مسجد الخميس
أبو البهلول يبني المسجد و يطيح بالقرامطة
الخميس - حسين محمد حسين
انتشر التشيع في العديد من القبائل التي سكنت شرق الجزيرة العربية بما في ذلك جزيرة أوال، وقد استغل القرامطة هذه النقطة فقد تغلغلت في المنطقة متسترة بستار التشيع ودخلت مع صراع مع الشيعة الاثنيعشرية فطاردت قبيلة عبدالقيس وقتلت من رجالاتها ماقتلت. جزيرة أوال وإن كانت بعيدة بعض الشيء عن مركز قرامطة البحرين في شرق الجزيرة العربية إلا أن حالها لا يختلف، فلا يوجد جامع للصلاة، ورجالات عبدالقيس التي بها لم تنخرط في ملة القرامطة ولكنهم سايروا سياستهم، وكانوا يجمعون الخراج لهم. وعندما ضعف القرامطة بسبب الحروب الكثيرة استغل رجالات عبدقيس في جزيرة أوال ليخططوا في التخلص منهم. وخاصة عندما وخضعت الدولة العباسية لسيطرة بنو بويه الشيعة الأثنيعشرية. وقد كان أبو البهلول هو العقل المدبر للتخلص من القرامطة في جزيرة أوال، وقد ذكرت القصة مفصلة في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني.
وقد بدأ أبو البهلول مخططه ببناء مسجد جامع، ولا نعلم بالتحديد متى تم البدء في بناء هذا الجامع، و لكن يمكننا وضع فترة معينة لبنائه، فقد ورد في قصة بناء الجامع اسم الخليفة القائم بأمر الله تولى الخلافة فيما بين سنتي (422/ 467 هجرية، 1031 - 1074 ميلادية)، وتمت الإشارة إلى الخطبة للمستنصر بالله العبيدي وهذا تولى الحكم سنة 427 إلى سنة 478 هجرية، وتم التلميح لحركة البساسيري التي حدثت 450 هجرية. وقد بني الجامع قبل حركة البساسيري أي قبل 450 هجرية (1058م).
ملخص القصة كما وردت في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني
أبو البهلول هو العوام بن محمد بن يوسف الزجاج، من عبدالقيس، وكان ضامنا لخراج (أوال) من والي القرامطة في البحرين جعفر بن أبي محمد بن عرهم. وكان لأبي البهلول أخ يقال له مسلم يكنى بأبي الوليد، وكان خطيب (أوال) وهو من أهل الدين والمتظاهرين بالسنن. ولم يكن بجزيرة أوال جامع يصلى فيه، فبذل أبو البهلول للقرامطة ثلاثة آلاف دينار على تمكينهم أن يبنوا جامعا ليجتمع إليه العجم والمسافرون إليهم، فإنهم نافرون من خلو البلد من جامع تصلى فيه الجمعة، وهم خائفون من انقطاعهم لذلك عنهم بالجملة. وهكذا أذن القرامطة ببناء الجامع، وكان خيارهم على موقع قريب من المركز التجاري للجزيرة لكي يجلب التجار.
فلما تم بناؤه صعد أبو الوليد علي بن الزجاج المنبر وخطب للخليفة القائم بأمر الله، وصلى الجمعة، فقال من يهوى القرامطة: هذه بدعة قد أحدثها بنو الزجاج، بالحيلة والخداع. ويبدو جليا خطة ابو البهلول الذي جعل من هذا الجامع منطلقا لثورة مذهبية على القرامطة يكون هو جناحها العسكري و أخوه الجناح الديني. وفي هذه الفترة كانت الدولة العباسية تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية، إلا أن سياسة بنو بويه اقتضت أن تكون خطب الصلاة للخليفة العباسي القائم بأمر الله. لم تنتبه بعد القرامطة لذلك بل وعززوا موقف أبي البهلول لأنه يبذل لهم المال فنقرأ في مخطوط ديوان ابن مقرب «فأجابوا بأن لايعترضوا في مذهبهم، ولايمنعوا عن خطبتهم، فجروا على سنتهم، وصار لهم بما فعلوه السوق الكبيرة والفائدة الكثيرة، لأن أكثر تلك النواحي إلى ذالك مائلون، وبه متدينون». و يتضح لنا من هذه العبارة أن الغالبية ليسوا على مذهب القرامطة، بل كانوا يتحينون الفرصة ليظهروا معتقدهم.
وفي عام 1058م حدثت حركة البساسيري في بغداد الذي غير خطبة الجمعة للخليفة الفاطمي للمستنصر بالله، فحاول من يتبع القرامطة أن يغير أبو الوليد كذلك خطبه باسم المستنصر بالله, إلا أن أبا البهلول أنفذ إلى القرامطة هدية قرنها بالمسألة لهم في إجرائهم على رسمهم من غير تغيير لعادتهم، فرجع الجواب بأن لا يغير لأبي البهلول رسم، ولايفسخ له شرط وليخطب أخوه لمن شاء وأحب.
