أكثر غاسلي الصحون احتراماً
قصة قصيرة - أيمن محمد (قاص سوداني)
"لن أصرخ، السياط تحفز العبيد وحدهم، وأنا لست عبداً".
قال ذلك ثم مضى يغسل الصحون دون أن يراوده تعب.
ألقى صاحب المطعم العجوز عشرة صحون أخرى داخل الحوض وقال: اعمل أيها العبد.
وعندما أحس أن الغضب تملّك غاسل الصحون صاح: أنت مدين لي، أمك السمينة مدينة لي، والدك المرحوم يدين لي بخمسة آلاف، هرب إلى العالم الآخر دون أن يفي بدينه، أليس لي الحق أن أكرهكم؟
توقف غاسل الصحون قليلاً، وتنهد، نظر إلى صاحب المطعم بطرف عينه، ثم واصل عمله بلا رد.
قال صاحب المطعم: عموماً، لم يتبق لك الكثير، كلها خمسمئة جنيه ثم أعتقك، وذهب يترنح عبر الباب، وساعتها لاحظ غاسل الصحون أن صاحب المطعم، يميل في مشيته ناحية اليمين، هو لا يشبه نفسه من الخلف، يبدو نحيلاً وأكثر شحوباً، بينما ظلت رقبته تكتنز الكثير من اللحم.
قال غاسل الصحون حانقاً: تباً لك، عندما أفرغ من هذا الدّين، سأضربك كل يوم على قفاك الممتلئ، وسأتلذذ بذلك الصوت الذي ستصدره رقبتك بفعل الضربة.
ومن الخارج، سمع ضحكاً مدوياً وكلمة بذيئة (...): افعلها إن استطعت.
كانت أول صفعة تلقاها صاحب المطعم في يوم ماطر، يوم أعتق غاسل الصحون، أعطاه أوراقاً كانت أمه قد وقعتها، أغلق المطعم ثم انصرف تحت المطر، وعندما سمع الصفعة على قفاه خر على الأرض مشدوهاً، وظلت رقبته الممتلئة ترتجف لدقيقة، ثم وقف غاسل الصحون عند رأسه: أنت لم تر شيئاً، كنت تظنني أهزر وأهذي، لن أدعك، سأنتقم، وغداً صفعة أقوى، وذهب يتلاشى شيئاً فشيئاً تحت أضواء الإنارة.
وفي كل يوم يحاول فيه صاحب المطعم النجاة، كان غاسل الصحون يضاعف له العذاب، ومع صفعة القفا كان يعاجله بركلة على البطن، وعندما استعان صاحب المطعم العجوز بالشرطة، ارتاح لمدة ثلاثة أيام، ولكنه في اليوم الرابع تلقى أربع صفعات قويات، وأربع ركلات، وقد كان الأمر محرجاً لثلاثة رجال من الشرطة المدربين، يحيطون به كالسوار في المعصم، ذلك دعاهم للشك، كيف لرجل يتوسط عشرة رجال يحرسونه أن يتلقى هذا الكم من الركلات؟ هم لم يروا شيئاً غير أن الرجل وقع على الأرض يتلوى.
لذلك قررت الشرطة أن تسحب رجالها، وأن يدون بلاغًا ضد غاسل الصحون. وعندما عرضت الشرطة غاسل الصحون أمام القاضي، قال القاضي: السيد غاسل الصحون، أنت متهم بصفع وركل السيد صاحب المطعم، ما قولك؟
قال غاسل الصحون مندهشاً وهو يمسح بضع حبات عرق عن جبهته: كيف؟ أنا لم أصفعه سيدي، فعلاً أنا توعدته بالصفع، ولكني لم أفعل.
قال القاضي: وكيف تثبت أنك لم تفعل؟
قال غاسل الصحون: يا سيدي القاضي، كيف لي أن أصل إلى رقبته وهي محشورة بين رجال الشرطة؟ سيدي هذا الرجل يهذي فقط، لقد حول حياتي الى جحيم، استعبدني وهدّد أمي إن لم ندفع، ولكني إنسان محترم لا أضرب أحداً على قفاه.
تداول القاضي الأمر بينه ونفسه ثم وجه كلاماً للرجل صاحب المطعم: سيدي العزيز، أنت المذنب، ما ذنب غاسل الصحون إن كان ضميرك يضربك على قفاك؟ أنا أستغرب كيف لرجل في مثل سنك ومكانتك يرفض أن يتصالح مع ضميره، صدقني حتى وإن حاكمنا غاسل الصحون بالموت، ستظل تتلقى الصفعات يومياً، أنصحك أن تزور المشفى.
ثم التفت الى غاسل الصحون: أنت لست مذنباً، أنت أكثر غاسلي الصحون الذين قابلتهم احتراماً، وخاصة في السنوات الأخيرة، أنا مندهش، كيف لكلماتك أن تثير هذا الرجل وتدفعه للجنون.