العدد 5378 بتاريخ 28-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... مراد

عبدالحكيم هرواشي - قاص مغربي

أشهر طوال وهو يعيش على ناصية الحلم وهامش الواقع؛ ما يفيد تلقائياً وفور سماع الجملة بأن حياته خاوية كئيبة في كل أحوالها كالقرف إذا تجسد.

لم تكن الأمور هينة عليه كما لم يكن هناك سبيل وارداً ليغيرها تحت وطأة الظلمات التي تلاحقه في أي من مشاويره المستمرة، ولم يكن يوماً عاجزا هكذا، بل كان "مراد" رجلاً مشهوداً له بالعمل الجاد والفطنة في أوساط أهل بلدته، ومع أنه لم يكمل تعليمه، لكن منذ أن تزوج وأصبح أباً لطفلة مريضة يمنح لها كل وقته وماله، أنهك ذهنه وخرت قواه وارتبكت روحه وجاءت عليها سنوات عجاف من الفرح.

كانت الطفلة المسكينة تموت كل يوم وتتحول إلى ما يشبه جثة هامدة. والغريب أن "مراد" لم يمنع عطاياه لابنته، بل استمر في كفاحه، وتجرّع مرارة ليست بسبب الطفلة فقط، إنما بسبب تجارته التي تكدّست، وزوجته التي تركت من ورائها كل شيء ورحلت.

وفي صباح يوم ضبابي بارد، وافتها المنية ولم يستطع مراد إنقاذ فلذة كبده. الأب الجيد الذي لطالما سعي أن يكونه قد انخلع قلبه رعباً وخيفة، وأصابته لحظات من الجنون، وأخرى من الصمت المطبق والهمس بصوت خافت لا يسمع ولا يفهم.

كان يقضي النهار وهو يهذي أمام صورتها بما اعتقده محاولة لإرجاعها إلى الحياة، أما ليله الدّامس فكان يقضيه ساكناً أمام النهر يراقب النجوم اللامعة ويحركها بأصبعه. منتشياً بالحزن كان وظل.

وفي إحدى تلك المباني الشاهقة التي توجد بمركز المدينة التي تبعد عن بلدته بنصف ساعة مشياً على الأقدام، كان ذهن "مراد" قد ارتاد مراده الأخير بعد أن أصبحت حياته بلا معنى ولا هدف، فصعد إلى سطح المبنى، ثم قفز من هناك على ظهره، وبينما كان ينتظر الوصول إلى الأرض، حدّق في السماء، ثم ابتسم.



أضف تعليق