العدد 5339 بتاريخ 19-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الوصية

تامر كامل حسين - قاص مصري

لابد أنه سيفعلها مرة أخرى إننا على هذا المنوال منذ أكثر من عام، من حين لآخر يجمعنا كتلك الليلة ليلقى علينا تعليماته الأخيرة لقد مللت تلك القصة، لماذا لم يمت سريعاً ويريحنا جميعاً ويوفر علينا ذلك العناء. إنه لم يكن ذلك الرجل الذي يخشى على أولاد أخيه من الأيام، لماذا يفعل الآن كل هذا، أهو إحساس بالذنب لعدم اهتمامه بنا منذ أن مات والدي؟ أهكذا يستيقظ ضميره عند اقتراب سكرات الموت؟

إني لا أجد أمامي غير تلبية طلبه علّها تكون الليلة الأخيرة، أجد الأمر مملّاً عادة في تلك الأجواء الكل يلتفون حوله بعضهم يبكي وآخرون يتهامسون جنباً عما سيحدث بعد رحيله وما حال كل تلك التركة؟ أستطيع أن اسمعهم الآن بوضوح، هل سيعطى زوجتي النصيب الأكبر من التركة؟

ثم يجيب نفسه قائلاً: ولم لا فهي منذ أن أتت إلى هنا لم تكف عن الصراخ والعويل، هنا يقاطعه الآخر بل سيعطى زوجتي إنها هي من تحملته الأيام الماضية لابد أنه سيكافئها على ذلك وسأشاركها تلك الجائزة الكبرى، وعلى الجانب الآخر سيدتان إحداهما تقول للأخرى لقد اشتقت إلى تلك اللحظة التي تصعد فيها روحة إلى خالقها ويستطيع زوجي أن يأخذ نصيبه من التركة ونودع تلك الحياة البائسة التي فرضها علينا ببخله الشديد، فتجيبها الأخرى لقد صبرنا كثيراً ولن يضيّع الله تعبنا هباءً، لقد سئمت كل تلك المشاهد المنافقة ولكن ما وضعي أنا هنا؟ لِمَ يصر كل مرةٍ على استدعائي أنا بالذات، فهو لم يكن ليسأل عنى وعن والدي أخيه الذي توفاه الله دون أن يسأل هو عنه أو يساعده بالمال، على رغم علمه باحتياجنا الشديد له وللمال في ذلك الوقت.

إنه حتى لم يحضر عزاء أخيه، إنها ذكريات مؤلمة حقاً عندما أتذكرها يزداد بغضي وكرهي له وأشعر برغبة شديدة في أن أنقضّ عليه وأنزع عنه ذلك الجهاز اللعين الذي يبقيه على قيد الحياة إلى الآن. ولكنى لا أعلم لماذا ألبّى له طلبه؟

علّني استجبت له لرغبتي الشديدة أن أشاهده خاضعاً للمرض مثلما ترك والدي للمرض يفتك به دون رحمة منه وهو بيده المساعدة، أو علّني قد أتيت إلى هنا لعلّه يتذكّرني أنا الآخر بجزء من التركة، هنا ارتسمت على وجهي ابتسامة خبيثة فأنا الآن لا أختلف كثيراً عن كل الحضور فجميعنا نرجو أن نراه يتألم ليذوق مرارة الأيام التي قد رأيناها على يديه من قبل، كما أننا نريد ثروته التي منعنا إياها كل تلك السنوات الماضية وطال انتظارنا لها.

دقائق قليلة وصعدت الروح إلى بارئها وعلَت التكبيرات والزغاريد وبعد انتهاء مراسم العزاء توجهنا جميعاً إلى الأستاذ شريف المحامي ليقرأ على مسامعنا وصية عمى الأخيرة أخذ بيده ظرف مكتوب عليه بخط عريض "لا يفتح إلا بعد مماتي" وأخرج ما به وبدأ بالقراءة: "أعلم أنكم جميعاً فرحون بما حدث لي لأنكم ستحصلون على ما ظللتم تتمنوّنه بعد موتي، كما أعلم أنني كنت بخيلاً جداً ولم أساعد أحداً منكم في حياتي. لعلّكم الآن تتساءلون عن التركة؟ إني لأنعى حظي لأنني لم أرَ تلك اللحظة التي كنت دائماً معتاداً على رؤيتها في أعينكم حينما تأتون لتسألوني وأتلذذ بذلك وأنا أشاهد الدموع في أعينكم دون فائدة، أما بخصوص التركة التي دائماً ما ظللتم تجرون وراءها فقد تبرّعت بها كلها إلى إحدى الجمعيات الخيرية قبل مماتي... والى اللقاء في عمليات أخرى".



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 12:20 م شكرا للجريدة لنشر مشاركتى وبالتوفيق للجميع رد على تعليق