قصة قصيرة... يوم التقيت جميلة
ريمه راعي - قاصة سورية
- هل أنا قبيح جداً يا جميلة؟
- نعم أيها الوحش.
- وبليد جداً؟
- لا لست بليداً أيها الوحش.
- هل بوسعك أن تحبيني يا جميلة؟
- إني أحبك فعلاً لأنك لطيف جداً.
- هل تتزوجين بي؟
- لا أيها الوحش!
هنا انتهت حكاية جميلة والوحش الخاصة بي، فجميلة لم تبك فوق جسدي المرمي على الأرض، ولم تصرخ: أرجوك لا تمت، سأتزوجك!
جميلتي ألقت عليّ نظرة مشفقة، ثم غادرت. كنت أنوي أن أعتذر لها، ونتابع قراءة القصيدة، التي كتبتها أمس، كما لو لم تكن لأجلها، لتقول لي كما كل قصيدة، أني سأصبح يوماً ما شاعرا ًمشهوراً، لكنها غادرت، وتركتني وحيداً، أنا والقصيدة، أتأمل انعكاسي البائس في زجاج المقهى.
وإن كنت لم أستطع الاعتذار يومها، إلا أنني أمضيت ما تبقى من عمري في الاعتذار. أعتذر لرجل مسرع ارتطم كتفه بجسدي فأطلق صيحة، لسائق التاكسي الذي لم أوقفه لأني سأستقل الباص، لشجرة الليمون التي سقطت إحدى ليموناتها أمامي. وربما يوم أموت سأعتذر للحانوتي، الذي اضطر لصنع تابوت كبير يتسع لجسدي المكدس بالشحم، ولحفار القبور الذي أنهكه الحفر، ولعلي سأعتذر للجميع لأني ولدت.
كنت قد تقبلت أني سأمضي حياتي أسيراً لجسدي، وأني لم أخلق لاختبار مسرات الحياة، وبهجات الحب، لكني ولحسن طالعي، كنت قادراً على الكتابة عن كل ذلك، وأملك قلماً رشيقاً جميل الخط، أتبادل وإياه شهقات الإعجاب ونشوات القلب. وحين أصبح ديواني الأول جاهزاً، حملته بين ذراعي، كطفل رضيع، وأخذته إلى صديق لوالدي، يملك دار نشر.
بعد أن اطلع على المخطوط، وضع نظاراته على المكتب أمامه، وقال لي: الحق يقال، هذا الشعر فريد من نوعه.
ابتسمت ابتسامة كادت تتحول إلى ضحكة، لولا أنه تابع قائلاً: لكن فرصتك في نشر الديوان وتسويقه، توازي فرصتك في عرض الأزياء.
طعنني كلامه في قلبي، فهمست ببؤس: لماذا؟
أجاب بفتور: لأن القدرة على تسويق الكتاب هي ما يحدد أهميته، وهذا لا شأن له بقيمة محتواه، بل باسم مؤلفه.
نظرت إليه بحزن، وهمست: آسف يا عمي.
وبينما أتأهب للمغادرة، استوقفني قائلاً: اسمع، لدي فرصة لك، أحد الشعراء المشهورين، يعاني هذه الأيام ضائقة فكرية وأدبية، وقد مرت ثلاث سنوات لم يكتب خلالها حرفاً، سأحاول إقناعه بأن يشتري ديوانك.
حملقت في وجهه متعجباً، وقبل أن أنطق بحرف، قال: سينشره باسمه طبعاً، ويدفع لك مبلغاً محترماً، ومن يدري فقد يشتري منك لاحقاً كل ما تكتب.
خرجت من دار النشر، وطيلة الطريق نحو البيت، كنت أعتذر لقلمي وأوراقي و... للشعر.
بعد أشهر وفي فندق باذخ الفخامة كان الشاعر جالساً خلف طاولة ذات غطاء مخملي أزرق. اتجهت نحوه، ومددت له يدي بنسختي التي اشتريتها للتو، ابتسم ابتسامة هوليوودية، بينما يعيد إليّ الكتاب مع إهداء: إلى محمد، مع الحب!
جلست على أحد أرائك الفندق واضعاً في حضني، صحناً مترعاً بالحلويات ملأته من البوفيه المفتوح على حساب الشاعر. وبعد دقائق، جاءت بنت صغيرة، وجلست قربي.
ابتسمت لي، فابتسمت لها، ومددت لها الصحن، فأخذت بكل يد قطعة، وهي تضحك. وبينما نأكل، أشرت إلى الكتاب الموضوع قربي، وقلت لها: أنا من كتب هذا الكتاب.
حملقت في الغلاف اللامع، الذي يطل منه وجه نحيل لرجل عجوز يبتسم، وقالت: لكنك أجمل من الصورة!
اضطرب قلبي، وخطر لي أن أعتذر لها، لأن الصورة غير جميلة، لكني همست: المرة القادمة ستكون الصورة أجمل، أعدك يا جميلة.
