أسواق لـ«بيع العزاب» في الصين
الوسط - محرر منوعات
في حدائق بكين وبقية أنحاء الصين، يقيم آباء وأمهات أسواقاً غريبة وعجيبة، يعرضون فيها أبناءهم وبناتهم العازبين للزواج، في محاولة لتفادي الزيجات التقليدية المرتبة، التي تراجعت وتيرتها في البلاد منذ عام 1980وتجنب تأثير العائلة على الحياة العاطفية للشباب.
بعد أن تدخل حديقة زونغشان بجانب الحي الممنوع، تلاحظ على طول نظرك تجمعاً لبضعة مئات من الأشخاص.. إنهم في الغالب من كبار السن، وتراهم يقفون أمام مجموعة من الأوراق التي عُلّقت بعناية بجانب الأسوار الحمراء التابعة للحديقة. هذه الأوراق مغلّفة بالبلاستيك، وتتضمّن معلومات مكتوبة بالكمبيوتر أو بخط اليد، بينما تعلو بعضها صور شباب وشابات.
لا يتعلق الأمر بسوق عادية تُباع فيها مختلف أنواع السلع والبضائع، وإنما هي سوق للعزاب والعازبات ينظمها أولياؤهم من أجل تزويجهم، والأولياء هم من صاغوا هذه الإعلانات التي تهدف إلى لفت الانتباه. وفي إحدى الورقات نقرأ «أنا لي كيان. ثلاثينية. موظفة في مكتب محاسبة. أتحدر من عائلة متعلمة. أملك وجها دقيقا وحساسا وسيارة. كما أن تربيتي جيدة»، وفق تقرير لصحيفة "القبس" اليوم الاثنين (13 مارس/ آذار 2017).
وهناك آخر يتحدث عن ملكيته لشقة من غرفيتن في حي راق. وأخرى تقول إنها تخطت المستوى الثامن في تعلم البيانو. وإعلان آخر يستهدف الفتيات كتب عليه «أنا خيّر، طولي ما بين 1.70 و1.80. أتحدر من مدينة بكين وأتقاضى راتباً بانتظام. لكن المفاجئ، كان تلك السيدة التي كانت تبحث عن مرشحات للزواج من ابنها، شريطة أن يكنّ ولدن بعد عام 1986، ولكن ليس في عام 1988، لأن مولودة برج هذا العام، أي برج التنين، يمكن أن تدخل في صراع مع برج ابنها وهو من مواليد عام 1982، اي برج الكلب.
يأس الأمهات
هذه الأم التي علقت إعلانها، هي واحدة من بين الأمهات اليائسات اللواتي يلتقين كل أحد وخميس بعد الظهيرة في الحديقة، ولكن العديد من المساحات الخضراء في العاصمة او المدن الكبرى في الصين تستقبل أيضا هذا النوع من الأمهات.
عُرفت الزيجات المتفق عليها والمرتبة التي ميزت علاقة الرجال بالنساء في الصين خلال عهد ماو تسي تونغ، ولكن منذ ثمانينات القرن الماضي أصبح بمقدور الأبناء الزواج بمن يختارونهن، ولكن في مجتمع لا يزال يغرق في الثقافة الكونفوشية، لا يزال الكبار يتدخلون في العلاقات العاطفية للجيل التالي، ونادراً ما تتم معارضة مواقفهم التي ترتبط في الغالب بأسباب اجتماعية ومالية.
هذا الوضع أدى إلى تأخر سن الزواج لدى الفتيان، فيما يفقد الأولياء صبرهم إن بلغت الفتاة 26 أو 27 عاماً، ويقول لي جيانهوا، الرجل الستيني الذي علّق إعلاناً: إن هاجساً واحداً يتملكه وهو أن يزرق بحفيد أو حفيدة. ويضيف «ولدي في الـ37 من عمره، لقد حان الوقت ليتزوج، ولكنه لا يلتقي سوى الرجال في مقر عمله».
يقول هذا الستيني إنه قدم العديد من الفتيات لابنه، ولكن هذا الأخير يلتزم الصمت، ويضيف وهو يشير إلى صورة على هاتفه «هذه فتاة عثرت عليها من أجله، ولكنه لم يكلف نفسه الاتصال بها».
ومثل لي، قرّر المعتادون على التردد على هذا المكان التصرف لتجنب أي فشل أو مأساة قد تقع أمام أعينهم، وتقول هذه السيدة التي تزور المكان لثاني مرة من دون علم ابنتها «ستعارض بشدة إن علمت». وتضيف ونبرة الأسى في حديثها «لقد منعناها من مصادقة الفتيان، حين كانت تدرس في الجامعة، في انتظار أن تحصل على منصب عمل مستقر، ولكنها الآن منشغلة جداً. إنها في الـ29 من عمرها وطفلتي الوحيدة وسيفوتها وقت الإنجاب إن لم تتزوج قريباً».
تردد الأولياء على هذا المكان وبقاؤهم لساعات طويلة عززا العلاقات بين عدد منهم، مثل هاتين السيدتين اللتين تتحدر إحداهما من تيانجين والثانية من شانكزي، وكلاهما تبحثان عن شريك أو شريكة لطفليهما البالغين من العمر 34 عاماً.
