قصة قصيرة... صرخة ميلاد
سامي محمد عبدالفتاح - قاص مصري
دائماً ما يكون نهاية الحياة الموت، ولكن حياته "بالموت" بدأت.
ثمة شيء غريب هناك، كان سبب الابتسامة الأغرب، التي ترتسم على شفتيه، ذلك الشاب الذي يبدو على وجهه أنه في العقد الثالث من العمر، طويلاً مفتول العضلات، حليق الرأس ابتسامته مليئة بالغموض، لا تبدو ابتسامة حزن أو فرح ولا تمت بصلة إلى ابتسامة سخرية. ربما كانت أول مرة تعرف طريق شفتيه ابتسامة كهذه، وهو يقلّب في الأسماء التي يعجّ هاتفه بها يحاول امتصاص ذرات الهواء بفتحتي أنفه المنتفخة لضيق صدره وبالكاد ينجح في أن يأخذ نفساً عميقاً ويقذفه للخارج وكأنه يقذف لهباً، وفي نفس اللحظة يضغط على حذف ودفعة واحدة ألقى بكل مخلفات الماضي من داخله ومن هاتفه. بجرأته على ما فعل تتسع ابتسامته. ولكن أبداً ما كانت جرأته سبب ابتسامته من البداية.
كان أسرع للاعتذار حتى ولو لم يخطئ، كل شيء مر أو شهد، معقد أو بسيط في النهاية بالنسبة إليه يمر. في التهنئة هو الأول كما كان الأول في التعازي، دون طلب يساعد الآخرين، اختار أن يكون فعلاً لا رد فعل. سعادة من حوله سواء كان يعرفهم أم لا هي سعادته الكاملة.
وعلى رغم هذا يكاد يشعر أنه غير موجود لا قيمة له وبلا فائدة. عدم الاهتمام، وتجاهل من حوله ربما كان سبب في ذلك. "إن بعض الظن إثم". أقاربه، أصدقاء الطفولة، أصدقاء العمل، لم يستثنِ أحداً من الامتحان. لا اتصال بأحد، لا مساعدة دون طلب، اهتم ألا يهتم إلا بنفسه تلك كانت شروط امتحانه.
لا يكاد يذكر أحداً اتصل من أقاربه أو أصدقائه به لأيام وربما لشهور. ولم يثنِه ذلك عن التراجع والغاء الامتحان. بالماضي واجبه مساعدة الآخرين، أما اليوم يكاد يكون جميلاً يستحق الرد حتى ابتسامته في وجه أحدهم. لا يكاد يساعد زملاءه في العمل أو خارجه إلا إذا طلب منه بإلحاح. والنتيجة حدثت له أشياء لم تكن تحدث من قبل كالاتصالات المفاجئة من زملائه للاطمئنان ومحاولات تنافسهم للتقرب منه. بات متأكداً أنهم يفعلون ذلك لأجل مصالحهم التي لم تكد تقضى مجاناً.
على مدار خمسة أيام متتالية وللمرة المئة والتسعين مع كثير من رسائل الفيسبوك والواتس أب وتحت غطاء الاطمئنان لقضاء مصلحة يتصل به صديقه ولا يجيب. كان بالأمس القريب هو المتصل للاطمئنان بحق وصديقه لم يجب، رسب من لم يتمن له الرسوب (صديق العمر).
ومن يريد الحلوى عليه أن يدفع ثمنها، فقد نفدت جميع الهدايا المجانية، هكذا أصبحت مبادئه الجديدة.
صرخة وداع أخير لشخصية طالما جلبت له الآلام ومخاض الميلاد لشخصية جديدة كانت ثمرتها تلك الابتسامة، وقال باسماً "اهتمام مزيف! ليكن، تكاد تكون أفضل بكثير مشاعر مزيفة من لا شيء. كذب! ليكن". ومن يريد الحلوى عليه أن يدفع ثمنها. ويحيا الاهتمام.