بالفيديو...اكتشاف مصنع لإنتاج الفخار في المالكية عمره 2550 عاماً... والموقع مهدد بالإزالة
المالكية، المنامة - محمد العلوي
من باطن قرية المالكية، كانت مملكة البحرين على موعد مع كنوز أثرية جديدة، كشفت عنها تنقيبات هيئة البحرين للثقافة والآثار قبل أشهر معدودات.
ومن الموقع الكائن جنوبي القرية، توصلت الهيئة بالاستعانة بالبعثة الأثرية الفرنسية، إلى أول موقع لإنتاج الفخار في البحرين في حقبة دلمون المتأخرة، ممثلاً في الفرن الذي يمتد عمره لنحو 2550 عاماً.
تؤكد ذلك الهيئة، وهي تستعرض في بهو متحف البحرين الوطني ما وجدته في الموقع المشتمل على 20 قبراً، تعود جميعها لفترة تايلوس.
ووفقاً لمتابعات «الوسط» بين الموقع تارة، والمتحف تارة أخرى، كانت المعلومات المؤكدة تشير إلى وجود الموقع الأثري بالكامل في ملك خاص، الأمر الذي يعرضه لخطر الإزالة، وبناء قسائم سكنية فوقه.
لثام ذهبي وخرز وأوانٍ فخارية من عهد تايلوس... و«الوسط» تتابع
باطن المالكية يجود بكنوزه: مصنع لإنتاج الفخار بعمر 2550 عاماً... «الثقافة» تواصل التنقيب... والموقع مُهدَّد بالإزالة
المالكية، المنامة - محمد العلوي
من باطن قرية المالكية، كانت مملكة البحرين على موعد مع كنوز أثرية جديدة، كشفت عنها تنقيبات هيئة البحرين للثقافة والآثار قبل أشهر معدودات.
ومن الموقع الكائن جنوبي القرية، توصلت الهيئة بالاستعانة بالبعثة الأثرية الفرنسية، إلى أول موقع لإنتاج الفخار في البحرين في حقبة دلمون المتأخرة، ممثلاً في الفرن الذي يمتد عمره لنحو 2550 عاماً.
تؤكد ذلك الهيئة، وهي تستعرض في بهو متحف البحرين الوطني ما وجدته في الموقع المشتمل على 20 قبراً، تعود جميعها لفترة تايلوس: لثام ذهبي (القرن الأول ق. م. - القرن الأول م.)، خرزة ذهبية (القرن الأول ق. م. - القرن الأول م.)، خرزة من حجر (القرن الأول ق. م.)، وعاء فخاري ملون (القرن الثاني - القرن الأول ق. م.)، طبق فخاري مزجج (القرن الأول م.)، إبريق فخاري مزجج (القرن الأول م.)، آنية من الفخار المزجج (القرن الأول - القرن الثاني م.)، طبق فخاري مزجج (القرن الأول م.)، وعاء فخاري مزجج (القرن الأول م. - القرن الثاني م.)، إبريق فخاري مزجج (القرن الأول م.)، قرط فضة (القرن الأول ق.م. - القرن الأول م.)، دبوس من البرونز (القرن الأول ق. م. - القرن الأول م.)، خاتم برونز (القرن الأول - القرن الثاني م.)، فلكة مغزل من الحجر (القرن الأول ق. م.).
ووفقاً لمتابعات «الوسط» بين الموقع تارة، والمتحف تارة أخرى، كانت المعلومات المؤكدة تشير إلى وجود الموقع الأثري بالكامل في ملك خاص، الأمر الذي يعرضه لخطر الإزالة، وبناء قسائم سكنية فوقه.
بجانب ذلك، كانت التأكيدات تشير إلى أن الموقع لم يستكمل بعد تنقيباته، في ظل حاجته للمزيد من البحث، مدعوماً ذلك بالحديث عن جدية تتوافر لدى هيئة البحرين للثقافة والآثار، باتجاه الحفاظ على الموقع «المهم، والمثير»، على حد وصفها.
