الغريفي: لا يجوز أنْ يزج الوطن في أجواء تستنفر الحساسيات الدينية أو المذهبية
القفول - محرر الشئون المحلية
قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول مساء الخميس (9 مارس/ آذار 2017): «غيرةً على هذا الوطنِ، وعلى أمنِهِ، واستقرارِهِ، وعلى وِحدتِهِ، وعلى كلِّ مصالحِهِ لا يجوز أنْ يُزجَّ في أجواء تستنفر الحساسيَّات الدينيَّة، أو المذهبيَّة؛ لكي لا يُدفع بالأوضاع في المساراتِ الضارَّةِ، والمؤزِّمة».
وأضاف «لا يجوز أنْ نسمح لأنفسنا أنْ نزرع في أرض هذا الوطن توتُّراً وتأزُّماً (...) ما نريد لهذا الوطن وبكلِّ صدقٍ أنْ يبقى وطنَ محبَّةٍ وتسامحٍ، ووطنَ أمنٍ وسلامٍ، ووطنَ رفقٍ واعتدالٍ، ووطنَ وحدةٍ وائتلاف».
وذكر الغريفي أنه «حينما تمرُّ الأوطان بمنعطفاتٍ صعبة، وأوضاعٍ قلقةٍ، وأجواءٍ متوتِّرةٍ، فالكلمةُ الطَّيِّبةُ هي التي تنقذ الأوطانَ من أزماتِها، وتوتُّراتِها، واحتقاناتِها، وهواجسِها، وخلافاتِها، وصراعاتِها. وإذا كان مطلوباً منَّا أنْ نكون أوفياء لهذا الوطن الذي نعيش على أرضِهِ، ونتفيَّأ ظِلالَهُ، وننعم بخيراتِهِ، فيجبُ أنْ نعملَ جميعاً من أجلِ إنهاءِ كلِّ أسبابِ أزماتِهِ، وتوتُّراتِه، إنَّها مسئوليَّة الدولةِ، ومسئوليَّة قوى المجتمع السياسيَّةِ، والثقافيَّةِ، والاقتصاديَّة، ومسئوليَّة الشعبِ بكلِّ مكوِّناتِهِ، وطوائفِهِ، ومذاهبِهِ، وهنا يأتي دور الكلمةِ التي تملكُ المحبَّة كلَّ المحبَّة، وخصوصاً حينما تواجِهُ الوطنَ قضايا تحمل حساسيَّةً شديدةً، كونها تلامسُ شأناً دينيّاً، أو مذهبيّاً، أو سياسيّاً، أو حقوقيّاً، أو أمنيّاً».
لا يجوز أنْ يزج الوطن في أجواء تستنفر الحساسيات الدينية أو المذهبية...
الغريفي: بكل صدق... نريد لهذا الوطن أن يبقى وطن أمن وسلام ووحدة وائتلاف
القفول - محرر الشئون المحلية
قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول مساء الخميس (9 مارس/ آذار 2017): «لا يجوز أنْ نسمح لأنفسنا أنْ نزرعَ في أرض هذا الوطن توُّتراً وتأزُّماً (...) ما نريد لهذا الوطن وبكلِّ صدقٍ أنْ يبقى وطنَ محبَّةٍ وتسامحٍ، ووطنَ أمنٍ وسلامٍ، ووطنَ رفقٍ واعتدالٍ، ووطنَ وحدةٍ وائتلافٍ».
وتحت عنوان «الحاجةُ إلى القِيَمِ والمُثُلِ»، انطلق الغريفي بطرح التساؤل: «هل لازالَ الإنسانُ، ولازالتْ الحياةُ، ولازالتْ الأوطانُ في حاجةٍ إلى القِيَمِ، والمُثُلِ؟»، وقال: «يَتجنَّى على الإنسانِ، وعلى الحياةِ، وعلى كلِّ الأوطانِ مَنْ يَدَّعِي أنَّ الحاجةَ إلى القِيَم، والمُثُلِ قد انتهتْ، ربَّما كانت تُمَثِّلُ حَاجة في بعضِ مراحلِ التَّاريخ، أمَّا في عصرِ الإنسانِ الحاضرِ فما عادَتْ القِيَم، والمُثُل تُشكِّلُ ضَرُورة أو حاجة للإنسان، وللحياةِ، وللأوطان، فمنتجاتِ العلمِ والحضارةِ أغنتْ عن الكثير من قِيَم الماضي».