سمحت هذه الحديقة التي يعود تاريخ إنشائها إلى 600 عام خلت، بظهور مثل هذه الأفكار التي تدعو إلى إعادة النظر في العادات الصينية، وتقول إحدى هاتين السيدتين التي تعترف بأن زيجتها المتفق عليها أو المرتبة لم تكن ناجحة «في السابق قبلنا أزواجاً تم فرضهم علينا من دون أن نقول شيئاً، واليوم بمقدور الشباب رفض اقتراحاتنا إن لم تناسبهم، إنهم أحرار أكثر في خياراتهم، ولكنهم يعانون في إيجاد الطرف الثاني».
الأوفياء للحديقة يُقدّرون هذا المكان، لأنه لا يكلّفهم شيئاً، عكس وكالات الزواج أو العديد من المواقع على الإنترنت، والتي تسمح للآباء على الخصوص بالتفاهم في ما بينهم. تحت ظل إحدى الشجرات، كانت هناك ثلاث سيدات تتبادلن الأوراق التي كتبت عليها كل المعلومات وأرقام الهاتف قبل أن تضعها كل واحدة منهن في حقيبة يدها. إحدى هؤلاء السيدات يبدو أن الشك قد راودها، لذلك شرعت في التحقق من المظهر الخارجي للفتاة التي اختارتها لابنها، فما كان على محدثتها سوى أن تُريها صورة للبنت على هاتفها النقال، فيما طمأنتها الأولى بأن ابنها يربح 10 آلاف يوان في الشهر، أي ما يعادل 1400 يورو، وقالت لها «إن كان لديك سؤال آخر، كلميني، واعتقد أن بمقدورنا أن نطلب منهما الاتصال ببعضهما».
وعلى الرغم من أن الأولياء لا يملكون السلطة المطلقة فإنهم يملكون قوة تأثير كبيرة على أبنائهم، خصوصاً أنهم ضحوا بكل شيء من أجل هذا الطفل الوحيد، ويساهمون في تكاليف الزواج واستقرار الزوجين. تقول المختصة النفسية زو كزايوبينغ «اليوم أيضاً لا يستطيع الأبناء الاختيار من دون موافقة العائلة. ووفق استطلاع للرأي أنجز في 2014، يسعى 76 %من الشباب إلى البحث عن ازواج يتوافقون مع المعايير التي يرسمها آباؤهم.
وقلة يجرؤون على التمرد». وفي هذا الشأن تضيف زو كزايوبينغ «إن الأمر مرتبط بالتقاليد، على الأبناء أن يحترموا أولياءهم وآراءهم، وحين يستاء الآباء، فلن يعيش الأبناء عيشة جيدة».
وتوضح هذه الخبيرة أن الصينيين لا يرغبون في فقدان وجاهة الكبار، وتضيف «يسعى الكثير منهم الى تحقيق النجاح الدراسي أو الزواج ليصبحوا مفخرة العائلة»، لدرجة ان بعضهم أو بعضهن لا يتردد في تأجير زوج أو زوجة من موقع متخصص من أجل أسبوع إجازة السنة الصينية الجديدة، حتى يتجنب أو تتجنب مضايقة الأقارب».
على الزوج في الصين أن يساهم في النجاح المادي، وتبدو المعايير التي يفرضها الأولياء صارمة، فهم يأخذون بعين الاعتبار مداخيل العائلة التي سيصاهرونها ومكانتها الاجتماعية والبيئة التي تتحدر منها، ففتاة من المدينة لا يمكن أبداً ان تتزوج ريفياً في الصين. ويلتزم الجيل القديم بهذه المعايير حتى يطمئن إلى الظروف المادية التي سيعيش فيها الجيل الجديد في بلد أصبح فيه سعر العقار مكلفاً جداً، خصوصاً في المدن الكبرى.
سلوك تعسفي
وتتجلّى هذه الرقابة الضيقة في برامج تلفزيون الواقع، فقناة «دراغون تي في»، ومقرها شنغهاي، أطلقت عرضاً منذ اكتوبر الماضي، يلاقي نجاحاً كبيراً. وفي كل حلقة يتواجه 5 شبان مع عائلاتهم ومعهم فتياتهم. وتقول المختصة في علم الاجتماع لي يينهي «أصبح الشباب لا يتقبلون كثيراً تدخل آبائهم وان كانوا ينتهون دوما بالخضوع الى رغباتهم والانصياع إلى اوامرهم».
وونينغ شابة في الـ 29 من عمرها تتحدر من ضاحية زيجيانغ، لكنها تعيش محنة منذ ثلاث سنوات، فوالداها الستينيان اللذان يعيشان على بعد 30 كلم عنها في منطقة ريفية، لديهما بنتان، لكن لم تتزوج أي منهما، ووالدتها تنظم لها كل شهر لقاء مع شاب من العائلة أو القرية المجاورة، لكن هذه الفتاة الشابة تبغض الطابع الإجباري في هذه اللقاءات التي لم تُفض إلى شيء، فأحد الشباب كان مثلي الجنس وأما الآخر فكان غريبا وأما الثالث فتحدث طيلة أكثر من 3 ساعات عن نفسه من دون أن يطرح عليها سؤالا.
تقول وو ننيغ إنها غير قادرة على الرفض. وتضيف «لا أستطيع الرفض لأني لا أستطيع أن أبرر موقفي لوالدتي التي تريد الاطمئنان علي» لكن وو ننيغ غير راضية على اتصالات والدتها التي تضغط عليها من أجل الزواج وترغب في أن تعمل بالقرب من بيت العائلة من دون شك حتى تتمكن من التعرف عن قرب على معارفها والأشخاص الذين تصادقهم.