بالصور...الجفاف يضرب الصومال
الوسط - المحرر الدولي
قال موقع إيرين اليوم الأربعاء (8 مارس/آذار2017) أن الصوماليون يتميزون بالشدة وسعة الحيلة، ولكنها السنة الثالثة على التوالي التي يندر فيها هطول الأمطار، وأياً كان قدر الصمود المتبقي لديهم في مواجهة الأزمة، فإنه يتعرض الآن لأقسى درجات الاختبار.
على الطريق من غاروي، عاصمة منطقة بونتلاند في شمال شرق البلاد، التقت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بثلاثة أشقاء يقفون بجوار جثث إبل متحللة وعدد من رؤوس الماعز النافقة.
تُرك هؤلاء الأولاد - الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة - في الصحراء لرعاية آخر جملين تملكهما الأسرة، التي كانت في الماضي تمتلك 300 رأس من الماعز، وانخفض عددها الآن إلى 50. وكانوا يمتلكون 15 من الإبل، ولكن لم يتبق منها سوى اثنين فقط، وكلاهما لا يقوى على الحركة.
لم يكن لدى الأولاد شيئاً يطعمون به الحيوانات، وكان كل ما بوسعهم فعله هو انتظار والديهم، اللذين كانا يتفقدان قرية مجاورة لمعرفة ما إذا كان بها أي طعام أو مراعي متاحة.
سيكونان محظوظين إذا عثرا على أي شيء من هذا القبيل. ففي المناطق الشمالية القاحلة من أرض الصومال وبونتلاند، يضع الناس حيواناتهم في شاحنات ويسافرون إلى مناطق بعيدة بمجرد سماع شائعة عن وجود مراعي.
لا متنفس
ومن المتوقع أن يزداد الجفاف سوءاً في الأشهر المقبلة، وهذا لا يبشر بالخير عندما يكون نصف الشعب الصومالي - 6.2 مليون نسمة - يعاني بالفعل من نقص الغذاء أو بحاجة إلى دعم سبل كسب العيش.
وما لم يتم وسيع نطاق المساعدات بسرعة، سوف تكون الظروف مهيأة لتكرار مجاعة عام 2011 التي أودت بحياة 260,000 شخص.
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله "فارماجو" أن الوضع قد تحول إلى كارثة وطنية وناشد الجهات المانحة الدولية لزيادة التمويل.
مريم عبد الله، وهي أم لسبعة أطفال، وافدة جديدة في مخيم للنازحين داخلياً بالقرب شهدا، التي تقع على بعد 170 كيلومتراً من غاروي. فقدت مريم وزوجها أكثر من 400 من الـ500 رأس ماعز التي كانا يمتلكانها بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
وقالت: "لقد نفقت كل الحيوانات. وفي غضون أسبوعين لن يتبق لدينا أي طعام أو ماء".
وفي الوقت الراهن، تعتمد أسرتها - وأكثر من 300 أسرة أخرى في المخيم - على عطف المجتمع المحيط. وليس بمقدورهم سوى التشبث بأمل أن تصل المعونة الغذائية قريباً.
انهيار الأسعار
"لقد فقدنا ستين بالمائة من ماشيتنا خلال الشهرين الماضيين فقط،" كما قال أحمد عبد الله عبد الرحمن، مدير وكالة الشؤون الإنسانية والكوارث في بونتلاند، مضيفاً أن "هذا العدد يزداد يوماً بعد يوم".
والجدير بالذكر أن الماعز والإبل النافقة تتناثر على قارعة الطريق في جميع أنحاء المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي، والتي تعتمد على المساعدات العاجلة التي تقدمها الحكومة الاتحادية.
وفي أسواق الماشية، يشعر التجار بالاحباط لأنهم لا يملكون سوى القليل من رؤوس الماشية التي يمكن بيعها - على الرغم من الانخفاض الهائل في الأسعار. لقد كانت النتائج مدمرة للاقتصاد الذي يعتمد على الثروة الحيوانية، الأمر الذي أدى إلى تقلص القدرة الشرائية للمواطنين.