وتابع «منْ يُحاولُ أنْ يفرضَ على هذا العصر، وعلى إنسانِ هذا العَصْرِ قِيَماً وأفكاراً قد تكلَّستْ، وتعطَّلَ دورُها، وفَقَدتْ قُدْرتَها على البقاءِ والاستمرارِ، مَنْ يحاول ذلك، إنَّما يحاولُ عَبَثاً، ويهدُرُ جُهْداً، ويقتلُ وقتاً، ويعمل محالاً، هذا كلامٌ في غايةِ السُّوءِ، والتَّجنِّي، والخطورةِ، إذا كان قائِلُهُ يُدْرِكُ تماماً مضامينَهُ، ودلالاتِهِ، ومعطياتِه، وما يترتَّبُ عليهِ من نتائجَ وآثارٍ مدمِّرة تصيب الإنسانَ والحياةَ والأوطان. وإنْ كنتُ أجزمُ أنَّ بعضَ مَنْ يُسوِّقُون لهذه الرُّؤى والمقولاتِ هم أدواتُ تسويقٍ، وأمَّا الإنتاجُ، والتَّصنيعُ فله مهندِسُونَ، وطبَّاخون».
ورأى الغريفي أنّ «مأساةَ واقعِنا المعاصرِ هي غيابُ القِيَمِ، والمُثُلِ»، واعتبرها «مأسَاة كلِّ الواقع الدِّينيِّ المزوَّر، ومأساةِ كلِّ الواقع الأخلاقيِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والاقتصاديِّ، والسِّياسيِّ، والحقوقيِّ، والإعلاميِّ، وهكذا كلُّ امتدادات الواقع».
وتساءل «لماذا معتركاتُ الأديانِ، والطَّوائفِ، والمذاهب؟، لماذا معتركاتُ الثَّقافةِ؟، لماذا معتركاتُ الاجتماعِ؟، لماذا معتركاتُ الاقتصادِ؟
لماذا معتركاتُ السِّياسةِ؟، لماذا معتركاتُ الحقوقِ؟، لماذا معتركاتُ الإعلامِ؟، لماذا كلُّ هذه المعتركاتِ، وغيرِها من المعتركاتِ التي يزدحمُ بها واقعُ الإنسانِ في هذا العصرِ، وتزدحِمُ بها الأوطانُ، والبلدانُ؟، هل هي بسببِ اختلافاتٍ في الرُّؤى، والقناعاتِ؟».
وقال: «صحيح أنَّ هناك اختلافاتِ رُؤى وقناعاتٍ في قضايا الدِّينِ، والثَّقافةِ، والاجتماعِ، والاقتصادِ، والسِّياسةِ، وفي الكثير الكثيرِ من قضايا الإنسانِ والحياة، هذه سُنَّةُ اللهِ تعالى في الأرض، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّة وَاحِدَة وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ...) (سورة هود: الآية 118-119)، هم على مستوياتٍ متعدِّدةٍ في القُدُراتِ الذِّهنيَّةِ، والاستعداداتِ النَّفسيَّةِ، والرَّغباتِ، والكفاءاتِ، والاهتماماتِ، والتَّوجُّهاتِ، والتَّجاربِ، والخبراتِ، ولهذا حدثت الاختلافات».
وذكر أن «المشكلة ليست في هذه الاختلافاتِ، المشكلةُ حينما تتحوَّل هذه الاختلافاتُ إلى خلافاتٍ، وعداواتٍ، وصراعاتٍ، ونزاعاتٍ. حينما تتحوَّلُ فِتَناً، وعصبيَّاتٍ. حينما تتحوَّلُ معارِكَ، وحُروباً، ومواجهاتٍ. فيكون حصادُها أرواحاً، ودماء، وأعراضاً، وأموالاً، وأوطاناً، وشعوباً. ويكون حصادُها كلَّ الحياةِ، وكلَّ الإنسانِ، وكلَّ الأمنِ، وكلَّ الحبِّ. لماذا تتحول الاختلافاتُ إلى خلافاتٍ، وعصبيَّاتٍ، وعداوات؟
بسبب غياب القِيمِ، والمُثُلِ، (... وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ...) (سورة هود: الآية 118-119)».