وفي الوقت الذي يناشد فيه الأهالي، الهيئة، بالحفاظ على الموقع، ولململة آثاره المتناثرة، وتسويره، كانت الجولة الميدانية التي نفذتها «الوسط» تؤشر لحاجة المنطقة للمزيد من المسوحات، حيث البقية الباقية من التلال التي كانت في يوم ما تغطي مساحة جغرافية ممتدة، ليتبقى منها اليوم بضع تلال، بعضها منسي متوارٍ، وآخر أحاطته جدران الأملاك الخاصة.
تبدأ الحكاية من مطلع العام 2016، حينها كانت الهيئة تتولى القيام بعملية مسح روتينية في المالكية، حتى رصد فريق علماء الآثار التابع لها بعض المعالم الأثرية التي تطلبت تدخلاً فورياً، لتسفر هذه الأعمال عن أدلة وصفتها الهيئة بـ «المهمة»، وتوضح وتعزز فهم فترتي دلمون المتأخرة (القرن الأول قبل الميلاد)، وتايلوس (القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي) في البحرين.
والموقع الذي يتألف من تل دائري (1.5 متر * 25 متراً)، يحتوي، كما تنوِّه الهيئة، على «20 قبراً تعرض معظمها للنهب باستثناء أربعة قبور في حالة سليمة عثر فيها على لقى جنائزية متميزة، كما عثر أيضاً على قبر طفل لكنه كان خالياً من اللقى الأثرية»، مضيفةً «من المثير للاهتمام أن المقبرة بنيت على موقع لانتاج الفخار يعود إلى فترة دلمون المتأخرة (550 قبل الميلاد) وهو أول موقع من نوعه من ذاك التاريخ يعثر عليه في البحرين، حيث حفرت الغرفة الجنائزية الرئيسية على أنقاض فرن لصناعة الفخار تم تحديده بفضل شكل قاعه المثقوب النموذجي. وقد أسفرت التنقيبات عن كميات من الفخار تعود للفترة الأخمينية (دلمون المتأخرة) تماثل فخاريات اكتشفت في مواقع أخرى في البحرين تعود للفترة نفسها منها في موقع قلعة البحرين».
ومن المنامة للمالكية، حيث الموقع الأثري المكتشف، انتقلت «الوسط»، وبمعية ابن القرية سيدمحمد الجواي، كانت المعاينة.
تلة أثرية ظلت منسية لسنوات وسنوات، حتى تنبهت لها هيئة البحرين للثقافة والآثار، فأزاحت عنها الكثبان الرملية، ليظهر المستور. حدث بارز، يعيد بدوره الحديث عن آلاف تلال المدافن المنتشرة على رقعة واسعة من البحرين، كما يعيد لها الاعتبار.
والجواي الذي بدأ مشوار الاهتمام بالتاريخ قبل 8 سنوات فقط، تحدث بشغف عن تراث قريته، وقال وهو يرشد «الوسط» للموقع الأثري: «في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، كنت في رحلة غوص بحرية غرضها البحث عن قارب (طراد) غارق، وفي الأثناء عثرت عن طريق الصدفة في بحر المالكية، على جرة فخارية مكتملة، استخرجتها وجلبتها لمنزلي، وكل غرضي وقتها الاستفادة منها مادياً، ولم يكن تركيزي مطلقاً على الآثار».
وأضاف «بقيت بحوزتي لأشهر، حتى علمت بوجود فريق متطوع مهتم بالبحث عن الفخاريات، فكان تفكيري متركزاً حول بيع الجرة مقابل 3 آلاف دينار، وبالفعل عرضتها على الفريق الذي تسلمها لفحصها وتقدير عمرها، حتى طرأت علي فكرة استرجاعها نتيجة انتباهي لقيمتها الأثرية، وحين تم فحصها قالوا إن عمرها يتجاوز 333 سنة، فاستبعدت الغرض التجاري وحرصت على المطالبة بإرجاعها نتيجة لقناعتي بأنها كانت تمنح البيت رونقاً مميزاً، وتعلق قلبي بها كثيراً».
واستدرك «حين أردت استرجاعها، رفض الفريق الأمر، وبعد أن علمت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، بوجود الجرة ضمتها لمتحف البحرين الوطني، ليتبقى لدي صورتها فقط»، مضيفاً «على رغم مطالبتي بها إلا أن قناعتي أن دخولها المتحف يعني وجودها بين أيدٍ أمينة».