وهكذا تمكن أبو البهلول من إحكام سيطرته على ابن عرهم ناظر القرامطة في جزيرة أوال، وحدث نوع من التخاذل بين أبي البهلول وأبي عرهم وذلك في التكاسل لدفع الأموال للقرامطة، فعزلت القرامطة ابن عرهم وولوا غيره وأمروه بالقبض على أبي البهلول وأصحابه. استجار أبو البهلول وأصحابه بأحد رجالات عبدالقيس وهو أبو القاسم بن أبي العريان الذي كان متقدما في (أوال) ومن ذوي العشائر والأصحاب، وكان المطلوب الامتناع عن إعطاء الخراج للقرامطة حتى عودة الناظر السابق للقرامطة ابن عرهم. وأخذ أبو العريان وأبو البهلول في استدعاء متقدمي الضياع والسواد، وإظهارهم على مافعلاه، وادخالهم فيما اعتزما عليه، فما منهم مخالف لهما ولاممتنع عليهما إيثارا لعودة بن عرهم، وحصل معهما نحو ثلاثين ألف رجل. وعندما علم ناظر القرامطة الجديد بذلك حاول القبض على ابن العريان وابي البهلول إلا أن الرجال باغتته وطردته من الجزيرة.
عندما علم القرامطة بذلك أنفذ أبوعبدالله بن سنبر وزير القرامطة بعض أولاده إلى (عُمَان) لحمل مال وسلاح من عمان، فعرف أبو البهلول وابن أبي العريان ذلك، فكمنا له في عودته من (عُمَان) وقتلاه، وقتلا معه أربعين رجلا معه صبرا بين أيديهما، وأخذا ما صحبه، وكان خمسة آلاف دينار وثلاثة آلاف رمح، ففرقاها في رجالهما. و هكذا لم يبقى أمام القرامطة إلا الحيلة، فراسلوا ابي العريان ووعدوه بالعطاء وأن يولى جزيرة أوال وذلك مقابل مساعدته في القضاء على أبي البهلول، وأنهم سيرسلون جيشا ليقبضوا على أبي البهلول وأعوانه.
لكن أبا البهلول فطن للمكيدة، وتربص بأبي العريان حتى قتله وهو يغتسل مع غلامه في عين (أبو زيدان). لم تعلم القرامطة بالأمر، فجاؤوا محملين بالسلاح على أن يدخلوا البلد دون مقاومة إلا أن ابو البهلول قد أطاح بهم في كمين، وأخذ سلاحهم. وبذلك أحكم أبو البهلول سيطرته على (أوال) و جعل أخاه أبو الوليد وزيرا له.
رجالات عبدالقيس تطيح بالقرامطة
إن النجاح الذي حققه أبو البهلول في جزيرة أوال دفع زعامات أخرى من عبدالقيس للتحرك، فكانت القطيف المحطة الثانية التي شهدت ثورة على الحكم القرمطي فيها، لقد ثار يحيى بن عياش الجذمي وتمكن من إخراج القرامطة من القطيف والاستيلاء عليها ولم يتمكن القرامطة من التصدي له فاضطروا إلى التقهقر إلى الإحساء والاحتماء داخل أسوارها، فتحرك لها زعيم ثالث من عبدالقيس و هو عبدالله بن علي العيوني، نسبة إلى العيون وهي محلة تقع شمال الإحساء.
ولا يعرف تاريخ خروج كل من ابن عياش وعبدالله العيوني على القرامطة إلا أن المرجح هو سبعينيات القرن الحادي عشر وذلك أن المصادر أجمعت على أن عبدالله بن علي استولى على الإحساء العام 1076م.
رجالات عبدالقيس تتصارع فيما بينها طمعا في السلطة
راسل أبو البهلول الدولة العباسية لطلب المساعدة للقضاء على باقي القرامطة وتوحيد النطقة تحت رايته، وكذلك فعل عبدالله العيوني، أما بن عياش فحاول توحيد المنطقة تحت رايته وبدأ بالحروب مع ابي البهلول، إلا أن المنية عاجلته فخلفه ابنه زكريا بن يحيى بن العياش الذي استطاع دخول جزيرة أوال والقضاء على ابي البهلول. بعدها قام زكريا بن العياش بمراسلة الدولة العباسية لطلب المساعدة في القضاء على باقي القرامطة، إلا أن الدولة العباسية طمعت هي الأخرى في الاستيلاء على البحرين، وحدثت مناوشات بينها وبين بن العياش ولكن لم تفلح. وهكذا وجدت الدولة العباسية خيارا واحدا وهو مساعدة عبدالله العيوني. وهكذا تمكن عبدالله العيوني من القضاء على القرامطة. أما ابن العياش ففر هاربا إلى جزيرة أوال وبقي يتحين الفرص للقضاء على عبدالله العيوني. وما أن انسحب الجيش العباسي إلى البصرة حتى أرسل بن عياش سرية للإغارة على الإحساء فوقعت الهزيمة على جيش بن عياش واضطر إلى الإنسحاب للقطيف ولكنه لم يتمكن من الصمود فيها فعبر إلى جزيرة أوال فتبعه الفضل بن عبدالله العيوني وهزمه هناك ففر هاربا إلى العقير حيث جمع له من الأعراب حوله والتقى بعبدالله العيوني الذي أوقع به وقتله. وبذلك تم لعبدالله العيوني توحيد شرق الجزيرة العربية وجزيرة أوال تحت راية واحدة مؤسسا بذلك الدولة العيونية.
جزيرة أوال و الانفراج الديني
أيا كانت الأحداث السياسية والصراعات فيما بين أفراد الأسرة العيونية أنفسهم أو الدولة العيونية و ماجاورها، حدث هناك انفراج ديني، فالأسرة العيونية أسرة شيعية أعطت مساحة كبيرة للزعامات الدينية، فبنيت الجوامع الكبيرة التي أصبح لها دور يختلف عن الأدوار السابقة. سنرى في الحلقة القادمة كيف أن هناك بالإضافة للزعامة السياسية التي تسيطر عليها الأسرة العيونية كان هناك زعامة دينية أيضا مقرها «مسجد الخميس» أوالمسجد الثالث الذي بني في موقع مسجد الخميس