"رسالة مواطن"... لماذا يرفض البعض القبول بمميزات "القطاع الخاص" رغم تخمة العروض المقدمة بسوق العمل؟
(كان) الحصول على وظيفة في وزارات ومؤسسات الحكومة، مقارنة بالقطاع الخاص، سهلاً ويسيراً ولا يتطلب غير مسألة حظ أو واسطة من الوزن الخفيف، حيث إن كثيراً ممن التحق بالعمل في وزارة حكومية لم يواجه متطلبات كثيرة من قبيل الخبرة والشهادات والمهارات وغيرها، بل إن المقابلة الشخصية (إن وجدت) لم تكن تستدعي قلقاً أو خوفاً من نتيجتها، فهي غالباً تكون "تحصيل حاصل" لا تستغرق أكثر من نصف ساعة ممتلئة بالابتسامات والتعليقات المرحة! حيث كانت فرص إجراءات التوظيف ليست ذا بال.
وفوق كل ذلك فإن للوظيفة الحكومية مميزاتها التي لا تخفى على أحد: منها - على سبيل المثال لا الحصر - الاستقرار الوظيفي، الراتب قد يكون أعلى، العلاوات السنوية ثابتة، العطل أكثر والإجازات أفضل وشروط التقاعد أحسن، إلى جانب تعدّد المدراء والمشرفين (بحيث لا يتحكّم في مصيرك فرد واحد) وهي ميزة غاية في الأهمية لمن ذاق عذاب مديري القطاع الخاص!
كل ذلك يجعل صديقاً لي يستميت للحصول على عمل في أية وزارة وفي أية وظيفة، حتى أنه لم يترك مسئولاً ولا نائباً ولا فرّاشا إلاّ توسله أو كتب له أو زاره ليتوسط له في أية وزارة.
هذا الصديق يحاول أن يحصل على حلمه ذاك، على رغم مرور ثلاث سنوات من بقائه حلس داره! فهو لا يقبل وظيفة في القطاع الخاص ما لم تكن بمميزات الوظيفة الحكومية نفسها إن لم تكن أفضل وأهمها أن يكون الدوام والوقت مثل دوام الوزارات!
قد تلوم هذا الصديق وتوبّخه على هذا السلوك، ولكنك إذا قارنت بين ما يريد وما قد يلاقي في القطاع الخاص فإنك ربما تعذره... إنّ أمثالنا ممَن تنقّل على مدى سنوات في وظائف القطاع الخاص يعرف أية غيبوبة! ومعاناة وقهر قد تمرّ به... سواء في الدوام الذي يمتد في بعض الشركات حتى السادسة أو الثامنة مساءً، أو الراتب الذي يتحرّك أبطأ من سلحفاة كسولة! او المسئول الفرد الذي يقرّر متى يعطي؟ ومتى يمنع بحسب مزاجه وأهوائه وميوله أو قوانين الاجازات وغيرها...
المفارقة أننا في كل فترة نجد أن الاهتمام والتركيز ينصب على "ترفيه" وزيادة امتيازات موظفي القطاع العام، وفي الوقت نفسه ترى وزارة العمل تحثّ الباحثين عن عمل على "اغتنام" فرص ما يعرضه القطاع الخاص من وظائف، وهي برواتب لم يعد يرضى بها الأجنبي.
صديقي ذاك يقول، فضلاً عن خسارة جميع تلك الامتيازات، فانه إذا عمل في القطاع الخاص فإن مجموع ما (سيعيشه) من أيام وفراغ فعلاً ويستمتع فيه - إذا أخذنا في الاعتبار أن دوام الوظيفة يمتد حتى الخامسة بما فيه يوم السبت! - سيكون أقل من نصف ما يعيشه موظف الحكومة من أيام وساعات فراغ، وهو لا يريد أن يمضي عمرهُ هباءً منثوراً! ربما كان على حق!
جابر علي