الخبير عماد المهنا: تقلّص الرقعة الزراعية وشح المياه أبرز معوقات الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون
الوسط - محمد باقر أوال
مازالت دول مجلس التعاون تعاني من انعدام الأمن الغذائي وذلك لعدة أسباب منها: تناقص الموارد اللازمة للإنتاج الزراعي وبالتالي قلة الإنتاج، الأستاذ المشارك في قسم هندسة النظم الزراعية، هندسة التحكم البيئي، جودة الهواء في كلية العلوم الزراعية والأغذية بالمملكة العربية السعودية عماد المهناء، قال في حوار مع «الوسط»، إن تناقص الرقعة الزراعية وشح المياه الصالحة للزراعة وارتفاع كلفتها إضافة للعوامل البيئية غير المناسبة كل ذلك يخلص إلى حقيقة ضرورة التفكير ببدائل وخيارات متعددة ابرزها التوجه والعمل المطلوب من القطاع الحكومي والخاص للتوسع في المشاريع الزراعية الاستثمارية. وكان هذا الحوار:
في ظل انعدام الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون، هل توجد إستراتيجية للتصنيع الغذائي؟
أصبح مصطلح الأمن الغذائي وبمفهومه الوارد في تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، هو توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة، وما يعنيه ضرورة ملحة في العالم اجمع ولدول الخليج العربي على الخصوص.
وبحقيقة قلة وتناقص الموارد اللازمة للإنتاج الزراعي وبالتالي قلة الإنتاج المتاح تبرز أهمية التوجه للتصنيع الغذائي كأداة لتحقيق جزء مهم من منظومة ورفع كفاءة توفير الغذاء يتحقق ذلك عبر إجراءات تهدف لتأمين المواد الخام اللازمة لعملية التصنيع، حيث لا شك في أنه تتوافر في منطقتنا وبفعل النمو المطرد للمشاريع الإنتاجية التخصصية وبعض أنماط الزراعات التقليدية المتوارثة بالمنطقة بعض المواد الكافية للاستهلاك المحلي والتي تدخل بعضها في عملية التصنيع للغذاء.
ولكن مع الأسف، مع ذلك يمثل عدم الاستمرارية وارتباط الإنتاج بالفصول وعدم ثبات المستوى في النوعية عائقاً كبيراً أمام تلك المواد لتكون سانداً موثوقاً لعملية التصنيع الغذائي. وبخصوص استراتيجية التصنيع الغذائي في دول مجلس التعاون فقد أشار الباحث حسن العالي في مقاله المعنون «الغذاء الخليجي... تراجع الإنتاج عاما بعد آخر»، بارتباط وتأثر دول مجلس التعاون بالمنظومة الدولية المعطيات، والتي بات من الضرورة ترجمة جهود الدول الأعضاء في مجال انتاج الغذاء في استراتيجية خليجية متكاملة للتنمية الزراعية المستدامة بما يحقق الاستفادة المثلى بما تتمتع به دول مجلس التعاون من مقومات وموارد والتكامل بين لتحقيق أفضل عائد واستثمار في موارد الأرض والمياه والبيئة.
وقد أوضح الباحث عدة احصاءات وتقارير متعلقة بالأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي، بأن نسبة مساهمة قطاع الإنتاج الزراعي في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2001 - 2012) أخذت بالتراجع عاماً بعد آخر، أي من 12.1 في المئة عام 2001 إلى 8.1 في المئة عام 2012.
كما أخذت الفجوة الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي في التزايد عاماً بعد آخر خلال الفترة من (2001 - 2012)، حيث ارتفعت من 9 مليارات دولار عام 2001 إلى 23.5 مليار دولار عام 2012، أي أنها تضاعفت بأكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية.
كما أن دول مجلس التعاون تستورد نحو 90 في المئة من احتياجاتها الغذائية من الخارج. كما اوضح بأن الإحصاءات تبين أن مساحة الأراضي المزروعة في دول الخليج تتراوح ما بين 1.5 - 5 في المئة بالمقارنة مع 18 في المئة في اميركا، و24 في المئة في بريطانيا، و52 في المئة في الصين.
