العدد 5374 بتاريخ 24-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... سوبرمان

تقوى محمد جواد  - قاصة بحرينية

ضَجِرَ سوبرمان وهوَ يُحلّقُ فوقَ سريرٍ يكبرهُ بكثير، يحمِلُ صورةً ضخمةً له بابتسامةٍ مصطنعةٍ لا تشبههُ بتاتاً وبتصفيفةِ شعرٍ لم يتقنها يوماً، سقطَ أرضاً بدونِ ألم فتناولتهُ يدٌ ثخينةٌ بعمرِ الرابِعة لتستأنف تحليقهُ مرةً أخرى.

ياسمين: تباً يا نوح، ألن تَكُفَّ عن اللعبِ بهذهِ التفاهةِ التي لن تكونَ مثلها يوماً ما؟ - ثم قالت مُفتَخِرَةً - هيا إلى السرير.
تمتمَ هامِساً: وأنت لن تكوني كَبات مان أبداً.

استلقى على السريرِ مُتَكَوراً بين الوسائد وضَمَّ سوبرمان إليه حتى التصق كالجلدِ بجلده.

سَحَبَت ياسمين اللعبة: سأرميها في المرحاض بعدَ أن أُقطِّعَها بهذا- تستخرجُ من جيبها مِقصاً أزرق -
قفزَ نوح: لاااا لاا تفعلي، أرجوكِ.

قَلَّبتهُ بِتَمَعُّن: بات مان أجملُ من هذهِ الخردة على أيةِ حال، لما يكون قدوتك؟!

تقاطرت دموعهُ على وجنتيه: اتركيه، إنه غاضب، سيضربكِ، اتركيه. 
تضحك ياسمين: يا لكَ من ساذج، أنا أختك الكبرى وأقول لك إنه لا يمكنُ للعبة أن تؤذي بشراً كما لا يمكنُ لإنسانِ أن يطير كما يَدّعي سوبر مان، أنتَ صغيرٌ جداً لتفهم ذلك.

نوح: يااسمـيـ ـن - يشهَقُ بالبكاء - أرجوووكِ، ماااااماااا.
ياسمين: جبانٌ غبي! وتريدُ أن تكونَ بطلاً خارقاً بهذا الجسدِ الكبير والعقل الصغير؟ أنت مثيرٌ للشفقة.
صرخَ وأنفهُ يسيل: مااااماااا.

رمتها بوجهه: خذ، لكن لا تأتِ لي في منتصفِ الليل عندما يزوركَ شبح الملاءة.
الأم: ما الذي يجري هنا يا صغار؟- ترمي ياسمين المقص أرضاً في حين تضمُّ الأم نوحاً وتغمغم – حبيبي!
ياسمين هاربة: سأخلدُ للنوم.

تنظرُ لها أمها بغضب وتعاودُ النظرَ لصغيرها الآخر مستفهِمَةً: هل أزعجتكَ تلكَ المدللة؟ ماذا فعلت؟
هزَّ رأسهُ رافِضاً ماسحاً أنفه بطرف سبابته: لا شيء - قبلتهُ أمه على ثغرهِ وتحركت نحوَ المصباح فصرخَ فجأة -لاااا.
توقفت أصابعها عن الحركة: لماذا؟

يخفِضُ صوتهُ ويتفحصُ زاويةَ الباب: أخاف.
تسألهُ بنهم: مِمَ؟
يضعُ أظفارهُ في فمه: في الظلام، يدخل مرتدياً ملاءة سوداء مِثلَ عباءتكِ، يضحك علي، وأنا أبكي.
تربتُ على كتفه مبتسمةً: يا بطلٌ هذا مجردُ حلم، أنتَ قويٌ كسوبرمان والأقوياء لا يخافون، حسناً؟ ليلةً هانئةً يا صغيري. تقبلهُ، تطفئ الضوء وتخرج.

تفرَّقَ صوته: حسناً، ليلةً هانِئة.

مستلقياً مرتجفاً، يضغَطُ نوحٌ على رأسِ سوبرمان بشدة حتى يكاد يخنقه، يسمعُ وقعَ الأقدامِ المتجهةِ لغرفته، يغمض عينيه: أناا لستُ جـ ـبانا، أستطيعُ الطيران، هيا ساعدني يا سوبرمان. يقفُ بسرعة، يهّمُ بخطفِ ملاءته الحمراء من تحت السرير ليربطها على ظهره في حينِ يُفتَحُ الباب ببطء فتدخلُ الملاءةُ السوداء، يرتجفُ نوحٌ عندما تقتربُ الملاءةُ من سريره، ترفَعُ الملاءةُ فراش السرير ولا ترى سوى الوسائد في حين تصرخُ مِنْ أعلى الخزانةِ ملاءةٌ سوبرمان الحمراء قافِزةً على الملاءةِ السوداءِ، يلتمعُ مقصٌ أزرقٌ صغير في يد نوحٍ من تحتِ الملاءة الحمراء.

الأخبار: لقد تُوُفِيَّ ليلةَ البارحة أخوان في حادثةٍ غريبةٍ من نوعها، إذ كما يبدو أن الأختُ بعمرِ العاشرة كانت تمزحُ مع أخيها الصغير عبرَ ارتداءِ عباءةِ أمها السوداء لكنها فوجِئت بقفزةٍ مباغتة من أخيها بمقصٍ من أعلى الخزانة فقضت نحبها، حينَ لم يستطع الطفلُ بسبب وزنهِ الزائد وبسبب الملاءة التي كان يرتديها أن ينقذَ رأسهِ فاغتالهُ الطرفُ الآخرُ من المقص وتوفي. لكنَ أمراً ما حَيّرَ الشرطة، إذ كيفَ استطاعَ طفلٌ بدينٌ بعمرِ الرابعة تسلقَ خزانةٍ تعلوهُ بمترِ ونصف؟



أضف تعليق