العدد 5307 بتاريخ 18-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... بائعة الحظ

عبدالرحيم شراك - قاص مغربي

انتشر الخبر المُريب بسرعة البرق في أرجاء القرية الهادئة، وتوالت ردود الفعل تجاه الحدث كسيل جارف. أكّد بعض الأشخاص الخبر بثقة كبيرة ودافعوا عنه باستماتة. بينما نفت مجموعة أخرى الخبر وأخذت تكذب وتتهم بلا هوادة. لكن هذه الأحداث كلها جعلتها حديث كل لسان! فبعد مجيئها منذ يومين فقط، أصبح الكل يتكلم عنها صغاراً وكباراً! إنها المرأة العجوز التي حلت بالقرية في ظرف وجيز. قالوا إنها إنسانة طيبة تبيع الحظ بثمن بخس، لأنها تمنحك الكمية التي تريدها. كيف تفعل ذلك؟ لا أحد يعلم السر حتى الآن.

كانت تمشي بهدوء قرب إحدى المزارع الجميلة بالقرية، تحت أشعة الشمس الدافئة الذهبية. تلبس ثياباً رثة داكنة اللون وتحمل عقداً قديماً في يدها، تنصت للعصافير مستمتعة بنسائم الربيع التي تهب. تلتفت يمنة ويسرة كأنها تبحث عن شيء ما. وجهها غريب وقد حفر الزمن عليه بحرية حتى مسح ملامحها تماماً. أخذت تتجول بعصاها في المكان وعلى محياها ابتسامة خفيفة تخفي الكثير من الأسرار أو ربما ألماً عميقاً دفيناً لا يعلمه أحد. تضرب بيدها في طبل صغير وتنادي بصوت متقطع: "حظ للبيع يا اهل القرية"!

يلمحها أحد الشباب بسرعة فيجري نحوها، يوقفها ويترجاها بألم! فهو يريد بعض الحظ، ليتم قبول طلبه للزواج. كان الوضع صعباً بالنسبة للعجوز، وما كاد يكمل الشاب حكايته حتى جاء رجل آخر، كان يبكي بقوة ويصرخ لأن أباه في غيبوبة وقد اقتربت لحظة موته. صرخ حزينا: "أريد القليل من الحظ، أرغب في التكلم مع أبي قبل أن يموت"! كان يحكي بشجن ويبكي بمرارة. وجاءت بعده امرأة أخرى تريد لابنها المسجون مزيداً من الحظ. طلبت من العجوز مساعدتها. امتزج كلامها بدموع دافئة حنونة وكان صوتها من أكثر الأصوات حزناً في الكون. اختفت الابتسامة من على وجه العجوز بالتدريج! لكنها سرعان ما استعادتها عندما تذكرت أمراً ما.

تحلق حولها العديد من الناس، توالت الحالات والمواقف. فهذا طفل يريد إنقاذ حيوانه الأليف، وتلك فتاة تريد النجاح في الدراسة وأخرى تريد الحظ للمشاركة في مسابقة القصص. اجتمع حولها كم هائل من الأشخاص البائسين. لم تتذمر العجوز إطلاقاً بل كانت تسمعهم باهتمام وتبتسم، بل وتطمئنهم وتتمتم بكلمات غير مفهومة من حين لآخر. وفي الوقت ذاته بدت كأنها تقاوم حزنها بشدة، فقد كانت وجوههم شاحبة وكئيبة بشكل لا يطاق. الكل يستنجد بها، يبدو أنها الأمل الوحيد الذي بقي لهم. يتوسلون إليها بيأس على رغم أن حقيقة الأمر مازالت غامضة، إلا أنهم متشبثون بها. حتى لو كانوا يدركون في أعماقهم أنها نصابة أو محتالة دجالة. أصبحت هذه المرأة قبلة لليائسين والفاشلين الذين لم يعد أمامهم إلا شراء الحظ لحل مشاكلهم أو ربما هم يقنعون أنفسهم بأنه الحل الوحيد المتبقي من أجل النجاح.

