مادمنا في مرحلة الشفافية لنتساءل من دون خوف
لماذا تغيرت لهجة الشيخ علي سلمان؟
نحن اليوم من دون جدال أو من دون أدنى شك نعيش مرحلة من الشفافية نكاد نحسد عليها من قبل جيراننا في الخليج بعد عقود من كتمان الأنفس ومن الرعب... عقود من حرمان الأمان ما يفرض علينا أن نعترف بأننا حقيقة في وضع جديد يترك للجميع طرح ما يريد وبالشكل الذي يريد وهذه نعمة كبرى على المواطن العربي أيا كان موطنه لأن نعمة الأمان ونعمة الحرية ونعمة التحرر من الخوف ولو أضيفت إليها نعمة الشفافية جميعها نعم يفتقدها الملايين من المواطنين العرب.
ومن المهم أن نحافظ على هذه المكاسب التي حققها الشعب البحريني في عهد جلالة الملك ويسهر على إبقائها، ومادمنا في مرحلة الشفافية فمن حقنا جميعا أن نسأل القيادات الشعبية مثلما نسأل الجهات الرسمية ونجعلها في قفص الاتهام أحيانا لا كراهية ولكن من منطلق المحبة، فالذي تكرهه هو الذي لا تتعشم منه الخير ولا تبدي ملاحظاتك له لكن الذي تتعشم فيه الخير هو الذي تلومه لأنك لا تتوقع منه أن يأتي بعمل يفسد عليك أفراحك.
وكما ذكرت مثلما صرنا نحاسب الحكومة فمن حقنا أن نحاسب أو نلوم أو نبدي ملاحظاتنا مع الجهات الشعبية إذا ما وجدنا أن ممارساتهم قد تسبب ضررا بالمصلحة الوطنية أو قد تتسبب في ضياع المكاسب الوطنية وهذا ما يجعلني أسمح لنفسي كمواطن اعتقد أنه لا أحد يجسر على التشكيك في حسه الوطني وكمواطن لديه الشجاعة الكاملة أن يعلن مَواطن الخطأ حتى في زمن القهر السياسي فقد كنت لا أتردد في ذلك، والسبب الثاني الذي يشجعني على السؤال هو أن من أودُّ التحاور معه إنسان يشهد الجميع له بأنه صاحب صدر واسع يتحمل الحوار ويقبل المناقشة.
إنه الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق الإسلامية، لقد كنت دائما معجبا بمناقشاته وحواراته الهادئة وأسلوبه المهذب في الرد حتى على خصمه في الرؤى والأطروحات فكنت دائما أقول نحن بحاجة الى مشايخ وعلماء ودينيين وسياسيين من هذا النوع إنه فعلا يذكرك وهو يتحدث أو يتحاور بالنموذج الذي دعانا إليه ديننا الحنيف وقرآننا الكريم حين قال (وجادلهم بالتي هي أحسن)، لست الوحيد الذي يعجب بأسلوبه بل الكثيرون غيري وقد لمست ذلك من خلال المجالس التي حضرها وألقى فيها محاضرات بشأن الأوضاع في البلاد ونظراته للمستقبل بكل تفاؤل وبكل ثقة بل إن ما لمسناه فيه أنه كان يختلف مع قيادة الوفاق أحيانا عند تشدد بعضهم، ولكن الذي حدث أنني وجدت أن مزاجه بدأ يتغير وأسلوبه بدأ يتسم بالخشونة والتهديد مما لم نتعوده فيه، هذا التغيير في لهجته لم يحدث إلا بعد سفره للخارج لفترة استجمام قصيرة على ما اعتقد، وكان هذا ضروري للغاية بعد عناء فترة طويلة من تحمل عبء العمل السياسي، وعبء العمل الوطني.
بل كنت أود لو أطالب الجهات المسئولة أن تحس بأهمية أن تهدأ أعصاب قيادات الجمعيات السياسية بتشجيعهم على السفر للخارج حتى يعود القيادي وقد بردت أعصابه وهدأت نفسه وانتعشت أفكاره لينظر إلى الأمور بنظرة واقعية بعيدة عن الشطط والتشنج والنرفزة فذلك أمر مهم ويجب تشجيعه.
