العداء بين تركيا والأكراد يلهي الأنظار عن قتال "داعش" في سورية
الوسط – المحرر الدولي
تهدد موجة العنف بين تركيا والأكراد في شمال سورية بتقويض الحملة العسكرية التي يشنها مقاتلون أكراد ضد تنظيم "داعش" بدعم من الولايات المتحدة في الرقة، المعقل الرئيسي للجماعة المتطرفة في البلاد، بحسب تقرير صحافي لشبكة الأنباء الإنسانية "ايرين".
ومنذ أن أسفر القصف الجوي والقصف والبري التركي عن مقتل عشرات المقاتلين الأكراد في سورية والعراق في 25 أبريل/ نيسان، استمرت الاشتباكات على طول الحدود الشمالية لسورية. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه قد يأمر "في أي وقت" ودون سابق إنذار بتدخل ضد المجموعات الكردية في سورية التي يعتبرها إرهابية.
وفي إشارة إلى تحالف قوات سوريا الديمقراطية ومكونها الرئيسي، وحدات الدفاع الشعبي (YPG)، حذر تقرير جديد صادر عن مجموعة الأزمات الدولية من أن "العمل العسكري التركي الأكثر اتساعاً من شأنه أن يعيق بشكل خطير هجوم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة على مدينة الرقة عن طريق إجبار وحدات الدفاع الشعبي على تحويل الموارد للدفاع عن نفسها".
من جانبها، وصفت الولايات المتحدة الضربات الجوية بأنها "غير مقبولة" ونشرت قوات خاصة على المنطقة الحدودية، ولكن العنف لم يتوقف بعد.
بدايات التدخل؟
استهدفت الغارات الجوية في 25 أبريل/ نيسان جماعات تابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من المقاتلين في كلا البلدين.
وأصدرت وحدات الدفاع الشعبي تفاصيل عن مقتل 20 شخصاً في صفوفها، كما ذكرت، نصفهم من الكوادر النسائية من الفرع النسائي التابع لها.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية يسبر سودر: "هذا هجوم استراتيجي، لأن أردوغان يأمل في أن ننهي عملية الرقة".
وأضاف سودر، أحد المتطوعين السويديين في وحدات الدفاع الشعبي وقوات سوريا الديمقراطية، ومقره شمال شرق سوريا: "لقد حاولنا مراراً وتكراراً أن نوضح للائتلاف (المناهض للمتطرفين الذي تقوده الولايات المتحدة) أنه يجب كبح جماح تركيا. لقد قلنا أننا سنجهض عملية الرقة إذا دخلت تركيا روج أفا (الاسم الكردستاني لإقليم كردستان السوري) بقوة غزو أو إذا سُمح لها بالاستمرار في قصف مدننا ومقراتنا".
ولكن منذ الهجمات الأولى في الأسبوع الماضي، شهدت المنطقة الحدودية السورية تصعيداً للعنف واستمراراً للقصف.
وأعلن الجيش التركي أنه رد على هجمات صاروخية شنتها وحدات الدفاع الشعبي في 28 أبريل، مما أسفر عن مقتل 11 مقاتلاً، بينما تزعم وحدات الدفاع الشعبي أنها قتلت 17 جندياً تركياً في اليوم السابق في عفرين شمال سورية.
وقالت المجموعة الكردية في بيان صدر في 28 أبريل "بعد ذلك، لن يمر أي هجوم من قبل الدولة التركية دون رد، وستكون الردود على تلك الهجمات قوية".
ويبدو أن الدعوات الأميركية لوقف العنف قد وقعت على آذان صماء.
وتكمن في جذور الخلاف وجهات نظر واشنطن وأنقرة التي لا يمكن التوفيق بينها حول طبيعة وحدات الدفاع الشعبي وكيفية التعامل معها.
وتعد وحدات الدفاع الشعبي وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، من الفروع السورية لحزب العمال الكردستاني، الذي أشعلت تمرده الوحشي الذي دام لعدة عقود السياسات القاسية المناهضة للأكراد التي تتبعها الحكومات التركية المتعاقبة.
وتعتبر تركيا التأثير المتنامي لقوات الدفاع الشعبي وحزب الاتحاد الديمقراطي داخل قوات سوريا الديمقراطية في شمال سورية بمثابة تهديد كبير لأمنها القومي، ولكن الولايات المتحدة ترفض الاعتراف بالعلاقة بين حزب العمال الكردستاني، المصنف على أنه منظمة إرهابية، ووحدات الدفاع الشعبي، حليفتها الأساسية ضد الجهاديين في سورية.
وقالت القيادة المركزية الاميركية على موقع تويتر في يناير/ كانون الثاني أن "قوات سوريا الديمقراطية تؤكد أنها ليس لها أي انتماء أو علاقات مع حزب العمال الكردستاني".
