(رسالة مواطن)... قيم المسجد ماله وما عليه وكيف تتصرف كمصلي معه هل باحترام أم بتوهين؟
تنتابك الفرحة ويدخل قلبك السرور والشعور براحة نفسية وطمأنينة وروحانية حينما تدخل أحد المساجد، حتى أنك تقصده مرة ومرات، ليس فقط لجمال معماريته وهندسته وروعة هيكليته وبنائه؛ وإنما لنظافة المسجد وطهارته ونظافة مرافقه ودورات مياهه وفرشه وترتيبه وجماله... والأجمل ما فيه "القيم" أو الموظّف المعيّن على تهيئته وتجهيزه الجميل في ملبسه "إن الله جميل يحب الجمال"، والذي يستقبلك بابتسامته المعهودة، وصبره اللامحدود وكنزه "قلبه الأبيض" على حجج وتذمرات المأمومين اليومية.
لكن في المقابل تدخل مسجداً آخر وقد يكون أصغر من الآخر، فيدخلك الغبن وتأخذك الكآبة والحزن على بيت الله بسبب وساخة الفرش، وروائح المراحيض، وتسرّب المياه فيها من الحنفيات والأنابيب والتي تلاحقك إلى مصلى المأمومين، ويطاردك عبوس القيم وعصبيته المستمرة وسلوكه غير المحبب، ولباسه المتسخ، فتتساءل: لماذا هذا الإهمال والتقصير والسلوك والروائح في بيوت الله؟ فهذا القَيم يأخذ راتباً كما يأخذه ذاك القيّم، فما الفرق بينهما؟
لاشك أن هناك فرقاً، وفرقاً كبيراً بينهما في السلوك والأخلاق والاهتمام بصيانة ونظافة بيت الله اليومي، فالأول هدفه خدمة المأمومين والإخلاص لله والخوف من الله قبل الناس، والآخر هدفه استلام الراتب نهاية كل شهر، والإهمال وعدم رعاية ونظافة المسجد والتأخر في الحضور اليومي أو يكون قليل التواجد. وكذلك الأول ليس العمل من أجل الراتب فقط؛ بل العمل لله متمثلاً في تبكيره في الحضور للمسجد، وتجهيزه وتهيئته وصيانته للمأمومين كل يوم، وقبل حضور الناس للفريضة بساعة أو أكثر دون ملل ولا كلل، والصبر على حجج وشكاوى المأمومين، فهذا يشكو من برودة المسجد، وذاك يشكو من حرارته وضعف أجهزة تكييفه، إلا أنهم في النهاية يجدون ابتسامة ووجهاً منشرحاً، وصدقاً في القول، وصدقاً في الفعل، وقلباً عطوفاً خصوصاً مع إهانات المسنين والعجزة وصغار السن.
إخواني القراء قيّم المسجد اليوم كالمعلم بين طلابه، وكالطبيب بين مرضاه، فذاك يشكو من الضغط ومرض السكر، وذاك من الدسك وهشاشة العظام؛ ولكنه قادر على أن يمتص جميع آلام مرضاه فيعالجهم، ويصبر على حججهم الواهية، إهاناتهم اليومية وسوء الظن في بعضهم. هو كما قلت كالطبيب الذي يتقبل من مرضاه، فيكون لسانه كالعسل، ورده أو كلامه كالدواء أو الجرعة التي تدخل السرور في قلب المسن والكبير، فتقلب مزاجه وتهدّيء من سلوكه وتقرّ بها نفسه؛ لكن إخواني المأمومين وكما يقول المثل "إذا شفت صاحبك عسل لا تلحسه كله"، يعني إذا كان الشخص أو قَيم المسجد طيباً فلا تستغل طيبته وصبره، فتهينه كل يوم بكلمات نابية وحجج واهية؛ بل الاعتدال في الطلبات والحجج، وليس تكبير الأمور وتضخيمها، وجعل من الأمور البسيطة والتافهة حجة أو دبة أو شماعة تعلق عليها حججك الغير صحيحة، فهو ليس موظفاً عندك؛ بل لخدمة الناس ورعاية بيت الله وليس لتقبل الإهانات والبقاء في المسجد لأوقات متأخرة من النهار والليل.
أحد القيّمين ينقل لي سلوكيات بعض المأمومين كالتأخر المستمر في حضورهم للمسجد، وبعد انقضاء وقت الصلاة بساعة أو أكثر وبقائهم يتعبّدون فيه ساعة أخرى، دون مراعاةٍ للأصول ولا لظروف القًيّم الذي عليه مسئوليات مع أسرته، كجلب أبنائه من المدارس وما شابه ذلك، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل الدارج "إذا شفت صاحبك عسل لا تلحسه كله".
مهدي خليل