العدد 5348 بتاريخ 28-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الأرض الثائرة

لطيفة راشد الميل - قاصة بحرينية

ذرّات الهواء التي تتسلل إلى خارج رئتي متشبثة بالعالم الخارجي، شعرتُ وكأنها قطع من الذهب تطفو وتسبح، فأتوسد أحلامي المتقاطرة عذوبة، أنظرُ إلى العالم وكأنه نشر الحلوى في كل بقاع الدنيا، كيف لا أشعر بكل هذه النشوة وأنا أسبح في كومة النقود؟! كيف لا ورائحتها الفواحة تطوقني وتحتضنني بحرارة.

طعامي لا أشعر بمذاقه إلا في صحن مُذهب يحمل قطعاً رائعة، أما الأحلام الوردية التي تجنح بي نحو عالم الخيال، فأنا لا أتلمسها إلا في سريري الذي يشبه هذا الكون في سعته.

نظرتُ في قلب المرآة أتحسس ملامحي واضعاً يدي على ذقني، عينان زرقاوان، أنف طويل، فم مُحمرّ، بشرة بيضاء وشعر أشقر حريري، ابتسامة هادئة تظهر على وجهي، دائماً تمتزج الثروة بالجمال.

سرّحتُ شعري وأنا لا أزال واقفاً أمام المرآة، غيرتُ ملابسي، قربتُ شفاهي من المرآة وقبلتُ نفسي، مررتُ يدي على شعري مزهواً وابتسامة مغرورة تعلو وجهي، ثم خرجتُ أتمشى لشراء بعض الطعام... لم أشعر بنفسي إلا وأنا في أحضان الأرض ووجهي ملتصق بها تماما! رفعتُ رأسي بسرعة من على الأرض لأرى من السافل الذي فعل بي هذا، فرأيتُ طفلاً بملابس رثة وشعر أشعث مُغطى بالوحل، كان نائماً على الأرض، تلون وجهي بلون الدم وقمتُ أركل الطفل بكل قوتي، قلت له: هكذا تُعامل أسيادك أيها القذر! ألم تجد مكاناً تنام فيه غير الشارع؟ أتمنى أن يكسر الفقر ظهرك.

تركتُ الطفل ملقى على الأرض وهو مُغمى عليه والكدمات تُغطي وجهه، نثرتُ الغبار من على ملابسي وما زلتُ أشتم هذا الطفل الأحمق، الفقراء كالحشرات التي تُقبّح وجه الكوكب الأرضي، حثالة المجتمع وأحقر مخلوقاته، تدور الدنيا ونُجبر على الالتقاء يوماً بأحد أولئك.

تنهدتُ رافعاً حاجبيَّ مستنكراً واتجهتُ إلى منزلي لأنال قسطاً من الراحة، استلقيتُ على الأريكة الوثيرة، بعد وهلة تسللت لأنفي رائحة احتراق، قمتُ من مكاني بسرعة، تتبعتُ الرائحة فوصلتُ إلى الحمّام، وهنا قابلت الفاجعة! المروحة تشتعل كالجمر المتقد! ثم ما لبثت أن نقلت حرها إلى الحمّام كُله، ثم إلى المنزل أجمع، صرختُ وأطلقتُ ساقيَّ للريح، لعلي أنجو بحياتي. داهمتني دمعة مخاتلة وأنا أجمع العلب البلاستيكية! 



أضف تعليق