لكن ما لفت انتباهي أن أعصاب الشيخ علي سلمان قد توترت أكثر على غير عادته في السابق، واطروحاته أصبحت أكثر شدة بعد عودته من قضاء فترة استجمام كنت اعتقد أنها تزيد في هدوئه وأسلوب تحاوره وتفكيره التفاؤلي وهذا ما يجعلني أتساءل ماذا حدث لشيخنا الجليل المحبوب من كل الأطياف الذي كنا ومازلنا نواصل إعجابنا به، عاد من الخارج ومزاجه قد تعكر وصار يطرح بعض القضايا بشكل يكاد يخاف المواطن الحريص على استمرارية علاقة الود بين الشعب وقيادته الجديدة والغيور على المكتسبات الوطنية والمدرك بأهمية نظرية (يدرك باللطف ما لا يدرك بالعنف) أن تصاب هذه العلاقة بالشرخ الذي لا نتمناه.
اعتقد أن كل مواطن بحريني يوافقك على أن التجنيس بهذا الشكل الفضفاض سواء كان سياسيا أو غير سياسي أمر يشعر الجميع بالخوف ولا يرضي كل الأطياف بدليل اتفاق الجمعيات الست معا، والحديث عن خطورته وتبعاته في مجالس المحرق قبل مجالس القرى، صحيح أننا نحن الذين كنا ننادي بضرورة إنهاء معاناة (البدون) ومازلنا نرى أن هناك عددا منهم ممن يستحق هم المحرومون حتى الآن لكن الجهة المسئولة هي التي تعرقل حصولهم على الحق الشرعي لهم بينما سمحوا للآلاف القادمين من الخارج بالتجنس الفوري لقد ذكرت ذلك شخصيا لرئيس المجلس النيابي نفسه.
وأعتقد أن الجميع يوافقك الرأي ويتعاطف مع أطروحات الجمعيات الست بأن التجنيس بهذا الشكل الموسع لم يكن متوقعا وأنه سيؤثر حتما على بلد صغير يشح فيه العمل لمواطنيه الأصليين وخصوصا أن هناك طابورا واسعا من العاطلين الحكومة نفسها عاجزة ومحتارة في كيفية توظيفهم وتدبير أمورهم.
لكن الذي ربما يختلف معك البعض ولا أقول الكل أن الطرح وبهذا الأسلوب وفي هذا الوقت وبهذه اللهجة التي لم نتعودها منك شخصيا هو مكان الاستنكار.
إن هذا الأسلوب وهذه اللهجة التي كأنها إعلان حرب حقيقية ضد حتى المشروع الإصلاحي الجديد هو يفرض الاستفسار... لماذا؟
إن هذه اللهجة لم تعد تخيف النظام وحده فالنظام في اعتقادي مُحصّن ولا يُرعبه أي أسلوب أو لهجة لكن هذه اللهجة تخيف الأطياف الأخرى فإن القول إن هناك أكثر من مئتي ألف بحريني في المحمرة بحرينيون هو الذي يخيف كل الأطياف الوطنية فالمسألة لم تعد مسألة مطالب وطنية وحقوق ومكتسبات والدخول في مرحلة جديدة ينهي عقود أمن الدولة وتنظيف السجون وعودة المنفيين إلى البلاد وبذل الكثير من الجهود لتحسين أوضاع المواطنين وعودة الحياة البرلمانية مع كل نواقصها... وهذه الحرية التي تتحدث بها الجمعيات اليوم التي لا أعتقد أن الشعوب الأوروبية ذاتها تتحدث بها بهذا الشكل وبهذا العنف ما يؤكد أن القيادة الجديدة مصرة على مواصلة ما وعدت به بجعل الحرية من دون هامش وهذا ما يحفظ للقيادة الجديدة صدقيتها.
ألا ترى أن اللهجة التي صارت تستخدم اليوم ليست لهجة إصلاحية بقدر ما هي لهجة إعلان حرب ولهجة تصعيد يراد منها قطع كل العلاقة مع القيادة وهي أقرب إلى لهجة جاءت بعد انتصارات حاسمة بين قوتين حسمت لصالح جهة واحدة مما يحق لها فرض تصحيح المسارات الخاطئة التي أغرقت بها البلاد في كل أشكال التخلف الاقتصادي والثقافي والفكري والسياسي والفوضى التي عاشها هذا الشعب خلال أكثر من ثلاثة عقود منذ إيقاف العمل بدستور 1973 وفتح أبواب السجون والمعتقلات لكل مثقف أو مواطن عادي يرفع إصبعه استنكارا على ما يحدث وذلك بالشكل الذي تريده الجهة التي حسمت المعركة لصالحها.