- نعم أيها الوحش.
- وبليد جداً؟
- لا لست بليداً أيها الوحش.
- هل بوسعك أن تحبيني يا جميلة؟
- إني أحبك فعلاً لأنك لطيف جداً.
- هل تتزوجين بي؟
- لا أيها الوحش!
هنا انتهت حكاية جميلة والوحش الخاصة بي، فجميلة لم تبك فوق جسدي المرمي على الأرض، ولم تصرخ: أرجوك لا تمت، سأتزوجك!
جميلتي ألقت عليّ نظرة مشفقة، ثم غادرت. كنت أنوي أن أعتذر لها، ونتابع قراءة القصيدة، التي كتبتها أمس، كما لو لم تكن لأجلها، لتقول لي كما كل قصيدة، أني سأصبح يوماً ما شاعرا ًمشهوراً، لكنها غادرت، وتركتني وحيداً، أنا والقصيدة، أتأمل انعكاسي البائس في زجاج المقهى.
وإن كنت لم أستطع الاعتذار يومها، إلا أنني أمضيت ما تبقى من عمري في الاعتذار. أعتذر لرجل مسرع ارتطم كتفه بجسدي فأطلق صيحة، لسائق التاكسي الذي لم أوقفه لأني سأستقل الباص، لشجرة الليمون التي سقطت إحدى ليموناتها أمامي. وربما يوم أموت سأعتذر للحانوتي، الذي اضطر لصنع تابوت كبير يتسع لجسدي المكدس بالشحم، ولحفار القبور الذي أنهكه الحفر، ولعلي سأعتذر للجميع لأني ولدت.
كنت قد تقبلت أني سأمضي حياتي أسيراً لجسدي، وأني لم أخلق لاختبار مسرات الحياة، وبهجات الحب، لكني ولحسن طالعي، كنت قادراً على الكتابة عن كل ذلك، وأملك قلماً رشيقاً جميل الخط، أتبادل وإياه شهقات الإعجاب ونشوات القلب. وحين أصبح ديواني الأول جاهزاً، حملته بين ذراعي، كطفل رضيع، وأخذته إلى صديق لوالدي، يملك دار نشر.
بعد أن اطلع على المخطوط، وضع نظاراته على المكتب أمامه، وقال لي: الحق يقال، هذا الشعر فريد من نوعه.
ابتسمت ابتسامة كادت تتحول إلى ضحكة، لولا أنه تابع قائلاً: لكن فرصتك في نشر الديوان وتسويقه، توازي فرصتك في عرض الأزياء.
طعنني كلامه في قلبي، فهمست ببؤس: لماذا؟
أجاب بفتور: لأن القدرة على تسويق الكتاب هي ما يحدد أهميته، وهذا لا شأن له بقيمة محتواه، بل باسم مؤلفه.
نظرت إليه بحزن، وهمست: آسف يا عمي.
وبينما أتأهب للمغادرة، استوقفني قائلاً: اسمع، لدي فرصة لك، أحد الشعراء المشهورين، يعاني هذه الأيام ضائقة فكرية وأدبية، وقد مرت ثلاث سنوات لم يكتب خلالها حرفاً، سأحاول إقناعه بأن يشتري ديوانك.
حملقت في وجهه متعجباً، وقبل أن أنطق بحرف، قال: سينشره باسمه طبعاً، ويدفع لك مبلغاً محترماً، ومن يدري فقد يشتري منك لاحقاً كل ما تكتب.
خرجت من دار النشر، وطيلة الطريق نحو البيت، كنت أعتذر لقلمي وأوراقي و... للشعر.
بعد أشهر وفي فندق باذخ الفخامة كان الشاعر جالساً خلف طاولة ذات غطاء مخملي أزرق. اتجهت نحوه، ومددت له يدي بنسختي التي اشتريتها للتو، ابتسم ابتسامة هوليوودية، بينما يعيد إليّ الكتاب مع إهداء: إلى محمد، مع الحب!
جلست على أحد أرائك الفندق واضعاً في حضني، صحناً مترعاً بالحلويات ملأته من البوفيه المفتوح على حساب الشاعر. وبعد دقائق، جاءت بنت صغيرة، وجلست قربي.
ابتسمت لي، فابتسمت لها، ومددت لها الصحن، فأخذت بكل يد قطعة، وهي تضحك. وبينما نأكل، أشرت إلى الكتاب الموضوع قربي، وقلت لها: أنا من كتب هذا الكتاب.
حملقت في الغلاف اللامع، الذي يطل منه وجه نحيل لرجل عجوز يبتسم، وقالت: لكنك أجمل من الصورة!
اضطرب قلبي، وخطر لي أن أعتذر لها، لأن الصورة غير جميلة، لكني همست: المرة القادمة ستكون الصورة أجمل، أعدك يا جميلة.