"ساعة الأرض" تذكّر بضرورة التقنين في استخدام الإنارة
باريس - أ ف ب
للسنة الحادية عشرة على التوالي، تطفئ مدن العالم أضواءها يوم السبت المقبل في "ساعة الأرض" وهي مبادرة هدفها تسليط الضوء على الاحترار المناخي الذي ما زالت مكافحته تتطلب بذل الكثير من الجهود.
فإذا كان ظهور المصباح الكهربائي شكل فرحة كبيرة في العالم، إلا أن التبعات المناخية والبيئية الناجمة عن استهلاك الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة الملوثة باتت هما يؤرق العالم، يضاف إليها القلق مما بات يعرف بالتلوث الضوئي وآثاره على مشاهدة السماء وعلى الأنواع الحية.
تلوث ضوئي
يعيش 80 في المئة من سكان كوكب الأرض في مناطق ذات أضواء قوية تحجب ضوء السماء في الليل، بحسب دراسة علمية نشرت في العام 2016.
وفي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يحرم 99 في المئة من السكان من متعة مشاهدة نجوم مجرة درب التبانة التي يقع فيها كوكبنا. فإذا أراد مواطن فرنسي يعيش في باريس أن يشاهد نجوم درب التبانة، يتعين عليه أن يسافر مسافة ألف كيلومتر، وصولاً إلى كورسيكا أو اسكتلندا ليجد هناك سماءً صافية لا تحجبها أضواء المدن.
أكثر البلدان تأثراً بظاهرة التلوث الضوئي هذه هي سنغافورة، أما أقل المتأثرين بها فهم سكان تشاد، حيث يمكن لثلاثة أرباعهم التنعم بمشاهدة سماء صافية في ليال مظلمة، وكذلك الأمر في مدغشقر وإفريقيا الوسطى.
في المقابل، لا يمكن مشاهدة سماء نقية في أوروبا الغربية سوى في بعض المناطق في اسكتلندا والسويد والنروج وإسبانيا والنمسا.
وتقول رئيسة جمعية "دارك سكاي" (السماء المظلمة)، ديانا أومبيير "أخشى أن يتفاقم هذا الأمر"، فيما هي تنظر إلى السماء في فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة.
وتشير إلى أن الوضع أفضل بقليل على الساحل "بفضل القوانين الرامية إلى حماية السلاحف البحرية" التي كانت تضللها الأضواء، لكن في باقي المناطق لا يتوقع أن يسجل تحسن في هذا الأمر ولاسيما أن فلوريدا تنتظر زيادة في عدد سكانها تقدر بخمسة عشر مليونا في خلال خمسين عاماً.
وتقول "من الصعب إقناع الناس أن الضوء لا يجلب بالضرورة الأمن والسلامة، بل غالباً ما يكون العكس" مثل السرعة الزائدة على الطرقات السريعة.
وتضيف "نحن نكبر ويكبر معنا الخوف من الظلمة"، داعية النواب إلى أن يحترموا، في مشاريع الإنارة العامة، المنطق والمعطيات العلمية.
فوائد الظلمة
جاءت أولى التحذيرات في هذا المجال من علماء الفضاء. وفي العام 1958 كانت فلاغستاف في أريزونا أول منطقة تقنن استخدام الضوء، لجعل مراقبة الفضاء أوضح.
وبعد علماء الفضاء، توالت على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية التحذيرات من علماء الأحياء والأطباء والمنظمات غير الحكومية، وحتى من منظمة يونسكو.
أطلق الصندوق العالمي للطبيعة مبادرة "ساعة الأرض" (إيرث آور) للتذكير بضرورة حماية المناخ، لكون الكهرباء ما زالت تنتج عموماً من مصادر الطاقة غير النظيفة.
وقد ظهرت مجموعات ترفع مطلب تقنين استهلاك الكهرباء في عدد من البلدان الأوروبية منها إيطاليا وسلوفينيا.
وفي فرنسا، قررت مناطق كثيرة تخفيض أوقات الإنارة، لكن في المقابل ارتفع عدد نقاط الإنارة العامة 30 في المئة في هذا البلد في السنوات الخمس والعشرين الماضية، وفقا لوكالة "آديم" البيئية.
وتقول آن ماري دوكرو الناشطة في هذا المجال "لقد كانت مشاهدة السماء في الليل مصدر إلهام للحضارات السابقة، إنها جزء من تراثنا".
إضافة إلى تشويش رؤية السماء في الليل، يؤدي فائض الإنارة إلى اضطراب في تكاثر الأنواع الحية وهجرتها، ويضلل الطيور التي تعتمد على النجوم في رحلاتها، وتضعف الحشرات.
ويؤدي أيضاً إلى اضطراب في الساعة البيولوجية للبشر القائمة على ليل مظلم للنوم، ونهار مضيء للنشاط، وما يؤدي إليه ذلك من اضطراب في الوظائف الحيوية والهرمونية.
في الولايات المتحدة، تتحرك الجمعية الطبية الأميركية لمكافحة التلوث الضوئي متحدثة عن دوره في اضطرابات النوم وعدد من الأمراض المزمنة، بحسب ما جاء في تقرير نشر في مايو/ أيار من العام 2016.
مصابيح "ليد"
يحذر أنصار السماء النقية من توسع استخدام مصابيح "ليد" التي تؤدي إلى زيادة الوهج الضوئي في السماء مرتين إلى ثلاث مرات.
وتؤدي الموجات الزرقاء لهذه المصابيح إلى بعث ضوء شديد البياض في السماء. وفيما أصبح 10 في المئة من الإنارة العامة في الولايات المتحدة يعتمد على مصابيح "ليد"، لكونها أكثر اقتصاداً للطاقة، تعلو الأصوات المطالبة باستخدام نوع من هذه المصابيح ليس شديد الزرقة، وتقنين استخدام الضوء بحسب الحاجة.
في مناطق عدة، تسجل مبادرات مدنية في هذا الإطار.
ففي مدريد وقع مواطنون عريضة تطالب بدراسة آثار هذه المصابيح.
وفي كيبيك ومونتريال طالب السكان بمصابيح "ليد" صفراء اللون للإنارة العامة، كما جرى في فينيكس في ولاية أريزونا الأميركية بعد احتجاج شعبي.