العدد 5308 بتاريخ 19-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... آمال

أحمد محمد الطيب - قاص مصري

واقفة تترقب طفلتها آمال في أول يوم لها بالمدرسة، كانت شبه ملتصقة بنافذة الفصل المنخفضة المطلة على الشارع.

عيناها تحادثان عيني طفلتها الخائفة المرتبكة، أصوات الأطفال تأتي من كل مكان ممتزجة بضحكاتهم العالية المجلجلة.

ابتسمت حين رأت فتاة تقترب من ابنتها لتحادثها و"آمال" تبتسم ثم تشاركها الحديث. لم تفكر الأم أن تذهب من مكانها حتى لو اطمأنت إلى هدوء ابنتها، لديها رغبة أن تبقى هكذا معلقة بجوار النافذة، ترى حيطان الفصل الملصوق عليها بقايا أوراق قديمة والمقاعد الصفراء الباهتة والسبور الأسود الكبير، حتى حين دخلت المعلمة، اكتفت بأن تبتعد بجزعها قليلاً، بينما عيناها داخل الفصل، كانت المعلمة جميلة ذات ملابس زاهية تنبعث منها رائحة جميلة وابتسامة تلقائية تملأ وجهها، نظرت الأم إلى ابنتها الجالسة:
- ربما يأتي يوم تكونين جميلة هكذا.

ظلت واقفة طوال اليوم بجوار النافذة، أحست وكأنها تجلس في الفصل على نفس المقعد بجوار ابنتها آمال.
حين ذهبت إلى المنزل استلقت على فراشها تتأمل صورة زوجها الراحل، تمتزج في ذهنها ذكريات الماضي، أفاقت على صوت ابنتها، وقد نثرت ألوانها وكتبها فوق الفراش، تسأل أمها بعينين ملؤها الحيرة، عما ستفعل بكتب المدرسة، فكرت الأم قليلاً، ثم تذكرت أن عليها أن تلون كل شيء بلونه، كما سمعت من المعلمة.

ــ الموز باللون الأصفر، التفاح لونه أحمر، والأرنب اتركيه كما هو باللون الأبيض الجميل.
استغرقتا وقتاً طويلاً في التلوين، ثم فتحتا الكتاب الآخر، لم تتذكر الأم ما قالته المعلمة، لم تفهم ما يجب أن تفعله، عليها إما أن تتذكر وإما أن تقرأ الكلمات المكتوبة، حاولت ولكنها فشلت، ليلتها ظلت تتقلب في الفراش شاعرة بالذنب.
قررت أن تركز في كل كلمة تقولها المعلمة غداً.
في اليوم التالي، وقفت الأم بجوار النافذة، ظلت مركزة انتباهها، فهمت كل شيء، وحين جاء المساء عَلّمت طفلتها ما استطاعت فهمه ولم تفهمه الطفلة الصغيرة.
كل يوم كانت الأم تقف بجوار النافذة، تعلمت الأم كيف تنطق "أ. ب"، حفظت أشكال الحروف، اشترت كراساً مثل كراس ابنتها، كتبت الحروف بخط مُتَعَرِّجُ كبير، اعتاد المعلمون أن يروها بجوار النافذة، وكل يوم كانت تعرف شيئاً جديداً.
في كل عام تنجح آمال كانت الأم تغير النافذة إلى نافذة فصل جديد ومع كل نافذة جديدة تتعلم أشياء جديدة، تعلمت الجمع والطرح، وأصبحت تقرأ جملاً كاملةً وتفهمها، وكعادتها تساعد آمال.
حين ذهبت آمال إلى المدرسة الكبيرة ذات الفناء الواسع المحاطة بسور كبير، لم تستطع الأم الوقوف في نافذة الفصل، جلست في البيت مهمومة حزينة والوقت يمر متباطئاً.
حين عادت ابنتها احتضنتها بلهفة وشوق.
وفي المساء أخرجت آمال الكتب الجديدة اللامعة:
ــ الآن جاء دوري لأشرح لك، كما كنت تفعلين معي يا أمي العزيزة.
أصبحت لا تعتمد على ما تقوله ابنتها فقط، تعودت أن تعرف الكثير وفي كل مرة تشعر بأنها أصبحت أكثر رضاً عن نفسها.
نفضت الأم دمعة واقفة عند طرف عينيها، نظرت إلى ابنتها التي تستعد لزفافها... لم تعرف لماذا تذكرت كل ذلك في هذه اللحظة وبعد هذه السنوات الطويلة.
تأبطت ذراع ابنتها وهما خارجتان من الحجرة، أجلستها بجوار عريسها، رأتها جميلة، بقوام رائع، وملابس أنيقة تنبعث منها رائحة جميلة وابتسامة تلقائية تملأ وجهها.



أضف تعليق