قصة قصيرة... الطيور تهاجر باكرا
تقي الدين بن دردوخ - قاص جزائري
كنت أهمُّ في الخروج مسرعاً ومتأخراً عن العمل كما اعتدت أن أفعل دائماً، وأنا استعيد صوت مديري وهو يعاتبني على تأخري المتكرر، وتهديده المتواصل لي بطردي من منصبي الذي كنت أمقته ولم اعد أجد راحتي فيه، ولسان حالي يقول: هيا اطردني وخلصني، كنت قد وددت تحضير كوب قهوة واحتسائه واقفاً وأنا أشاهد بعض الأخبار المحزنة كالعادة كلها تبدأ بـ: مقتل... تفجير... انهيار... إصابة وغيرها من الأنباء التي تسد انبعاث الحياة إلى قلبي، أقرر كل ليلة أن لا أشاهدها لكني كل صباح أستيقظ بفضول فائض يأخذني إلى الريموت، لكن نفد مني البن المطحون لم اشتر منه البارحة فقد كنت عند باب المحل حين التقيت صديقي رضوان وقد تكلمنا كثيراً حتى على طفولتنا، تحدثنا طويلاً عن جلال صديقي الذي توفي ونحن في السنة الرابعة ابتدائي، جلال الذي كان مصاباً بمرض في قلبه ولفقر عائلة فقد تكفلت الدولة الجزائرية بمصاريف نقله إلى بلجيكا للعلاج، في إطار منحة علاجية لمساعدة مرضى القلب وخصوصاً الأطفال، وقد تم نقله وعلاجه وبدت عليه بوادر الشفاء ولم يتبق سوى القيام بفحوصات دورية للتأكد من شفائه كلياً، لكن استمر الإهمال من طرف عائلته واكتفوا بمشاهدته يموت ببطء فقد زاره المرض وأطال المكوث حتى قضى عليه وسلمه إلى قبره بشفاه بنية منتفخة وبشرة أبرحها المرض ضرباً حتى مال لونها إلى البنفسجي رحمك لله يا جلال .
كنت واقفاً أنظر إلى المرآة أتفحص عيني اليمنى فقد رأيت فيها حمرة غير عادية عندما كنت أغسل وجهي بينما رن هاتفي وهذا شيء لم أعهده أوجست منه خيفة. رقم جديد لا أعلم لمن تساءلت في نفسي ترى من يكون؟
سحبت الأيقونة التي تشبه شكل الهاتف الكلاسيكي نحو الدائرة الخضراء لأرد على الاتصال ووضعت الهاتف بين أذني وكتفي لأحكم إمساكه لأني كنت أمسح يدي بمنشفة الحمَّام .
- ألو نعم من معي؟
- سيد حسن معك مستشفى المدينة الجديد. يؤسفني جداً إخبارك أن أبويك قد توفيا في حادث تاكسي هذا الصباح. أنا آسف... رحمهما الله.
وقع الهاتف ووقعت على الأرض هل هذا حقيقي يا إلهي هل أنا أحلم وضعت رأسي بين ركبتي وتذكرت أني لم أعانقهما لم أستيقظ لأودعهما لم يريدا إيقاظي لم أرهما يغادران المنزل وقفت أطلقت زفيراً بدموع تجرعت طعمها انتفخت وجنتاي احمرت عيناي مشيت تائهاً جلست منهاراً في مكاني لقد رحلا دون رجعة وأنا أقفل الخط سمعت المتصل يقول بصوت حزين لقد مات جميع من كان في التاكسي.