قصة قصيرة ... طعنة في قلب الأوسكار
آمنة بن منصور - قاصة مغربية
-1-
أمسك جهاز التحكم يقلب القنوات... يا قدس... يا مدينة السلام... كانت تلك أغنية فيروز الخالدة، التي تختصر مأساة أولى القبلتين... توقف عند تلك القناة ينصت باهتمام... شرد وغاص مع الكلمات بعيداً.
انتبه أخيراً... أراد تغيير القناة يريد الأخبار، قبل أن يتسمر في مكانه... ويشخص بصره... دنا من الشاشة يدقق في الصورة... إنها هي... اللعينة... تراجع إلى الخلف يبحث عن أي شيء يتكئ عليه... سقط جسده النحيل على الأريكة... وضع يده على قلبه يتحسس دقاته... قلبه الضعيف لم يعد يتحمل... بات كل شيء في جسمه يؤلمه.
في الغرفة الأخرى كانت الحاجة صالحة ترتشف القهوة مع جارتها أم جورج ... كانت مرة مرارة الأيام التي عاشتها العائلة.
الحاج تحسين... كان له بيت في القدس وعمل، وأولاد... حتى جاء اليوم الذي قرر فيه ابنه البكر أن يضرب المحتل... كانت حجارة ألقاها على دورية مارة، فأمطروه بوابل من الرصاص... وغير بعيد كان شقيقه إلياس يراقب... خلع حذاءه وألقاه على أحدهم... فقتل هو الآخر، وكان الطرد مصير الأسرة.
هناك، و في البلد الجديد كان عليهم العمل لتحصيل لقمة العيش، كانت الحاجة صالحة ترسل دينا عند إحدى الخياطات لتتعلم حرفة... فتعلمتها بسرعة... كانت تخيط الفساتين الجميلة وتجربها... تحلم بالشهرة... رأتها ذات مرة صاحبة العمل فأعجبت بجمالها وقوامها... عرضت عليها فكرة عرض الأزياء... فوافقت على الفور.
-2-
مشت على السجادة الحمراء أخيراً... ترافق أحد الممثلين المشهورين... الأضواء... عدسات الكاميرا... الصحافيون... كانت ترفل في ثوب طويل مكشوف... وتلبس كعباً عالياً... قد زينت عنقها بقلادة من الماس ثمنها يشتري أراض كثيرة في فلسطين.
جلست بكل غرور... لكن غرورها انكسر، بنظرات الاحتقار التي شعرت بها... الكل يعرف أصلها... والجميع يعلم سبب شهرتها... تقدمت منها إحداهن تسألها مستهزئة عن اسمها العربي... شعرت نتاشا بالضيق فطلبت من مرافقها المغادرة... لكنه أصر على بقائها فهو مرشح لإحدى الجوائز... وفوزه يعني فوزها لأن كاميرات العالم كلها ستصورها معه.
-3-
كانت دينا تتظاهر أمام والديها بالذهاب إلى الخياطة... لكنها كانت تذهب لإحدى المراكز المتخصصة في تدريب عارضات الأزياء... كيف يمشين متمايلات... وكيف يحافظن على رشاقتهن... كانت ممتلئة قليلاً، فاشترط عليها إدوارد صاحب المركز، أن تنقص من وزنها، وسرعان ما نفذت كلامه حتى هزلت وسقطت... أحضروا لها الطبيب فطلب بعض التحاليل.
عاد الحاج تحسين ذات يوم فرحاً وهو يحمل أكياساً من الفواكه، ونتائج التحاليل... لم يكن متعلماً ولا زوجته... قرأت لهما أم جورج التحليل... كل شيء جيد... وفجأة سكتت ولم تكمل، سألاها لم توقفت، فكانت الفاجعة... دينا حامل.
-4-
كانت نتاشا تصبر نفسها بأن تلك السيدات اللواتي يحتقرنها، مجرد غيوارت يحسدنها على ما نالته من شهرة... كما يحسدنها على رفيقها الوسيم الذي تدين له كثيراً... تذكرت حين هربت من لبنان بعد اكتشاف حملها... بعد أن باعت نفسها مقابل الشهرة، وكيف ساعدها إدوارد على دفن آثار الجريمة... ثم سافر بها إلى نيويورك... وهناك باعها مرة أخرى بثمن بخس لإحدى العصابات التي تتاجر في النساء.
ظلت لشهور تتنقل بين الحانات والملاهي والفنادق... إلى أن تعرفت على جون الذي قدمها إلى بعض المخرجين لتؤدي أدواراً صغيرة... فقبلت... وتنازلت... بدأت الأضواء تسلط عليها، وبدأت الصحف تكتب عنها.
-5-
في تلك اللحظة، دخلت الحاجة على زوجها بعد أن أنهت شكواها وقهوتها المرة، مع جارتها... وجدته مقابل التلفزيون، شاخص البصر... نظرت إلى الشاشة... فإذا هي دينا مع مرافقها على منصة التتويج... أراد مجاملتها فأعطاها الأوسكار لتحمله... وإذا برجل يصعد مهرولاً نحوها ويطعنها في قلبها، وقبل أن تهوي على الأرض، سارع النجم إلى إنقاذ التمثال من السقوط... وسقطت هي على السجادة الحمراء... وسقطت أمها على الأريكة السوداء.