العدد 5342 بتاريخ 22-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... ضمَّتْه وبكت

أحمد علي سويلم - قاص مصري

يدها ترتجف، عيناها زائغتان، تمسك بالزجاجة بعض لحظات ثم تضعها على المنضدة مرة أخرى، تسيل الدموع من عينيها بين الفينة والأخرى، تنظر للطفل النائم بجوارها فتبتعد عن الزجاجة، ولكن ما تفتأ أن تقترب منها مرة أخرى .

لم تعد تستطيع الاستمرار في هذه الحياة، هذا لا يطاق، طفلان أحدهما في الثالثة طوال النهار والليل إما طعام أو تغيير ملابس أو صراخ أو عبث بمحتويات البيت، ولا ترتاح منه إلا عند نومه، والأخرى التي في السادسة على رغم أنها تساعدها بعض الشيء في البيت إلا أنها لا تكف عن العناد والمشاكسة، بالإضافة لأعمال البيت من طبخ وكنس وغسيل ملابس وأوانٍ، وأما المدرسة فهذا العذاب الأكبر، فالطريق والمواصلات بل المدرسون أيضاً أضحوا ذئاباً لا تكف عن التحرش اللفظي بل والجسدي بأي أنثي صغيرة كانت أو كبيرة .

لا... لا... لا يمكن أن يستمر هذا، تذكرت والدها شديد الطيبة الذي يمكن أن تنهار حياته بموتها، وماذا عن الطفلين، وضعت الزجاجة مرة أخرى، لقد شكت إلى صديقتها كثيراً من كل هذه المشاكل والمتاعب، صبّرتها، وقالت: أنت أفضل حالاً مني، على الأقل البيت لكِ تفعلين ما تشائين فيه، أما انا فبليت بامرأة أبي تذيقني صنوف الكيد والكراهية، أنت يا منى ستكونين أماً عظيمة، بعد هذا العناء مؤكد سيأتي الفرج، تنهدت ثم تمتمت بدون شعور: سمر أنت لا تعرفين شيئاً عن المسئولية، نعم امرأة أبيك شريرة سليطة اللسان تكره نفسها أكثر من كرهها للناس، ولكنها لا تكلفك بأي عمل، أنت مثل الأميرة في البيت، أما أنا فلا أكاد اجد وقتاً كافياً للنوم، عمل طوال اليوم، ويذهب يوم ويأتي آخر ولا يتغير شيء، لا يوجد يوم واحد للراحة، أنا ما زلت في الحادية عشر ولا أستطيع ان أتحمل كل هذا .

أمسكت بزجاجة السم وفتحتها، قالت: سامحني يا أبي، سامحني يا علاء الصغير، وأنت يا سلوى الجميلة سيكون الدور عليك لتتولي المسئولية، سامحوني أنا لم أعد أستطيع تحمل هذا، قرّبت فم الزجاجة من فمها عندها سمعت صوت أخيها علاء الصغير وهو يمسك بأطراف قدميها يناديها: ماما... ماما، لم يعرف غيرها أماً له، ماتت الأم وهي تلده، أبعدت الزجاجة من فمها ونظرت إلى عينيه، ثم قذفت الزجاجة في الحائط فتحطمت بصوت مزعج، ضمته لصدرها وأطلقت نهر الدموع المحتبس في عينيها.

 



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 2:00 ص ألمتني فعلا
الحياة مشقى وتعب رد على تعليق