العدد 5316 بتاريخ 27-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... حكاية سكّان الجدار

مي أحمد غريب - قاصة مصرية

ربما يكون المكان مزدحماً بهم، الشقة ضيقة بطبيعة الحال... لكنهم لا يشتكون. تعلموا منذ أن آل مآلهم إلى هنا ألا يعترضوا، يمكنهم بطريقة ما تدبر أمرهم، فحدودهم داخل الجدران وليس لهم بأن يتعدونها وقد اتخذوها مسكناً لهم.

من بين جدران الشقة هناك جدار واحد فقط معلق عليه أرفف الكتب؛ كتب من جميع الأنواع والأحجام... كتب عن الفلسفة، التاريخ، الحب، الأمراض النفسية، الأماكن البعيدة، الفضاء... وعن الكائنات التي لا تراها أعيننا لكنها هناك! وهم يحبون الكتب، وهم منذ أن اكتشفوا وجودها أدركوا أن حياتهم لن تعود كالسابق أبدا!

كائنات أحادية البعد هي، تتحرك عرضيا إلى اليمين، وتعود إلى الوراء عرضياً أيضاً إذا ما رغبت في الذهاب إلى اليسار. لا يراهم الناس، لكنهم يرونهم. يبدون كالظلال، لكنهم ليسوا بظلال، وهم لديهم مشكلة صغيرة لولاها لكانوا أسعد كائنات الأرض؛ لهم من الأصابع أربع، وبها يمسكون الكتاب، ويتنمون لو كان لهم إصبع خامس يمكّنهم من تقليب الصفحات لقراءة المزيد، لبدء الكتاب من بدايته والانتهاء عند النهاية! فقط!

يتطلعون إلى ساكن الشقة معهم. يراقبونه وهو يتطلع إلى الكتب الملقية على الأرض باستغراب، يعيد تفقد الأرفف ومدى ثباتها على الجدار... ثم يقوم بإرجاع الكتب المتساقطة إلى مكانها مرة أخرى.

لأنهم كثير، ولأن أصابعهم الأربع لا تمكنهم من حمل الكتب جيدا، أحيانا يتساقط منهم كتاب أو اثنان، وربما ثلاث أو أربع، وعندما يعود ساكن الشقة من الخارج يجد الكتب وقد سقطت على الأرض، فيرتبك ويعيد تفقد الأرفف ويرجع الكتب إلى مكانها ثم يمضي.

آه لو كان لديهم إصبعه الخامس!

ينامون في الليل مثل ساكن الشقة، وهم شاكرين لكونه يطفئ جميع الأنوار فيكون الظلام لأنهم بدونه لا ينامون. كما أن ذلك يساعدهم على التخفي لأنهم عندما ينامون ينثنون كالورقة فتخرج رؤوسهم من الجدران، ولولا الظلمة التي يتدثرون بها لافتضح أمرهم!

ثم تغير كل شيء؛ في يوم عاد ساكن الشقة من الخارج، وجد الكتب ملقاة كالعادة على الأرض، ويبدو أنه اعتاد الأمر فلم يعد يتفقد الأرفف... انحنى والتقط الكتب، ثم بروتينية أعادها في أماكنها، إلا أنه شد انتباهه شيء ما على الجدار! أخذ يتفقد بقعة ما وقد قرّب وجهه من الجدار حتى كادت أنفه تلامسه، وبدون أن يقصد وبدون أن يقصد الكائن الواقف أمامه تماماً... تلاقت أعينهما.

لم ير ساكن الشقة عين الكائن، لكن الكائن رأى عيناه. شعر الكائن بشيء غريب... لسعة خفيفة في يده الواحدة؛ عندما رفع يده ليرى وجد أنه نما في كفه إصبع خامس!

ما أن استدار ساكن الشقة ومضى حتى تناول الكائن كتابا، وتمكن من تقليب الصفحات ومعرفة المزيد عما يدور داخل الكتاب! كان حدثاً جللاً وقد اجتمع حوله رفقاؤه فأخذ يحكي لهم ما جرى!

هجم الجميع على الكتب يأخذونها ثم يلقونها على الأرض في محاولة للفت انتباه ساكن الشقة كي يعود ويرجع الكتب إلى الأرفف ولربما تحدث المعجزة... وتتلاقى عيناه بعين أحدهم فينبت لهم إصبعا خامساً!

نفذوا خطتهم، وعاد ساكن الشقة إلى الجدار المثبت عليه أرفف الكتب، ورأى كل الكتب ملقاة على الأرض، فرحل متعجلاً بعض الشيء!

وهم الآن في انتظار عودته حتى تتلاقى أعينهم مع عيناه، حتى يغلق النور فيمكنهم أن يناموا، حتى يعيد الكتب إلى الأرفف فيمكنهم على الأقل قراءة صفحة من أي كتاب ولو لم يعرفوا ماذا حدث قبلها أو ماذا حدث بعدها!



أضف تعليق