العدد 5349 بتاريخ 29-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... من خلف السور

محمود باسم أبوصالح - قاص سوري

من خلف هذا السّور… أخذت أسترق النظر!
خيمٌ بيضاء تحتضن أناساً بسطاء. أمّهات يجلسن على مداخل خيمهن، يسرحن بأطفالهن الذين أيقنوا أن عالمهم يحدّه هذا السور.
هنا تجلس أمّ براء على كرسيّها الصغير، سارحة بهذا العالم الأسير، بيدها لفافة تَبْغِها تنفث دخانها بين الحين والآخر، لعلّ حرقها يخفف من حرقة قلبها وألهما.
تتأمل أطفالها، وفي أملها يأس!
تبتسم لهم، وفي ابتسامتها همّ!
تضحك في وجوههم، وفي ضحكتها حزنٌ!
تلعب معهم، وفي نشاطها تعبٌ وهزل!
تتساءل عن حلّ بهم، وعن ذنوبهم التي أودت بهم. أصبحت فرحتهم تكمن في الحصول على الطعام، أو بالحصول على بطّانيّة في الشتاء، بعد الوقوف وراء جمْعٍ غفيرٍ لبضع ساعات!
عالمهم ينتهي عند بداية السّور، وملعبهم خيمةَ بنصف حجم حمّام منزلهم!
من ورائها وطنٌ تسيل منه الدماء، ومن أمامها أممٌ يسير إليها الشباب. تقف في المنتصف، كبرزخٍ، لا تعلم أهي في جحيم أم في نعيم، أتموت أم تحيا من جديد.
أتعود إلى الوراء كما عاد والد براء فاستشهد؟! أم تمضي إلى الأمام كما مضى براء فغرق وتنهّد؟!
أم تبقى هنا كما بقيت أم عرفة أربعين عاماً تنتظر، وما زالت تنتظر...
أم تترحّل كما تترحّل أم كاظم، وما زالت تسافر..
وهناك من بعيد، أرى فتاةَ لم تتجاوز الـ17 عاماً تجهّز نفسها لزفافها ودموعها لا تفارق خدّها. عريسها قد يصْغُر جدّها بضع سنين، ولكنه قادر على إخراجها خلف هذا السور اللعين!
وهناك خلف الخيمة المتّسخة، حبيبها صاحب الدموع في العينيْن. يتذكر أيام انتظاره لها أمام المدرسة، ومن ثم اصطحابه لها إلى منزلها.
اليوم أيقن أن الحبّ أكبر من أنانيته، وأن حبه يأمره بتركها تغادر، ولو كان عريسها كبيراً عاجزاً.
فهنا قد أصبح العاشق هو العاجز، حيث لا يستطيع أن يمضي بمن أحبها خلف هذا الحاجز!

وهنالك أطفال يجرون ليصلوا حتى نهاية عالمهم، حيث السور! ينظرون إلى بعيد وهم يحدّقون بأعينهم، تصغر حدقات أعينهم حتى يروا بوضوح، فيتعجبون!
أناسٌ عائدون من أمامهم، لم يعجبهم العالم الواقع خارج السور!
رجال غاضبون يصرخون، وشبابٌ يشتكون جائعون، وفتياتٌ يمسكْنَ أيدي أزواجهنّ يبكين، وكلّهم خارج هذا السّور يمشون!
فيبتسم الأطفال، ويعودوا إلى أهلهم راكضين...

 



أضف تعليق



التعليقات 3
زائر 1 | 7:29 ص قصة بل واقع مؤلم لشعب بأكمله اصبح كلوحة تثير الشفقة و تحرق القلوب ... تسلم الانامل المبدعة رد على تعليق
زائر 2 | 2:34 م بوركت يمناك فقد أجدت الوصف ...

والمؤلم أن القصة مستمرة والعالم يتابع احداثها بصمت مقزز .. رد على تعليق
زائر 3 | 10:44 م أكثر من رائعة ... نقلت الواقع المر وبحاذافيره الموجعه..! رد على تعليق