العدد 5344 بتاريخ 24-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... امرأة بلا قيد

نور جاسم البخيت - قاصة عراقية

اقتحمت عليه مكتبه في الشركة؛ حيث كان يُغازل صبية حسناء. اقتربت منه... وبكل قوة انبعثت من قلبها المفجوع بخيانته. هوت يدها الغاضبة كيَدِ عاملٍ في منجم فحم... على وجهه المدلل الذي لم يخض نزالات الحياة القاسية أبداً.

حدّق فيها باستهجان، فرفعت أنفها بشمم وقالت: "تستحقها يا مُخادع. قلبي ليس عجينة بيديك"!

خرجت من المكتب وسط ذهول كل من رأى أو سمع قرقعة الصّفعة على خد نائب مدير الشركة. الآن هي تشعر بالرضا... إنّ شعور الانتقام من الظالم لذيذ، وكأنّ ماءً بارداً قد أطفأ نيران قلبها المحترق.

ركبت سيارة أجرة يقودها رجل خمسيني ذو نفسٍ خضراء. حرّك المرآة ليستطيع رؤية وجهها بالكامل، والتقت عيناه الوقحة بعينيها الغاضبة، فغمزها... لا تريد أن تصبر وتُفوّت. صرخت بصوت حاد: "توقاااااااف".
توقف مذعوراً.

وبسرعة أخذت تضربه بحقيبتها الجلدية، ضربات متتالية وموجعة، وهي تلعن سوء أخلاقه.

خرجت من السيارة وطرقت الباب بقوة، ثمّ قالت: "أيها العجوز الوقح المتصابي النجس. أليس لديك أخوات أو بنات يركبن سيارات أجرة؟! اذهب عليك لعنة الله. لن أدفع لك قرشاً واحداً. وإذا فتحت فمك سأصرخ وأجمع الناس حولك وأفضحك".

وبمجرد أن أنهت تهديدها... كان السائق قد ولّى أدباره هارباً من هذه المجنونة، كما وصفها.

دخلت البيت، فوجدت أخاها الجامعي قد ملأ المطبخ بالصحون والأكواب المتسخة، المكان يعوم بالأوساخ والفوضى... الطعام ليس بالثلاجة وقنينة المشروب الغازي مفتوحة، وهناك شيء دبق على الأرض.

أحسّت بالدم يغلي في جسمها كله، من أعطى أخيها الحق بأن يعاملها كخادمة بلا راتب. ليس ذنبها أنّ والدتهم توّفيت منذ سنين، تاركة إيّاها في منصب ربة الدار عن غير رغبة منها... تطبخ وتكنس وتغسل وتكوي... دون أن يمد لها أحد يد العون.

ذهبت إلى غرفته... فتحت الباب دون استئذان... نظرت له في تحدّ مخيف، وقالت: "ستذهب الآن وتنظف المطبخ وتعيد كل شيء في مكانه، وإلا سأحرق كل كتبك"!

لم يستوعب عقله ما تقوله أخته التي تكبره بثماني سنوات. خاف من جسارتها المفاجئة عليه، فوجد نفسه يقول: "حسنٌ".
في المساء... رنّ جرس الباب. فتحت الباب فوجدت وجهاً كريهاً تعرفه. إنّه جارهم أبو تحسين، وهو يدّعي الآن أنهم يرمون أكياس قمامتهم عند مدخل العمارة، ويطالبهم بدفع غرامة بصفته مسئول لجنة البناية.

قالت باختصار: "لم نرمِ شيئاً".

لكن، كأنه لم يسمعها. بدأ يزمجر مُهدّداً ومتوعّداً... عضّتْ على شفتها السفلى في غيظ. ثمّ صرختْ وعيونها تجحظ من الغضب: "أيها الجار النتن الحقير. تأتي لتتهمنا برمي القمامة، وأنت تعلم جيداً أننا لسنا من يفعل ذلك. إنّ كل العمارة تعلم من الفاعل. لكنك تخاف من الذهاب إليه ومعاتبته لأنه مدعوم، فقلت لنفسك آتي لهؤلاء الأيتام لأن ليس لديهم من يسندهم. اسمع إن عُدْتَ واتهمتنا بتهمك الباطلة هذه، فأقسم بالله العظيم أنني سأؤذيك. وأول شيء سأفعله، هو إخباري لزوجتك بسرّك العفن كوجهك... سأخبرها مع من رأيتك جالساً في المطعم ذلك اليوم، أيها الخائن الكريه المتسلط ...".

تراااااام. أغلقت الباب بقوة في وجهه، وهي تقول بصوت عالٍ: "أوباش".
اقتربت منها أختها الصغيرة ذات العشرة أعوام في خوف، وقالت: "اليوم هو عيد الأم. تفضلي يا أختي هذه الوردة، فليس لي ماما غيرك".
نظرت بحنان إلى أختها المسكينة. تناولت منها الوردة وأخذت منها شمّة عميقة... فتحت كل مسام روحها الثائرة.
احتضنت أختها وقالت لها بصوت أم رحيمة: "شكراً يا حبيبتي. أولاً...على الوردة. وثانياً على الإحساس الجميل -الوحيد- في هذا اليوم".

 



أضف تعليق



التعليقات 2
زائر 1 | 1:57 ص جميلة القصه ، الاسلوب سهل و السرد مرتب و النهاية حلوه، هي تختصر الحياة مهما واجهتنا صعوبات فأن الله يرسل لنا اشارات جميله تنسينا او تخفف عنا المعاناة. شكرا لك رد على تعليق
زائر 2 | 11:28 ص الله يعينج خخخخخ رد على تعليق