هل في اعتقادك أيها الشيخ الجليل أن أسلوب المواجهة وبهذا الشكل سيحقق ما نريد؟ لماذا هذا التوقيت في التصعيد؟
إن كان للشيخ علي سلمان ضمانات يعطي المواطن البحريني حماية من تسجيل أي تراجع وخسائر للمكاسب التي حصل عليها سواء جاء من خلال النضال المتواصل لهذا الشعب أو من خلال تلاقي الأمزجة بين فكر جلالة الملك وفكر المثقفين والمعارضة البحرينية فهذا الضمان يجعل أي بحريني يقول له استمر في التصعيد كما تشاء، لكن الحقيقة ليست كذلك، ولهذا فإنه في اعتقادي المتواضع يكمن في ضرورة رفع المطالب حتى الملحة بهدوء على الأقل في مراحلها الأولى وإنهاء مرحلة العنف والدخول في مرحلة إصلاحات تعيد الارتياح إلى الشارع البحريني.
هل هو تحد متعمد وله ما يبرره وهناك سند يمكن الاتكاء عليه، على قدرات معينة أم مغامرة لا يعرف نهايتها؟ معتمدين على تصريحات كولن باول وزير خارجية أكذب إدارة أميركية جاءت إلى الساحة الدولية حتى الآن بادعائه الرغبة في مشاركة الشعوب بدلا من الأنظمة ولو كان صادقا فعلا لما وقف مع تجاوزات «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني.
إن ما يهم الغيور على هذا الوطن هو أن تستمر الإصلاحات التي وعد بها جلالة الملك وأرى أن إبقاء حبل الود خير من هذا التصعيد، وهو الأفضل في حل هذه الإشكالية فالذي يجب ألا يغيب عن ذهن الشيخ علي سلمان أن سياسة الحوار يمكن من خلالها تحقيق مزيد من المكاسب بدلا من إعطاء الفرصة للقيادة التقليدية لتقوية حجتها بأن هذا الشعب لا ينفع معه أسلوب الحوار والشفافية فلا يكفي القيادة الجديدة ما تتحمله من جهات معينة تحاول تقويض كل جديد في التصحيح الإداري والمالي لنأتي نحن أيضا بإعلان الحرب على هذه المحاولات الإصلاحية وعلى رأي المثل الشعبي (إنت والزمن عليّ)
إن هناك الكثير من الأساليب القانونية التي يمكن بها وضع حد للتجنيس العشوائي أو تصحيح ما حدث.
أما قضية الجواز المزدوج فهناك وسائل قانونية سهلة لو تم التفاهم مع الجهات العليا بأن المخاوف تأتي من رغبة هذه القيادة بترجيح كفة على كفة في الانتخابات لسبب بسيط أن عشرة أو عشرين ألفا لن يغيروا شيئا في حساب الانتخابات ومع ذلك يمكن الحل بأن يُمنع أي منهم المشاركة في الانتخاب إن لم يكن ساكنا في البحرين لمدة سنة على الأقل أو أي شكل آخر يقترحه القانون يحل المشكلة.
أما هذا التصعيد وحشد جمعيات حقوق الإنسان وجمعية المحامين والتهديد بأن مئات الآلاف من الذين يعيشون في (مُحمَّرة إيران) هم بحرينيون أمر خطير للغاية ولا اعتقد أنه سينهي الأزمة الحالية والبحرين دولة عربية تم الاتفاق عليه عند ما صوت الشعب كله على استبيان الأمم المتحدة في مطلع السبعينات.
أذكر ان لم تخني الذاكرة أن الجمعيات السياسية ومن بينها جمعية «الوفاق» التي ترأسونها أنتم اتفقت أن يتم حل كل مشكلاتنا بالحوار مع القيادة الجديدة ووعدنا جلالة الملك أن يتم حل كل شيء من خلال الباب المفتوح لجلالته والأذن الصاغية للمطالب العادلة للمواطنين وأن هذه اللهجة في التصعيد وهذا الحشد لكل القوى وبهذا الأسلوب وفي هذه المرحلة والتركيز على موضوع معين هو خروج على ما تم الاتفاق عليه إن لم أكن مخطئا.
ترى هل شم الهواء خارج البلاد لم يتناسب مع مزاج وصحة الشيخ الجليل علي سلمان خارج حدود الوطن ما جعله يغير أسلوبه الهادئ ولهجته اللطيفة في التحاور وجاء إنسانا مغايرا لم نتعوده من قبل، سؤال حير الكثيرين مثلي حتى تمنيت ألا يسافر أحد من قيادات الجمعيات السياسية خارج البلاد والاكتفاء بالاستجمام داخل البحرين حتى لا يتغير مزاجه وأسلوبه ولهجته