكون حيادية من الخطأ والصواب والضار والنافع حسب تشخيص المرجعية نفسها، تكون خيانة وتخلياً عن المسئولية لا يصح للمرجعية ارتكابهما». واستدرك «نعم، إذا كانت المرجعية مغلوبة على أمرها مسلوبة الإرادة من ناحية عملية ولا تجد طريقاً مفتوحاً ولا يمكن لها أن تفتح هذا الطريق لأن تقول كلمتها وتقف موقفها فذاك أمر آخر، وقد وقع فيه أئمة معصومون أطهار».
ثم أشار إلى أن «حيادية بمعنى لا يهمني أمر الناس أو أن الآراء المتناقضة كلها صحيحة أو كلها خاطئة، حيادية خطأ لا ترتكبها مرجعياتنا الواعية الكبيرة. ومتى وقف أي معصوم من المعصومين (ع) موقف الحيادية والتفرج وعلى مسافة واحدة من كل الشقاقات والتشققات التي تتعلق بمصلحة الدين وسلامة الأمة وهو قادر على بيان الصحيح من الخطأ والسليم من الفاسد؟ وفارق العصمة لا دخل له أبداً في هذا المقام، وإنما كان إقرار المعصوم حجة حيث يمكنه بيان الرأي، لأنه لا يقف موقف الحياد من الحق والباطل والصحيح والخطأ».
كما لفت إلى أن «الحيادية التي يمكن أن تقبل ديناً، هي أن تقف المرجعية من خطأ هذا الطرف موقفها من خطأ الطرف الآخر، ومن صواب هذا الطرف موقفها من صواب الطرف الآخر، لا أن تعادي الحق هنا وتصادق الباطل هناك بصورة كلية أو جزئية. أما الأبوة والمظلية المنفتحة على كل وجهات النظر ـ بغض النظر عن خطئها وصوابها وأثرها النافع أو الضار وموافقتها على الحكم الشرعي وعدمه ـ فهي عيب وعار على المرجعية لا يصح ارتكابه، ومخالفة شرعية واضحة لا تجوز مقاربتها، وموقف السكوت لا يبرره إلا سقوط لتكليف وموجبات هذا السقوط لو تمت».
من جهة أخرى تحدث قاسم عن انتشار ظاهرة تعميم بعض الأذكار والكلمات لقضاء الحاجات بحيث تردد أو تكتب بعدد معين، وتحت عنوان «فلنحترم ديننا ومذهبنا» قال قاسم: «الإسلام دين كامل لا نقص فيه، وفهم أهل البيت (ع) للإسلام ليس فوقه ولا يوازيه فهم من أحد، والآخذ بحجزتهم الراكب لسفينتهم المتابع لهم أخذ بالإسلام بحق، ومن أراد أن يضيف شيئاً للإسلام من رأيه فإنما يضيف باطلاً إلى الحق، ومن أراد أن يدخل على مدرسة أهل البيت (ع) مزيداً من رأيه فإنما يفعل سوءاً بهذه المدرسة».
وأردف «فلنقف عن كل التزييدات وعن الاقتطاع كذلك من هذه المدرسة حتى لا نظلمها ونشوهها، ومعلوم أن التشريع حق لله وحده ولم نعط من هذا الحق شيئاً، وإدخال أي جديد على الدين من الناس يفسده، ومن تزيد في الدين غيرة عليه فقد جهل، ومن تصرف فيه فقد ضيعه، ومن غالى في أئمة الدين الصادقين (ع) فقد أغضبهم، وليس أشد من التزام دين الإسلام بالعلم، ولا تشديد نكير منه أكثر على من خلطه بالجهل، ولا أكبر من حرصه على صفاء الوحي وعدم مزجه بهوى الإنسان ورؤيته القاصرة وتقديراته المحدودة ووزنه الظلم (وزن الإنسان للأمور للقضايا للأحكام مهما دق إذا قسناه بوزن الله كان وزن ظلم) وموازينه المختلة». واستطرد «ما زال الدين ولايزال يتعرض لمحاولات التشويه بالزيادة عليه والتنقص منه على يد المعادي والمغالي والجاهل والغافل.