وأشار الغريفي أن «المشمولينَ بهذه الرَّحمةِ هم الذين يتمسَّكون بالقِيم، والمُثُلِ التي أودعها الله سبحانه في عبادِهِ، فلا تتحوَّل عندهم الاختلافاتُ إلى خلافاتٍ، وعصبيَّاتٍ، وعداواتٍ. أمَّا الذين يتجرَّدونَ من تلك القيَمِ، والمُثُل، ويتحوَّلونَ إلى أدواتِ فتنٍ وعصبيَّاتٍ، وصنَّاعَ تطرُّفٍ وعنفٍ وإرهابٍ، ومؤجِّجي صراعاتٍ وعداواتٍ، فمآلاتهم: (... وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (سورة هود: الآية 119). قد يُقال: إنَّكم تتحدَّثون عن قيم، ومُثُلٍ تُحصِّنُ هذه الاختلافاتِ؛ لكي لا تنزلقَ إلى خلافاتٍ، أليست هذه القِيم، والمُثُلِ هي نفسُها محلَّ جدلٍ، واختلافٍ، فكيف تحصَّنُ مِن هذا الاختلاف؟، إشكال وجيه، إلَّا أنَّ القِيم، والمُثُل موضوعَ الحديث هي نمطٌ من القِيم، والمثل يتَّفق عليها كلُّ عُقلاءِ البشر، وهي من المُسلَّمات العقليَّة التي لا خلاف، ولا اختلاف حولها عند بني البشر. فهل يوجدُ في الدُّنيا عاقلٌ يقول: (لا) للعدل، (نعم) للظُّلم؟، (لا) للحبِّ، (نعم) للكراهيةِ؟، (لا) للتَّسامح، (نعم) للتَّعصُّب؟، (لا) للرِّفق، (نعم) للعنفِ؟، (لا) للاعتدال، (نعم) للتَّطرُّفِ؟، (لا) للأمنِ، (نعم) للإرهاب؟، (لا) للتَّآلف، (نعم) للتَّخالف؟، (لا) للإصلاح، (نعم) للإفساد؟، (لا) للإعمار، (نعم) للدَّمار؟، (لا) للسِّلم، (نعم) للحرب؟».
وأضاف «دعونا من الأديان، والشَّرائع، ودعونا من قوانين الأرض، فقد أودع الله سبحانه في عقلِ الإنسان، وفي فطرته: الإيمان، والحُبَّ تجاه قِيَم العدلِ، والتَّسامحِ، والرِّفق، والاعتدالِ، والأمنِ، والتَّآلفِ، والأمانةِ، والإصلاحِ، والسَّلامِ، وكلِّ قِيم الخير. كما أودع في عقله، وفطرته الرَّفض للظُّلم، والكراهية، والعصبيَّة، والعنفِ، والتَّطرُّفِ، والإرهاب، والتَّباغض، والخيانة، والدَّمار، والحرب، وكلَّ قِيم الشَّرّ. فلماذا تبقى الصِّراعاتُ بين أبناءِ البشر؟، ولماذا تبقى الصِّراعات بين أبناءِ الحضارات؟، ولماذا تبقى الصِّراعات بين أبناءِ الأديان السَّماويَّة؟، ولماذا تبقى الصِّراعات بين أبناءِ الدِّينِ الواحد؟، ولماذا تبقى الصِّراعات بين أبناءِ الأمَّةِ الواحدة؟، ولماذا تبقى الصِّراعات بين أبناءِ الوطنِ الواحد؟».
وقال: «إذا كنَّا لا نملك أنْ نغيِّر شيئاً في كلِّ العالم، وإذا كنَّا لا نملك أنْ نغيِّر شيئا في كلِّ أوطانِ المسلمين، وفي كلِّ أوطانِ العرب، لنواجه صراعاتٍ هنا أو صراعات هناك، فمطلوبٌ أنْ نصنع شيئاً في هذا الوطنِ الذي يحتضننا جميعاً، ونعيش على أرضِهِ جميعاً، ونتنسَّمُ هواءَهُ جميعاً، ونشربُ من مائِهِ جميعاً، ووُلدْنا على أرضه جميعاً، ونحبُّه جميعاً، ونعشَقُ كلَّ ذرَّة في ترابه جميعاً، ونمنحُه كلَّ الوفاءِ، وكلَّ الولاء جميعاً. فلا يجوز أنْ نسمح لأنفسنا أنْ نزرعَ في أرض هذا الوطن شوكاً، حُزناً، وَجَعاً، قَلَقاً، دَمْعاً، بُؤساً، شَقَاءً، تطرُّفاً، عُنفاً، إرهاباً، حَقداً، كراهيّة، صِراعاً، طائفيَّة، توُّتراً، تأزُّماً، إحباطاً، يأساً، فشلاً، حرماناً، خواء. ما نتمنَّاه صادقين كلَّ الصِّدقِ أنْ نجد هذا الوطن معافَى من كلِّ ما يُقلق أوضاعَهُ، ومِن كلِّ ما يؤزِّمُ أجواءَهُ، ويعكرُّ مناخاتِه، ومن كلِّ ما يؤزِّمُ علاقاتِه. أبناءُ هذا الوطن عاشوا تاريخاً مُعبَّقاً بالمحبَّة، والأُلفةِ، والوحدةِ، والأخوَّة، والتَّسامحِ، والصَّفاءِ، والتَّعاونِ، والتَّناصرِ، والإيثارِ، والبذلِ، والعطاءِ، والمروءةِ، والشَّهامةِ، والعزَّةِ، والإباءِ. فهل اهتزَّت هذه القِيَمُ، والمُثُلُ؟، وهل تبدَّلتْ المحبَّةُ كراهية؟، والتَّسامحُ عصبيَّة؟، والرِّفقُ عُنْفاً؟، والاعتدالُ تطرُّفاً؟، والتَّآلفُ تباغضاً؟، والوحدةُ تمزُّقاً؟».