"سواء كنا في المناطق الحضرية أو المجتمعات البدوية، فإن كل شيء يتعلق بتربية الماشية،" كما أفاد عبد الرحمن.
وفي محاولة للتكيف مع الأزمة، لجأت الأسر إلى الحد الاقصى من الاقتراض للتغلب على الارتفاع الهائل في أسعار الغذاء والماء. والعديد من النازحين مدينون للقرويين الذين يستضيفونهم، وإذا استمر ضعف سقوط الأمطار في شهر أبريل مرة أخرى، سيزداد الجميع فقراً.
من جانبها، تسعى الحكومة في مقديشو والوكالات الإنسانية جاهدة لتنسيق الاستجابة للجفاف، ولمواكبة وتيرة انتقال الناس في مختلف أرجاء البلاد بحثاً عن المعونة.
وخلافاً لما حدث في عام 2011، عندما أثر الجفاف والمجاعة على مناطق معينة، فإن الغالبية العظمى من البلاد معرضة للخطر هذه المرة.
انتقال مستمر
"لقد تسبب هذا الجفاف في تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية، حيث أدرك عدد كبير من الناس أنهم لا يستطيعون الحفاظ على نمط الحياة الذي يعتمد في الأساس على الطقس،" كما أوضح مايكل كيتنغ، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.
وأشار إلى أن "أعداد الناس الذين ينتقلون إلى المناطق الحضرية أكبر من أي وقت مضى". وتضيف هذه التدفقات الجديدة إلى الأعداد الكبيرة من النازحين المعرضين للخطر بالفعل، والذين نزحوا من ديارهم جراء أكثر من عقدين من عدم الاستقرار في الصومال.
وتعمل المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء بونتلاند وأرض الصومال لدعم الرعاة النازحين والمجتمعات المضيفة.
"لدينا عدد كبير من النازحين وهو يزداد كل يوم،" كما قال عبدي شكر، رئيس قرية شهدا، مضيفاً أن "هذه المجموعات تحتاج إلى دعم عاجل. ويجري تقاسم الموارد بين النازحين والمجتمع المضيف أيضاً".
وينتقل الناس خارج بونتلاند أيضاً، حيث يتجهون عادة إلى مقديشو، أو من منطقة جنوب الوسط عبر الحدود إلى إثيوبيا.
وفي هذا الشأن، قال توم أروب من منظمة إنقاذ الطفولة: "نحن نشهد أعلى معدلات الوافدين [في إثيوبيا] منذ خمس سنوات".
وقد أدى تهديد دولة كينيا المجاورة بإغلاق مخيم داداب للاجئين العملاق، الذي لجأ إليه الناس خلال المجاعة عام 2011، إلى استبعاد خيار الهروب.
كما أن إيصال المساعدات إلى منطقة جنوب وسط الصومال أمر معقد بسبب تمرد حركة الشباب الجهادية، التي قد تقرر منع وصول المساعدات الإنسانية كما فعلت في عام 2011، وكانت لذلك عواقب وخيمة.
وحتى الآن، تقول جماعات الإغاثة أن التقارير الواردة عن التدخل منعزلة، وأن حركة الشباب ربما تكون قد تعلمت الدرس بعد أن أتت تكتيكاتها السابقة بنتائج عكسية وتسببت في استياء السكان المحليين.
لكن الحواجز التي تقيمها الجماعات المسلحة المختلفة منتشرة على نطاق واسع في جنوب وسط البلاد، ويتم تقاضي ما يصل إلى 4,000 دولار مقابل الوصول إلى مناطق معينة، وفقاً لمشروع تقييم العمل الإنساني المعروف باسم مشروع قدرات التقييم (ACAPS).
وقال كيتنغ: "إذا كنت تحاول نقل المساعدات، فإن موقعك في هذا البلد لن يكون مهماً: سيكون هناك أشخاص يرون ذلك على أنه فرصة سانحة".