كانت متعاطفة مع الجميع لأنها تنصت لهم باهتمام.  يوماً بعد يوم، زادت مكانتها عند الناس وسما شأنها. حتى حصلت على غرفة إضافية في أحد المنازل وأصبح لديها زوار وتابعون دائمون. في البداية صدّقها بعض الجهلاء ووثقوا بقدراتها. أما اليوم فقد ذاع صيتها، حتى أضحى أعيان القرية وسادتها يزورنها بانتظام.

كنت طوال الوقت أراقب ما يجري ويدور من بعيد، حتى تأكدت أنها أدت دورها بالتمام والكمال! لأرسلها بعد ذلك للقرية المجاورة.



أضف تعليق



التعليقات 13
زائر 1 | 5:50 ص شهية للقراءة رد على تعليق
زائر 4 | 4:28 م شكرا لك أخي على كلامك الطيب
زائر 2 | 9:43 ص نهاية غير متوقعة و القصة جيدة.موفق رد على تعليق
زائر 5 | 4:29 م شكرا لك أخي
زائر 6 | 5:09 م قصة جميلة .
تضرب بيدها في طبل صغير/أيهما اصح :الضرب في الطبل ام على الطبل؟
ارجو لك التوفيف!
زائر 7 | 1:54 م شكرا لك أخي على ملاحظتك، ربما الأصح هي الضرب على الطبل. سأبحث في الأمر.عبد الرحيم شراك
زائر 8 | 10:35 ص السرد جميل للغاية وتتابع الأحداث في قمة الروعة .نجد أن أغلب مافي القرية يبحثون عن مخلص يبحثون عن من يحقق لهم أمانيهم المتوقفة على مدى السنوات ، هى النفس البشرية التي تفتقد الصبر وتفتقد شىء اسمه القدر . رغم أن المفارقة لم تكن قوية أقصد بذلك القفلة . لكن أحيييييييك وقبله على الرأس هذة القصة الجميلة تحياتي لك رد على تعليق
زائر 10 | 3:44 م شكرا جزيلا أخي على كلماتك الطيبة و رأيك الجميل الذي أسعدني. بالنسبة للقفلة فلم أجد أقوى من تلك المفاجأة. شكرا لك مرة أخرى أخي.عبد الرحيم شراك
زائر 9 | 1:43 م السلام عليكم سي عبد الرحيم .. تهانينا على هذه القصة القصيرة .. الكبيرة بمغزاها ... رصد لجزء من واقعنا البائس .. بأوصاف أصيلة تصور الحال .. وتقلق على المآل .. صحيح أنه وضع يغذيه الجهل ويتحامل عليه الفقر والأمية والتهميش وغياب الخدمات ووو ..وضع من أسبابه كذلك البعد عن الدين .. فالتوسل إلى الله يكون .. والعجوز ينطبق عليها المثل القائل كون كان الخوخ يداوي كان داوا راسو ... ومنه فهي بائعة الحظ السيء العاثر ... أعتقد كلمة يزورنها الموجودة في الأسطر الأخيرة سقطت منها واوا ... للإشارة طلعتي المحتال النص رد على تعليق
زائر 11 | 5:12 م شكرا لك أخي الكريم على رأيك الجميل.
زائر 12 | 1:05 ص كاتب متميز سرد رائع ونهب لذاكرة الواقع بمهارة دمت ودام قلمك راقيا رد على تعليق
زائر 13 | 11:02 ص شكرا لك أخي على هذا الكلام الطيب الذي أسعدني.عبد الرحيم شراك
زائر 14 | 2:20 م بداية القصة جميلة والسرد مميز .. لكن نهاية القصة لم تكن بنفس القوة فكانت نهاية تقليدية مباشرة جدا واقحمت الراوى بلا سبب فى خاتمة القصة ارجو لك مزيدا من التوفيق رد على تعليق