من ربوع الجزيرة التاريخية
القطان يصف النبيه صالح بـ"الجنة" ويقترح إعادة إحياء عين السفاحية والاستفادة منها
النبيه صالح – أحمد مرهون
عرفها العالم بأنها بلد المليون نخلة وموطن أجود أنواع اللؤلؤ، فيما أحبها أهلها لعيونها الطبيعية وينابيعها الفياضة التي باتت مضرب المثل بعذوبة مائها ونقاوته، إنها البحرين صاحبةُ العيون التاريخية المتدفقة خيراً وعطاءاً منذ قديم الأزل، إلى أن جاء التطور الحضاري والعمراني ليطمس تلك المعالم ويُخلّف وراءه آثاراً يقف المُحب عليها ليتذكر أياماً مضت، ويتحسف على إرثٍ ذهب.
جزيرة النبيه صالح، إحدى قرى البحرين التي أشتهرت بعيونها العذبة، والتي لم يرحمها الزمان حتى قضى على كُل عيونها وهي: عين السفاحية، عين الخضرة، عين الصغيرة، بالإضافة إلى كواكبها -وهي نبعٌ من الماء أصغر من العين- وأبرزها: كوكب الشيخ، كوكب ناصر، كوكب الفراح، كوكب الحلة، كوكب العرائس، كوكب السايس.
وتشكل العيون والكواكب والآبار مصدر الحياة لأهالي النبيه صالح، فقد كانت جداول المياه تمر على البيوت والمنازل لينتفع منها الأهالي في أعمالهم اليومية، كما تسقى الحدائق والبساتين، إلا أن نقص المياه الجوفية والملوحة الشديدة من مياه البحر التي تداخلت مع المياه العذبة، جعلت العيون تتلاشى نهائياً لينهار معها الغطاء الزراعي.
وفي هذا الصدد، ألتقت "الوسط" مع الحاج عباس القطان أحد رجال النبيه صالح الذين عاصروا فترة العيون العذبة في الجزيرة الذي وصفها بـ"الجنة"، متحدثاً عن الحياة بين الماضي في ظل تواجد العيون والحاضر مع اندثارها، قائلاً: "الجزيرة في الماضي كانت جنة، فكل ما تريده من الثمار كان موجوداً (المانغو، الببايا، الرمان، اللوز، التين، القرع وغيرها)، وهذا ليس غريباً فالجزيرة كانت عبارة عن أرضٍ خضراء يحيطها الماء من كل الجهات، فمن الطبيعي أن تنمو تلك الثمار وأكثر، لكن مع جفاف العيون والكواكب بدأت البساتين والأشجار بالموت".
ويستذكر الحاج القطان ذكرياته في ربوع الجزيرة التي عاش بين عيونها الطبيعية سيما عين السفاحية ذات الشهرة الكبيرة بالقول: "أنا شخصياً عشت فترة قوة عين السفاحية، لدرجة إن طفل عمره 10 أو 15 سنة لا يستطيع الوصول إلى قاع العين، وإذا حاول ذلك تراه يطفح بسرعة من قوة دفع الماء، الوحيد من كان يستطيع ذلك هم الكبار أصحاب النفس الطويل. حتى إن السياح كانوا يأتون بكثرة إن العين ويقيمون حوالي أسبوع أو عشر أيام في المنطقة، بالإضافة إلى حضور أهل المنامة والمحرق والحد والبديع.
وتُعد "عين السفاحية" أهم عيون الجزيرة وأكثرها تفقداً، وأُطلق عليها ذلك الإسم نتيجة سفحها القوي للماء، فقد كانت تسقى معظم المزارع حتى يفيض العذب منها، ويقصدها المواطنين والسياح من مختلف البلدان للتمتع بحُسن العين وجمالها، حتى ستينات القرن الماضي عندما بدأ تدفق المياه ينخفض تدريجياً لتجف تماماً في العام 1987، ولتضمحل باقي العيون والكواكب بعد فترةٍ قصيرةٍ منذ ذلك، كان آخرها "كوكب الشيخ" الذي ردمته البلدية بعد جفافه في أغسطس/ آب 2001.
وعن أسباب جفاف العيون والكواكب من الجزيرة يقول القطان: "قلة الماء من العيون بدأ مع عين السفاحية بداية الستينات أثناء فترة وضع القواعد الأساسية لميناء سلمان، ففي عمليات الحفر التي جرت البحر تقطعت عروق المياه الجوفية التي كانت تصل إلى عين السفاحية وباقي العيون، ولذلك كانت الجزيرة أول القرى المتؤثرة ثم جزيرة سترة والعكر، واستمر في ذلك لمدة عشرين سنة تقريباً حتى جفت عين السفاحية ثم باقي العيون والكواكب".
وقدم الحاج عباس القطان اقتراحاً لإعادة إحياء عين السفاحية والانتفاع منها بدلاً من صورتها الحالية، وهذا ما سيجعل الدولة تستفيد من ناحية فرض ضربية على الدخول إلى العين كما هو الحال في عين عذاري وعين أم شعوم، كما إن الأهالي سيما الكبار في السن والمتقاعدين سيتجمعون فيها لإعادة ذكرياتهم القديمة.