ارتفاع معدلات سوء التغذية
ومع اقتراب الجفاف إلى حدود المجاعة، ارتفعت معدلات سوء التغذية في جميع أنحاء البلاد.
وقال رئيس الوزراء حسن علي خيري يوم السبت أن 110 أشخاص على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، لقوا حتفهم بسبب أمراض متصلة بالجوع في منطقة باي في جنوب غرب البلاد.
وفي إحدى عيادات ياكا في منطقة باري التي تقع في شمال شرق البلاد، تحضر الأمهات أطفالهن لمعرفة أوزانهم كل أسبوع والحصول على معجون الفول السوداني المدعم بالمغذيات الدقيقة الذي يتم توزيعه لعلاج سوء التغذية الحاد الوخيم.
ولكنها ليست للأطفال فقط. تم تشخيص ميلغو حسين، وهي أم لطفل واحد وتبلغ من العمر 20 عاماً، أيضاً على أنها تعاني من سوء التغذية. وقد غادرت العيادة وهي تحمل العشرات من علب المعجون الغني بالمغذيات وتوجيهات صارمة من رئيسة الممرضات.
وقالت في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية: "إنه أمر مثير للقلق. لقد نفقت الماعز، والآن الأطفال يموتون. ماذا سيحدث لنا بعد ذلك؟"
ضرورة العمل الآن
في كثير من الملاجئ المؤقتة داخل مخيم أوسغوري للنازحين، الذي يبعد مسيرة ثلاث ساعات بالسيارة عن غاروي، ترعى أمهات مثل بوكسو حسين الأطفال المرضى، الذين يبدو بعضهم في حالة ذهول أو يتلوى من الألم على الأرض.
جاء أول الوافدين منذ أربعة أشهر؛ واليوم يقترب عدد سكان المخيم من 400 أسرة. وقالت حسين: "وصلت المعونة الغذائية منذ عدة أشهر، وكانت تشمل الأرز والسكر فقط، ولا شيء للأطفال".
وأخذ زوجها 30 رأس ماعز إلى مدينة بيلا الساحلية في شهر ديسمبر عندما سمع عن هطول أمطار هناك. وسوف تظل هي في مخيم النازحين حتى عودته، ولكنها ليست متأكدة من قدرتها على تدير الأمور مع أطفالها السبعة.
وذهب زوج فاطوم عيسى أيضاً إلى الساحل مع آخر 20 رأس ماعز يمتلكونها.
"ليست لدينا خطة. وإذا لم نحصل على مساعدة، سوف ننتظر. ليست لدينا أموال للتنقل. نأمل أن تهطل الأمطار، لكننا لا نعرف ما يمكن توقعه،" كما قالت.
والجدير بالذكر أن المجتمع الإنساني لديه فرصة للتحرك قبل فوات الأوان. "في عام 2011، كانت هناك علامات تحذير، ولكن بصراحة لم يتم التصرف بناءً عليها،" كما أفاد أروب من منظمة إنقاذ الطفولة.
"توجد فرصة هنا لتجنب ما حدث في ذلك الحين، فهل سيتصرف العالم بالسرعة الكافية؟"
ولكن بالإضافة إلى التحدي الفوري المتمثل في الاستجابة لحالة الطوارئ، تكافح الحكومة وعمال الإغاثة للتعامل مع التأثير الطويل الأجل للمناخ الجاف.
"لا يزال هذا البلد معرضاً بشكل خطير إلى أشياء مثل تأثير ظاهرة النينيو وتغير المناخ ... [و] التدهور البيئي،" كما أوضح كيتنغ.
وتجدر الإشارة إلى أن الرعي البدوي هو النظام الأكثر تكيفاً مع البيئة القاحلة، ولكن حتى الرعاة المغامرين في الصومال قد تحطمت معنوياتهم جراء قسوة هذا الجفاف.