ولكن من وجهة النظر التركية، يُعد الموقف الأميركي مهيناً.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، قال بونيامين كيسكين، الذي نشر مؤخراً تقريراً عن هذه المجموعة لمصلحة مؤسسة سيتا، وهي مؤسسة بحثية مقربة من الحكومة التركية: "لقد تم تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي بناءً على توجيهات من مؤسس حزب العمال الكردستاني وقائده عبدالله أوجلان".
"هذا ليس سراً ويمكن ملاحظته في العديد من كتابات أوجلان نفسه. مع طبيعة حزب العمال الكردستاني، لا يمكن أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات الدفاع الشعبي شريكاً لتركيا، ولا جاراً أو جهة فاعلة تسيطر على المناطق المجاورة على الحدود،" كما أوضح.
وفي أغسطس الماضي، أمر أردوغان قواته والمقاتلين العرب والتركمان السوريين المدعومين من تركيا بالدخول إلى شمال سورية.
وفي حين أن التدخل أدى إلى تأمين موطئ قدم لتركيا في شمال سوريا ومنع وحدات الدفاع الشعبي من ربط أراضيها بالجيب الكردي الغربي المعزول في عفرين، سرعان ما وجد أردوغان أنه لم يوفر له النفوذ الذي كان يأمل به.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات الروسية والأميركية المنضمة إلى الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "وحدات الدفاع الشعبي"، على التوالي، منعت المزيد من التوسع.
وفي 30 مارس/ آذار، أعلنت تركيا أن التدخل قد انتهى، على الرغم من أن القوات ستظل في المناطق التي استولت عليها.
ومنذ ذلك الحين، يبدو أن هناك تطورين يقودان تركيا نحو اتخاذ تركيا إجراءات راديكالية، ويركزان على الأسماء المألوفة: سنجار والرقة.
في العراق، ينصب اهتمام تركيا على منطقة سنجار، التي تقع في صميم الصراع الداخلي بين الأكراد على النفوذ بين المجموعات المحلية التابعة لحزب العمال الكردستاني وقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني الصديقة لأنقرة.
إن التنافس الكردي في هذا الجزء من العراق له ديناميكياته الخاصة، ولكن تركيا حريصة على مساعدة الحزب الديمقراطي الكردستاني على الإطاحة بخصومه المحليين.
كما أن سنجار على وشك أن تكتسب أهمية استراتيجية إضافية لأن الحكومة السورية ووحدات الدفاع الشعبي تستخدمان مكاسبهما الإقليمية الأخيرة لإعادة فتح طريق يربط بين حلب وشمال شرق سورية الذي تسيطر عليه وحدات الدفاع الشعبي للمرة الأولى منذ أربع سنوات.
وإذا تمكن حزب العمال الكردستاني من تأمين السيطرة على سنجار ونجحت الحكومة العراقية في نهاية المطاف في طرد "داعش" من الموصل وتلعفر المجاورة، فإن الأكراد سيتحكمون في أراضي تمتد على طول الطريق من الحدود الإيرانية عبر العراق وسورية إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط، متجاوزين جميع مناطق النفوذ التركي.
وسيستفيد حزب العمال الكردستاني عن طريق الحصول على طرق برية آمنة للتجارة وحركة المرور إلى أراضيه في سورية والعراق، وباستخدام موقعه في قلب هذه الشبكة كمصدر للنفوذ السياسي.
وفي سوريا، يسلط أردوغان نظره على الرقة؛ ليس لأنه يرغب بشكل خاص في السيطرة على هذه المدينة المتربة والمضطربة، ولكن لأنها اكتسبت قيمة رمزية كبيرة كعاصمة تنظيم "داعش". ومن يستطيع إنزال الرايات السوداء التي ترفرف الآن على الرقة سوف يسجل اسمه في كتب التاريخ، ولا ينوي أردوغان السماح لعدوه الكردي بأن يصبح الفارس المغوار الذي ذبح التنين المتطرف وأنقذ الأميرة الغربية، لاسيما وأن الشكوك تساوره في أن المكافأة قد تكون نصف المملكة السورية.
مع ذلك، فقد قامت وحدات الدفاع الشعبي طوال ربيع عام 2017 بالزحف المتواصل تجاه الرقة، مدعومة بقوة جوية أميركية.
وقد استبعدت واشنطن عدداً كبيراً من المقترحات التركية غير الواقعية على نحو متزايد حول كيفية حشد بديل، قوات غير وحدات الدفاع الشعبي، للاستيلاء على المدينة، وفي هذه اللحظة يبدو من المؤكد أن تقع الرقة في أيدي كردية، والبديل الوحيد المقبول هو نظام الرئيس بشار الأسد.
من وجهة نظر أنقرة، حصرت الولايات المتحدة تركيا في وضع متدهور لا يمكن الدفاع عنه، حيث أصبحت مضطرة إلى المشاهدة بغضب يتسم بالعجز بينما تواصل الولايات المتحدة حماية وتغذية وتوسيع الجيب المؤيد لحزب العمال الكردستاني على الحدود الجنوبية لتركيا.
