العدد 5335 بتاريخ 15-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الخيار

عبدالحكيم هرواشي - قاص مغربي

مثلما لزمتهم مرارة الأيَّام وفواجع الزَّمَن، لزما البيت المبعثر طوال النَّهار. كانا يجلسان وينتظران المساء بقلق صلد، وفي أذهانهم متاعب جسيمة من فرط اليأس الرّتيب المُكَوَّم داخلهم. المكان رهيب، فوضويّ، مفلج، ويَئِنّ تحت وقع فقرهم المدقع.

وكان الوقت لَيْلًا، وعلى ضوء قنديل خافت، خرجت الزَّوْجة من خدرها العنيف، ثم راحت تدخل بكومة الملابس المتّسخة إلى الحمَّام لتغسلها مستعجلةً العودة إلى كرسيّها الصَّبور على ثقل جسدها، بينما كان الزَّوْج قد استيقظ من غفوته القصيرة. حينئذ، تَنَهَّدَ بمرارة دون أن تفارق عيناه الهاتف وهو يقرأ رسالة صديقه ناصر: "أسف يا صديقي. رفض المدير عودتك للعمل. لقد حاولت إقناعه بكل الوسائل، لكنه رفض. أسف".

وفي تلك اللحظة أَحَسَّ بعظامه مفسوخة جراء الخبر. أَحَسَّ بغُصَّة في حلقه، وبأنّ أضواء الأمل قد انطفأت بداخله. تساءل بينه وبين نفسه وهو يراقب زوجته؛ لماذا الحياة هكذا؟ ولماذا اختارني القدر لأعيش مُهمَّشًا وأحمل ثقل زوجة طيبة وبريئة مما لا أصنعه؟ وعندما استراح من ازدرائه نفسَه، وحياته، تبيَّنَ قسمات زوجته، وهتف في قرارة نفسه: "هذه هي الزَّوْجة الصالحة، وهذه هي النّعمة والغنى الَّذي أريده دون انقضاء".

وكان من الصعب عليه إخبارها بأمر الرسالة، لكن لم يجد أمامه خياراً آخر سوى الصَّراحة، لئلا يخسرها، ولئلا ينكث عهد (السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) الَّذي قطعه حين عرفها أول مرة.
ورغمًا عنه، وبصوت متحشرج ومبحوح، قال لها:
-  لقد رفض ..
سألته الزَّوْجة، وقد ارتسم على وجهها حزن مألوف :
-  ماذا!؟
وكرر الزَّوْج قوله: "لقد رفض"! أردف قوله: "لقد رفض المدير عودتي للعمل. هذا ما أخبرني إياه ناصر منذ قليل".
وظّن الزَّوْج أن الدّموع من عينيها ستنهمر بمجرد سماعها الخبر، لذا عرض عليها الخروج للتجَوّل: "الخير في ما اختاره الله. انس الأمر، وتعالي لنتجَوّل خارجاً، كالأيَّام الخوالي".
وكان يحاول الخروج من ارتباكه أمام زوجته، وحرص بالفعل على ذلك حين رفضت بحجة الاهتمام بأمور المنزل، فقالت له بقوة: "إن الله كريم ورحيم، لذا لا تقنط من رحمته تعالى. اذهب لتتجَوّل في أرجاء المدينة كي تنفض عنك غبار القنوط الَّذي يملؤك، وعد قبل التاسعة لنتناول العشاء معاً، فإني أريد النوم باكرًا اليوم" .
"حسنا، بالطبع، سأعود قبل التاسعة". فخرج من الشّقة، وعند مدخل العمارة، أسفل منزله المتواجد في الطابق الرابع، ترك رسالته الخاصة، في الصندوق رقم 14، علبة الرسائل الخّاصة بشقته، ورحل.
"عزيزتي الغالية.
فيما كنت أنتظر اتصال ناصر، أو رسالته، كتبت لك هذه الرسالة الَّتي اشترطت على نفسي تركها في علبة الرسائل والرحيل إذا لم أستطع الخروج من هذه المحنة القاسية، التي نجحت، في الظَّاهر والخفاء، في أن ترسل سعادتنا إلى منفاها القسريّ، فقررت، دون أن مشاورتك، الذهاب بعيداً، بكل التنازلات الممكنة، إلى أقاصي الدنيا، لأكوّن لنا حياة جديدة، حياة سعيدة، لطالما كانت همنا الكبير، ومبتغانا الجليل. ولا يخفى عليك، يا عزيزتي، أنه كلما أردنا التّقدم خَطْوةً إلى الأمام، وجدنا أنفسنا في الوراء مبتعدين بعشر خطوات عن نقطة بدايتنا، وهكذا دواليك، إلى أن صرت محض إنسان فاشل، وصرت، أنت، زوجة رجل فاشل.
ولا عذر لي. لا عذر ممكن لرحيلي وغيابي. بسبب هذا أطلب مغفرتك، كما أطلب انتظارك لعودتي بإذن الله،
فلن أغيب أكثر مما حضرت. وحاولي، طوال غيابي، ترشيد نفقة الدراهم التي تركتها لك في مكاننا السري.
حبيبك المخلص، الأبدي". 



أضف تعليق



التعليقات 4
زائر 1 | 10:48 م استغراق في استعراض "معارف لغوية" القصة لم تستهويني كالقصص السابقة. رد على تعليق
زائر 2 | 10:49 م استغراق في استعراض "معارف لغوية" القصة لم تستهويني كالقصص السابقة. رد على تعليق
زائر 4 | 5:18 م ليس هناك أي استعراض لغوي...لغة سليمة سلسة لكن قد أوافق من يرى أن النص يخلو من قضية سردية تخلق أفق انتظار...موفق أخي رد على تعليق
زائر 5 | 1:45 م خلقت الجدل لأنها فعلا في المستوى..أحييك أخي وبالتوفيق رد على تعليق