ومن الجرة، يقول الجواي، كانت البدايات لتلمسه أولى خطوات اهتمامه بالآثار والتاريخ والتراث. يتحدث عن قريته بالقول: «المالكية القديمة ليست هي المنطقة المأهولة حالياً بالسكان والتي كانت مصيفاً (مضعن)»، مضيفاً «الحديث بشأن ذلك حتى الوقت الحالي فرضيات، وشخصياً وبعد بحث توصلت إلى أن الموقع القديم للقرية يقع بالقرب من دوار 13 في مدينة حمد»، مستدلاً على ذلك بالقول: «وجدنا قبل عقود بيوتاً قديمة في هذه المنطقة، لكن للأسف لم يتم توثيقها، فأزيلت، ولايزال الموقع يضم بعض الآثار من الفخاريات والمحار».
يصل الجواي للموقع الأثري الكائن بين قريتي المالكية وصدد، وهو يردد «أتردد على الموقع باستمرار، وقد تم الانتهاء من التنقيب عنه قبل 3 أشهر».
وبكثير من الانبهار، كان الجواي يتنقل من قبر لآخر، متحدثاً عن البناء الهندسي المنتظم والمتقن، والذي ظل محتفظاً بهيئته على رغم عمره الذي يتجاوز الألفي عام، وصولاً للفرن الذي يتوسط الموقع، و»الجزء الأكثر إدهاشاً، والذي ينطق عن عظمة الأجداد، تحديداً في تقنية الصناعة التي استخدموها لعزل درجات مرتفعة جداً من الحرارة وتركيزها»، مضيفاً وعيناه تتأملان الفرن «لاحظ، أننا نتحدث عما قبل 2500 سنة من اليوم، ونحن نقف عند فرن نادر وبهيئته الكاملة تقريباً».
وعلى بعد عشرات الأمتار من الموقع، تستريح في الجهة الشرقية منه، بضع تلال بعضها داخل أسوار أملاك خاصة، وأخرى خارجها، فيما الجواي يتحدث وهو يقف أعلى تلة منخفضة: «لاحظ هذه النتوءات الصخرية، لاحظ بناءها المنتظم، بما يوحي بشبه يجمعها مع القبور العشرين الموجودة في الموقع الأثري»، مخاطباً الهيئة «الأمل معقود بأن تطال أعمال التنقيبات هذه التلة أيضاً».
وبحسب حديث الجواي، فإن المنطقة الممتدة من مسجد الشيخ مرشد حتى قرية داركليب، تعرف بين الأهالي قديماً بـ «الجفور»، وسبب التسمية يعود لأعمال حفر كانت تتم في المنطقة لاستخراج من باطنها (حفر لعمق متر)، طبقة تسمى «الجشبة»، وهي طبقة يبدأ فيها تكون الماء، ونتيجة لترسب الملح تكتسب صفة الأرض الصخرية الصلبة.
يقول الجواي: «يتم عمل «جفرة» أي حفرة، لاستخراج «الجشبة»، وبعد ذلك يتم تحويلها من قطعة صلبة إلى حبات رملية تسمى مادة «الجص»، والتي تبنى بها البيوت سابقاً، وهي المادة ذاتها التي استخدمت لبناء القبور العشرين، فكانت المالكية مشهورة باستخراج هذه المادة، وبسبب الاستخراج المتكرر للجشبة من أرضها، انتشرت «الجفر» أو الحفر، فأطلق على المنطقة منطقة «الجفور».
واختتاماً للحديث، ظل الجواي يرسل نداءاته للهيئة، مبيناً حاجة الموقع للكثير من الاهتمام والتنقيب في ظل تناثر بعض فخارياته وقطعه الصخرية التي يرجح أنها كانت تستخدم لتغطية القبور، والتي تمثل أداة من أدوات البحث، منوهاً في الوقت ذاته بجهود الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ومعولاً على تدخلها لحفظ الموقع الذي خطط لقسائم سكنية، من خطر الإزالة الوشيك.