مواصلاً «لا نريد له أنْ يكون كذلك، ما نريد له وبكلِّ صدقٍ أنْ يبقى هذا الوطن وطنَ محبَّةٍ وتسامحٍ، ووطنَ أمنٍ وسلامٍ، ووطنَ رفقٍ واعتدالٍ، ووطنَ وحدةٍ وائتلافٍ».
وتساءل «ما هو المطلوبُ منَّا جميعاً؟»، وأجاب «مطلوبٌ منَّا جميعاً: نوايا صادقةٌ، وقلوبٌ متصافِيةٌ، ومشاعرُ نظيفة، وهِمَمٌ كبيرة، وإراداتٌ متآزرةٌ، ورؤى بصيرةٌ، وممارساتٌ رشيدة. ومطلوبٌ منَّا جميعاً: لغةٌ تُوحِّدُ ولا تُفرِّق، تُقارِبُ ولا تُباعِدُ، تُهدِّئ ولا تُؤزِّمُ، تُبشِّرُ ولا تُنفِّرُ، تُطمئِنُ ولا تُرَعِّبُ، ترفِّقُ ولا تُعنِّفُ، تُصدِّقُ ولا تكذِّبُ، تُصارحُ ولا تُداهنُ، تُصحِّحُ ولا تُخرِّبُ، تَبْنِي ولا تَهْدمُ، تَنصحُ ولا تُحرِّض، تَسمُو ولا تَهبِطُ، تستقيمُ ولا تنزلقُ. كم هو دور الكلمة كبيرٌ وخطيرٌ، فكم عمَّرَتْ الكلمةُ أوطاناً، وكم هدَّمتْ؟، وكم أصلحتْ بلداناً، وكم خرَّبتْ؟، وكم وحَّدتْ شعوباً، وكم فرَّقت؟، وكم صَنَعتْ أمناً، وكم أرعبتْ؟، وكم صنعتْ حُبّاً، وكم أزَّمتْ؟، وكم أنتجت صُلْحاً، وكم أزَّمتْ؟، وكم عالجتْ وضعاً، وكم عقَّدتْ؟، وكم رَأَبَتْ صَدْعاً، وكم مزَّقتْ؟، وكم، وكم، وكم؟، إنَّها الكلمةُ الطَّيِّبة كالشَّجرة الطَّيِّبة، عطاءاتُها طيِّبة، تملأ الحياة خيراً وهدى، وصلاحاً، وطهراً، ونقاء، وجمالاً، وبهاء، ورونقاً، وعلماً، ورشداً، وبصيرة، ووعياً، ونوراً، وحُبّاً، وتسامحاً، ووُدّاً، وعطفاً، ووحدة وتآلفاً، وأملاً، ورجاء».
وأشار إلى أن «الكلمة الخبيثة كالشَّجرة الخبيثة، عطاءاتُها سيِّئةٌ، خبيثةٌ، قذرةٌ، ساقطةٌ، ضارَّةٌ، تملأ الحياة شرّاً، فساداً، عَبَثاً، سُوءاً، قُبْحاً، قذارة، جَهْلاً، ظلاماً، ضياعاً، ضلالاً، ظلماً، زوراً، بُهتاناً، كراهية، عصبيَّة، صِرَاعاً، رُعْباً، عُنفاً، تَطرُّفاً، إرهاباً، قَتْلاً، دَمَاراً. نقرأ في كتاب الله قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ...) (سورة إبراهيم: الآية24-25). (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) (سورة إبراهيم: الآية 26)».
