العدد 5347 بتاريخ 27-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... تراتيل امرأة

إبراهيم الرامي - قاص مغربي

كعادة الصباح: يأتي جميلاً ثم ما يلْبث أن يتّسخ بفعل ساكنيه فيغيب مُنزعجاً غياب الحنون العائد بعد يوم إلا قليلاً..."إسلام" فتاة لم تكن مثل باقي أهل الصباح، إنها العطر الذي يسكن الليل، والبوح الذي يلازمه الصمت، إنها المؤمنة بالغموض مفتاحاً لسراب العشق في دمها، فتؤمِّل في الليل أستاذاً شارحاً... تُغالب شوقها له فما إن تغيب الشمس حتى يخالج فكرها سؤال عِشق الوُجود وَوُجود العشق.

فكيف تغيب حقيقة هذا المعطى الرباني بين الناس؟ سؤال يتردد صداه في جنبات قلبها...
ذات ليل غلبت "إسلام" بوْحَها واختلت؛ فسكنت وجْدها، وفتحت نافذة غرفتها الصغيرة، فتناجت والقمرَ في سكون الليل الحنون؛ مقصد أهل البحر؛ ومُستنجد الغارقين في قاموس الورد المنبعِث من جوانبه مسْك الغرام.

تسبّح باسم ربها... وتسائل رفيقها ـ القمرـ عن سر الوجود، وعن خفقان القلب الهائم في سراب العواطف، تنظر إلى القمر من نافذتها فتراه صورة منعكسة من عليائه في انحطاط البحر الأزرق، تحرك الريح وجنتيه؛ فيغدو صورة دون إحساس... تعاود النظر في عليائه؛ فتراه باسماً شامخاً مبتسماً إليها، عرفت أنه أجابها عن سؤالها الذي سألته في صمت وَجْدها فالصمت أبلغ الكلام وكلما زاد؛ زاد الإحساس تفجراً...
وضعت يديْها على خدها وعادت إلى سرها تفكر في لغة القمر الذي اختفى بين ثنايا الغياب أثناء زف السحابة البيضاء للنجم الوضاء.
ذهب هو الآخر فلماذا؟ تقول...

أغلقت نافذتها؛ وانغمست في كيان جمالها؛ تنتشي من عبقه جرعات أمل لمستقبل تراه في مرايا الغيوب وضاءً، مهاجرة إليه تستضيء بقبس من نور سر الوجود المسجّى في فؤاد الفطرةِ الخالدةِ التي ستبقى نِبْراساً لمن أرادت النجاة من تذبذبات العواطف الشاحبة، والدخولَ إلى عواطف ملأى بالحنان والسعادة...

تُناجي سِرها في سكون الليل البهيج، ونوم الخلق على وقع هدير الحمامٍ منطوٍ تحت سرابيل تقيه ماء المطر الخفيف؛ ورقص أوراق الأشجار على وتر النسيم وناي الخرير، هي الطبيعة في انعكاس مجرى المتناقضات؛ من كآبة وتعاسة البشر إلى تسامح وسعادة الطبيعة، كمال في النقص ونقص في الكمال؟

مفارقة مزعجة محيرة... ما معنى ذلك؟... يغشاها النوم...
هي أفكار قُرب محطة فِراق الروح والجسد؛ حتى يتزوّد كلٌّ على حدِّه، خفّت مآقيها؛ هدأت رموشها؛ سكنت نعومة حركاتها، ارتفعت الروح عاليا؛ امتطت جواد نجم ربيعي؛ يلمع برقا ناعما في خُفْيَته، لا يُرَى للناظرين، هو من عالم الروح المزرْكَش باللاوُجود، يحيا به القلب، يرتوي منه السماحة؛ ويقتات نورا لا يغور ضوؤه.
هي أسئلة عاشقةٍ تحيا في أفق الانتظار؛ تُرتّل حرفها بلسماً للألم المرابط في وعينا.



أضف تعليق



التعليقات 4
زائر 1 | 7:22 م نص جميل موغل في الشعرية... و لوحة منحوتة بالكلمات الرقيقة...لكن النفحة القصصية شبه غائبة...موفق رد على تعليق
زائر 2 | 10:12 ص نص عميق ..يحكي عن عمق وعي المرأة وهي ترتل حروفها.. بشاعرية فلسفية جميلة
زائر 3 | 11:10 ص نص جميل ورائع واسلوب سلس وجمل متناسقة وافكار متسلسة
تستحق التنويه والدعاء بالتوفيق .والاستمرار في الابداع .والمناقسة مع الافحاح . رد على تعليق
زائر 4 | 1:31 م جميييل هذا النص ...قصة عميقة تحكي بقلم عن واقع فكري مؤلم رد على تعليق