وتتركز المنتجات الغذائية على الحبوب والخضراوات والفواكه ومنتجات الحليب والبيض ومنتجات اللحوم والدواجن والاسماك. وتستورد دول التعاون 37 مليون طن متري من الأغذية أي 4 أضعاف انتاجها المحلي. كما قامت دول الخليج بالاستثمار في البلدان التي تتمتع بفوائض في الأراضي الزراعية مثل: تركيا والسودان وأثيوبيا وجنوب افريقيا وباكستان وإندونيسيا وكازاخستان وفيتنام.
تناقص المساحة الخضراء
نقص المساحة الخضراء يشتكي منه كثير من الدول وخاصة المزارعين، هل تتوقعون هذا النقص له تأثير على الأمن الغذائي؟
من دون شك، فمع النمو العمراني والسكاني المطرد الذي تشهده منطقتنا يكون على حساب الرقعة الزراعية، إضافة الى شح المياه الصالحة للزراعة وارتفاع كلفتها، إضافة للعوامل البيئية غير المناسبة، كل ذلك يخلص الى حقيقة ضرورة التفكير في بدائل وخيارات متعددة ابرزها التوجه والعمل المطلوب من القطاع الحكومي والخاص للتوسع في المشاريع الزراعية الاستثمارية لضمان أمد مستمر من المواد الغذائية.
ولعل هذا النمط من التفكير قد بدأ في التشكل سواء بالاستثمار المحلي لدول الخليج العربي او بالاستثمار الزراعي الخارجي، ومثال على ذلك، في المملكة العربية السعودية هناك مشاريع زراعية قد تم الاتفاق عليها مع دول خارجية عربية وغير عربية. ولم يقتصر ذاك على النطاق الحكومي بل تعدى ذلك الى الشركات الزراعية والتي عقدت اتفاقات لزراعة بعض المحاصيل والاعلاف في دول بعضها بعيد جغرافيا حيث يتمثل ذلك اما بشراء الأراضي وزراعتها او عقد شراكات استراتيجية مع شركات زراعية في البلد المنوي الاستثمار به.
ما هي علاقة الارتباط بين هندسة التحكم البيئي والزراعة؟
يتم ذلك بتطبيق النماذج الرياضية الحاكمة للمتغيرات البيئية داخل حيز معين بما يتناسب مع حاجات المحصول الزراعي المنوي زراعته لهدف الحصول على بيئة مثالية تستخلص اعلى وأجود إنتاجية من النبات؛ أي بمعنى آخر توجيه كامل طاقة النبات وكذلك الحيوان للإنتاج كماً ونوعاً.
معوقات الإنتاج الزراعي
هناك عوامل طبيعية تعيق الانتاج الزراعي، كيف يتم التغلب عليها؟
يعتبر مناخ منطقة الخليج العربي مناخا صحراوياً، وذلك لتميزه بقلة سقوط الأمطار وعدم انتظامها، ومع التطرف الشديد لمستويات الرطوبة ودرجات الحرارة سواء في فصل الصيف أو الشتاء. إضافة الى ذلك نوعية التربة والمياه حيث قادت كل هذه العوامل الى ضرورة استحداث نظم زراعية تتجاوز تلك المعوقات. اهم هذه النظم الحديثة تتمثل في الزراعة المحمية بأنواعها، الزراعة المحمية (Protected Agriculture)، الزراعة المائية (Hydroponics)، والزراعة الهوائية (Aeroponics).
المناخ في دول الخليج غير مناسب نوعاً ما للزراعة، وهي مثل عوامل التعرية كيف يتم التعامل معها؟
دمج التقنيات يكون مفيدا للحصول على فائدة مركبة كمثال نظم التبريد بالتبخير سواء بنظام الوسائد المبللة أو بنظام الرش حيث يحقق ذلك فوائد التبريد وأيضاً تنقية الهواء عن طريق اصطياد الجسيمات.