وذكر أن «الشَّجرة الطَّيِّبة متجذِّرةٌ في الأرض، جذورُها ممتدَّةٌ في العمقِ ممَّا يعطيها رسوخاً، وقوَّة، وثباتاً، فلا تهزُّها عواصفُ، ولا رياحٌ، ولا أعاصيرُ. وأمَّا فرُوعها فشامخةٌ، ممتدَّةٌ في السَّماء، لا تنحني، ولا تنكسر. كذلك الكلمة الطَّيِّبة: فهي متجذِّرة في القلوب، وفي العقول، وفي الأرواح، وفي كلِّ وجود الإنسان، وهي صلبة قويَّة، شامخةٌ، تستمدُّ صلابتها، وقوَّتها، وشموخها من صلابة الإيمانِ، وقوَّته، وشموخِهِ. والشَّجرة الخبيثة لا جذور لها في الأرض، ولا ثبات، ولا رسوخ، ولا قوَّة، تنحنِي، تنكسر، تسقط، تتهاوى، فكذلك الكلمةُ الخبيثةُ ضعيفةٌ، هشَّةٌ، متقزِّمةٌ، منهارةٌ، مهزومةٌ، منكَسرةٌ، متهاويةٌ، ساقطةٌ، لا تقوى أنْ تواجه عواصفَ الأهواءِ، وأعاصيرَ الضَّلالِ، ورياحَ الباطلِ».
وتحت عنوان «الكلمة الطَّيِّبة تنقذ الأوطان عند المنعطفات»، قال الغريفي: «حينما تمرُّ الأوطان بمنعطفاتٍ صعبة، وأوضاعٍ قلقةٍ، وأجواءٍ متوتِّرةٍ، فالكلمةُ الطَّيِّبةُ هي التي تنقذ الأوطانَ من أزماتِها، وتوتُّراتِها، واحتقاناتِها، وهواجسِها، وخلافاتِها، وصراعاتِها. وحينما نقول الكلمة الطَّيِّبة لا يعني أنْ لا تكون حازمة وقويَّة، نعم، يجب أنْ تكون الكلمةُ راشدة كلَّ الرُّشد، وحكيمة كلَّ الحكمة، فالحزم بلا رشد يقود إلى مآلاتٍ في غاية الخطورة، والقوَّة بلا حكمة تدفع إلى منزلقاتٍ مدمِّرة، فالكلمةُ الطَّيِّبة حينما يشكِّلها الحزمُ، والقوَّةُ، والرُّشدُ، والحكمة، والعدل، والإنصاف تكون قادرة على أنْ تُحصِّن أوطاننا في مواجهةِ كلِّ الأخطار، وكلِّ الأزمات. وإذا كان مطلوباً منَّا أنْ نكون أوفياء لهذا الوطن الذي نعيش على أرضِهِ، ونتفيَّأُ ظِلالَهُ، وننعم بخيراتِهِ، فيجبُ أنْ نعملَ جميعاً من أجلِ إنهاءِ كلِّ أسبابِ أزماتِهِ، وتوتُّراتِه، إنَّها مسئوليَّةُ الدَّولةِ، ومسئوليَّةُ قوى المجتمع السِّياسيَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والاقتصاديَّة، ومسئوليَّةُ الشَّعبِ بكلِّ مكوِّناتِهِ، وطوائفِهِ، ومذاهبِهِ، وهنا يأتي دور الرُّؤيةِ التي تملك الرُّشدَ كلَّ الرُّشد، وهنا يأتي دور الموقفِ الذي يملك الحكمةَ كلَّ الحكمةِ، وهنا يأتي دور الكلمةِ التي تملكُ المحبَّة كلَّ المحبَّة، وخصوصاً حينما تواجِهُ الوطنَ قضايا تحمل حساسيَّة شديدة، كونها تلامسُ شأناً دينيّاً، أو مذهبيّاً، أو سياسيّاً، أو حقوقيّاً، أو أمنيّاً».
وختم كلمته بالقول: «فغيرة على هذا الوطنِ، وعلى أمنِهِ، واستقرارِهِ، وعلى وِحدتِهِ، وعلى كلِّ مصالحِهِ لا يجوز أنْ يُزجَّ في أجواء تستنفر الحساسيَّات الدِّينيَّة، أو المذهبيَّة؛ لكي لا يُدفع بالأوضاع في المساراتِ الضَّارَّةِ، والمؤزِّمة».