هذا هو الفخ الاستراتيجي الذي يأمل الرئيس التركي في كسره من خلال ضرب عناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق والتهديد بتدخل آخر في شمال سورية.
يبدو أن السياسة الداخلية لعبت دوراً ما في تحديد توقيت المناورات التصاعدية في تركيا.
كان أردوغان قد أعلن في مطلع أبريل أنه مستعد لاتخاذ اجراءات اضافية في سوريا والعراق، ولكن من الواضح أنه كان حذراً من إغضاب الناخبين قبل الاستفتاء الدستوري الذي جرى في 16 أبريل حول توسيع صلاحياته كرئيس.
وكما اتضح فيما بعد، على الرغم من التقارير التي تفيد باستخدام قوانين الطوارئ وموارد الدولة لتأمين النصر، إلا أن أردوغان فاز بصعوبة بدعم 51.4 بالمائة من الناخبين.
من جهته، قال مايكل سهيلين، سفير السويد السابق في أنقرة وهو الآن باحث في معهد الدراسات التركية بجامعة ستوكهولم، لشبكة الأنباء الإنسانية أن هذا الهامش الضئيل يمثل "خيبة أمل كبيرة لأردوغان" وقد يجبر الرئيس على إجراء انتخابات مبكرة لإحكام قبضته على السلطة، حتى لو كان الثمن هو إفزاع المستثمرين ومزيد من الإخلال باقتصاد تركيا الضعيف.
كما ينظر خصوم أردوغان الأكراد إلى النتائج بقلق، وإن كان لديهم أسباب مختلفة.
قال ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي شيروان حسن في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية في منتصف أبريل: "عندما تصبح البلدان والقادة أكثر ديكتاتورية، يضحون أكثر خطورة على الجميع. أعتقد أن الفترة القادمة ستكون خطرة بشكل متزايد علينا جميعاً بسبب أسلوب أردوغان الديكتاتوري الذي يسعى إلى جمع النفوذ".
وفي السياق نفسه، قال الصحافي التركي المخضرم جنكيز كاندار المتخصص في الشرق الأوسط والذي تحدث إلى شبكة الأنباء الإنسانية قبل القتال الأخير: "لا أعتقد أن الاستفتاء [بحد ذاته] قد أحدث تغييراً جذرياً من حيث ترك أيدي أردوغان حرة أم لا".
لكنه أكد أن تأييد روسيا والولايات المتحدة السريع للنتائج التي لا تزال مثيرة للجدل بين خصوم أردوغان من المحتمل أن يشجع الرئيس على التوغل في سوريا. وقال كاندار أن أولوية الرئيس ستكون بالتأكيد إيقاف التقدم الكردي.
ويبدو أن تركيا محاصرة من جميع الجوانب وتتراجع على الصعيد الاستراتيجي وتتصرف بشكل عدواني، ويرجع ذلك في معظمه إلى عدم وجود خيارات أخرى، على أمل فرض إعادة تشكيل القوى وبناء النفوذ، بدلاً من تحقيق أي هدف محدد.
والتصعيد له فوائده الخاصة: عندما تتحرك المركبات المدرعة التركية عبر الحدود التركية السورية، تنتفض جميع الأطراف من سباتها وتعيد معايرة سياساتها على أساس تهديدات أردوغان بالتدخل الكامل في سورية.
وقال سودر في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية: "ما لم يتم كبح جماح أردوغان ووقف هجماته، سنوقف الهجوم على الرقة لتحصين حدودنا ضد تركيا".
ولكن هذا قد يكون بالضبط ما يريد أردوغان سماعه.
وبإظهاره أنه يستطيع تحييد قوات سوريا الديمقراطية كشريك أميركي في الرقة، قد يجد أخيراً طريقة للضغط على السياسة الأميركية التى كانت غائبة عن تركيا حتى الآن.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن الموقف العسكري التركي العدواني المتزايد في سوريا والعراق لا يتعلق بإلحاق أضرار مادية بالمجموعات الكردية بقدر ما هي محاولة لانتزاع تنازلات سياسية من الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن الرغبة في إنهاء أو على الأقل الحد من الدعم الأميركي للأطراف التابعة لحزب العمال الكردستاني، تسعى تركيا أيضاً إلى جعل واشنطن تستمع إلى وجهة نظرها بشأن عدد من القضايا الأخرى.
ولعله ليس من قبيل المصادفة أنه بينما كان أردوغان يكثف الضغط على الحدود، قال لجمهور من المنتسبين إلى المؤسسات البحثية الأميركية أن "مطلبه الأول" من الولايات المتحدة هو تسليم المفكر الإسلامي المقيم في بنسلفانيا فتح الله غولن، الذي يعتبره مسئولاً عن محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
لا أحد يعلم إلى أي مدى سيصعد أردوغان ضغوطه، لكنه من المرجح أن يأمل في تحسين موقفه التفاوضي بشأن مجموعة من النزاعات الثنائية قبل أن يتوجه إلى أول لقاء له مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 16 مايو المقبل.