وكمثال فإنه حالياً تقوم دراسة بحثية خاصة برسالة الماجستير لأحد طلاب الدراسات العليا أجراه في محطة التدريب والأبحاث البيطرية والزراعية التابعة لجامعة الملك فيصل بالسعودية، حيث يتم تقييم الكفاءة والأداء التبريدي وكفاءة الإزالة للجسيمات المعلقة بالهواء لنظم التبريد بالتبخير التربينية المعلقة في سقف الحظائر وجاري أيضا دراسة الأثر بإضافة نظم الشحن الكهروستاتيكي لرفع كفارة التنقية للهواء من الملوثات سواء الصلبة او الغازية. بالقطع ان استخدام هذه الأنظمة المطورة سيساعد على التغلب على تلك المعوقات ومن أهمها تلك الخاصة بعدم مناسبة المناخ للأنشطة الزراعية.
التحكم بجودة الهواء
كيف يتم التحكم بجودة الهواء للزراعة؟
لهواء في حالته الطبيعية يتميز بخصائص تتأثر بأي إضافة لعنصر جديد أو أي اختلال مكوناته. بالنسبة للنباتات تتأثر سلباً وإيجاباً لتلك التغيرات. لكل نوع من الملوثات آثار على النبات والأمراض والآفات المتوافقة مع هذا النوع من التلوث. كمثال مرض حلم الغبار الذي يصيب الأشجار والنخيل بصورة خاصة مما يؤدي الى تلف محصول التمور مرتبط بوجود طبقة الغبار على الثمار وعلى ذلك يتم القياس بالنسبة للملوثات الأخرى فأكاسيد الكبريت أو أكاسيد النيتروجين المنبعثة من المصانع تعتبر من اهم مسببات الأمطار الحمضية ومعلوم الآثار السلبية الكبيرة التي تتسبب بها تلك الأمطار. فلكل منطقة بيئتها الخاصة ويتبعها ملوثات خاصة بها وآثار متراتبة عليها.
في الوقت ذاته، ليس كل عنصر مضاف للهواء يعتبر ضاراً للنبات فمثلاً تعتبر تقنية التشبيع بغاز ثاني أكسيد الكربون من طرق رفع الإنتاجية في نظم الزراعة المحمية.
هناك توجه للزراعة المحمية، هل ممكن علمياً التكيف معها واستبدالها بالزراعة التقليدية؟
مرت دول الخليج بتجربة التوسع في الزراعات المفتوحة لإنتاج المحاصيل الحقلية مثل الحبوب والأعلاف، وكما لكل تجربة تكون لها مراجعة مبنية على ما حققته تلك التجربة. للأسف لا البيئة ولا الموارد المتاحة كانت داعماً لهذا التوجه إضافة الى حدوث مشاكل تراتبية مثل انخفاض منسوب المياه الجوفية غير المتجددة نتيجة الاستخدام المفرط.
من هذا المنطلق كان التوجه بتبني وانتشار تقنيات حديثة في الزراعة تتواءم مع حاجات وبيئة المنطقة فكانت الزراعة المحمية وهي تعتبر من اهم الممارسات الزراعية ذات البعد الاقتصادي المتناسب مع بيئة دول الخليج العربي. تبع ذلك توسع وتطور محمود وملموس في مجال التصنيع الزراعي والغذائي سواء كان معتمداً على المنتجات المحلية او المستوردة على حد سواء.
هناك أيضاً الزراعة المعلقة، وذلك بسبب ضيق المساحة المخصصة للزراعة، قام البعض بالتوجه الزراعة المعلقة، هل تتوقع ان يكون لها مستقبل في الامن الغذائي؟
- نعم، اعتقد أن المستقبل هو للزراعة المكثفة، ومن امثلتها الزراعة المعلقة فهي تحقق عدة فوائد؛ أولها زيادة الإنتاج لوحدة المساحة ولتوافقها مع نظم الزراعة المائية والهوائية، وبالتالي الوصول للأهداف المأمولة والمتوافقة مع طبيعة بيئتنا في الخليج من ناحية توفير المساحة المزروعة والمياه والطاقة اللازمة لتهيئة البيئة المناسبة، ولعدم ارتباط هذا النمط من الزراعة على المساحة وطبيعة التربة.