لا إلغاء لزيادات البنزين والكهرباء والماء
الوسط - المحرر الدولي
أنجزت الحكومة رداً دستورياً وقانونياً على الاقتراحين بقانونين اللذين وافقت عليهما لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة كما ورد في التقرير السادس للجنة إلى تعديل المادة الثانية من القانون رقم 79 لسنة 1995 بإلغاء ما ورد فيها من استثناء للأثمان التي تدفع مقابل الخدمات والسلع التي تقدمها الهيئات العامة والمؤسسات العامة ذات الميزانية الملحقة والمستقلة، من الحد الأقصى المنصوص عليه في المادة الأولى من القانون، وإلغاء زيادة أسعار البنزين كما يرمي التعديل المقدم على أحد هذين الاقتراحين إلى إلغاء القانون رقم 20 لسنة 2016 في شأن تحديد تعرفة وحدتي الكهرباء والماء، وذلك وفقاً لصحيفة القبس الكويتية.
فيما يلي الرد الحكومي:
الوقائع
بتاريخ 1995/8/21 صدر القانون رقم 79 لسنة 1995 في شأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة ليحظر على السلطة التنفيذية إلا بقانون أن تزيد الرسوم والتكاليف المالية الواجب أداؤها مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة التي تقدمها الدولة على قيمتها في 31 ديسمبر 1994.
وبذلك وضعت السلطة التشريعية في حدود الصلاحيات الممنوحة لها بموجب المادة 134 من الدستور، حداً أقصى لأية أعباء مالية تفرضها السلطة التنفيذية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، في صورة رسوم أو تكاليف مالية، والذي حدده القانون رقم 79 لسنة 1995، بما هو مفروض منها في 1994/12/31.
وبتاريخ 2016/5/16 صدر القانون رقم 20 لسنة 2016 في شأن تحديد تعرفة وحدتي الكهرباء والماء، وقد تضمن هذا القانون تحديد تعرفة استهلاك وحدة الكهرباء وتعرفة استهلاك وحدة المياه العذبة وفقاً للجدولين المرفقين به، مع معاملة خاصة للمواطن الذي يسكن في السكن الاستثماري بذات المعاملة التي يعامل بها في السكن الخاص.
وبتاريخ 2016/8/1 وافق مجلس الوزراء على تعديل أسعار البنزين، اعتباراً من الخميس 2016/9/1 لتصبح 85 فلساً لليتر الواحد من البنزين الممتاز، و105 فلوس لليتر الواحد من البنزين الخصوصي، و165 فلساً لليتر الواحد من البنزين ألترا، وذلك بدلاً من 60 فلساً، و65 فلساً، و90 فلساً على التوالي.
شبهات مخالفة الدستور
وحيث إنه يبين من استعراض ما ورد في الاقتراحين بقانون سالفي الذكر من أحكام، ان الاقتراحين تعلق بهما شبهات مخالفة أحكام بعض نصوص الدستور، وهو ما سنعرض له في أولاً ونعرض في ثانياً لبعض المعطيات الدستورية والقانونية والموضوعة للرد على المخاوف التي أثارها تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالموافقة على هذين الاقتراحين، بينما سنذكر في ثالثاً بعض التداعيات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية المترتبة على الأخذ بهذين الاقتراحين.
الشبهة الأولى
مخالفة أحكام المادة 71 من الدستور
فيما نص عليه الاقتراح الأول من حظر زيادة الرسوم والتكاليف المالية إلا بقانون صادر من مجلس الأمة، وما ينطوي عليه ذلك من مخالفة لأحكام المادة 71 من الدستور التي أجازت للأمير إصدار مراسيم بقوانين (مراسيم الضرورة) في غياب مجلس الأمة، بمصادرة حق صاحب السمو في إصدار قرارات لها قوة القانون في الرسوم والتكاليف المالية، ولو دعت إلى ذلك ضرورة.
ذلك إنه ولئن كانت المادة «79» من الدستور تنص على أنه «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة» وهي عبارة يرددها كل قانون في ديباجته، ولم يسبق أن وردت هذه العبارة في أي قانون صدر منذ العمل بالدستور وتحت مظلته في نص من نصوص القوانين، والأصل أن ينزه المشرع عن اللغو فيكون إيرادها، في حظر على اختصاصات السلطة التنفيذية التي تستمدها مباشرة من الدستور ، ومنها وعلى رأسها تشريعات الضرورة بالنص سالف الذكر ، بما يضع قيدا على سلطة صاحب السمو الأمير في إصدار مراسيم بقوانين بزيادة الرسوم أو التكاليف المالية، ولو كانت هناك ضرورة تقتضي ذلك، ولا اجتهاد مع صراحة النص المقترح والذي جاء واضح الدلالة جلي المعنى في تحديد المقصود منه.
وهو استثناء لا يجوز إيراده إلا بتعديل المادة «71» من الدستور، بالأداة والأوضاع والإجراءات التي ينقح أو يعدل بها الدستور أعمالا لأحكام المادة «174» من الدستور .
الشبهة الثانية
مخالفة أحكام المادة «20» من الدستور
فيما نصت عليه من أن: الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون.
ذلك أن الاقتراح بإلغاء القانون رقم «20» لسنة 2016 بشأن تعرفتي وحدة الكهرباء ووحدة الماء، وكذلك الاقتراح بإلغاء الزيادة في أسعار البنزين قد وقعا في مخالفتين دستوريتين هما:
1 ــ مخالفة مبدأ التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص المنصوص عليه في المادة «20» من الدستور .
وأساس ذلك أن القانون رقم «20» لسنة 2016 بشأن تعرفتي وحدة الكهرباء ووحدة الماء وزيادة أسعار البنزين يجب أن يوضعا في إطارهما الصحيح، وهو تصحيح المسار الاقتصادي، بما يتوافق وأحكام المادة «20» من الدستور لتحقيق التعاون العادل بين النشاطين العام والخاص والذي اختل ميزانه بتحميل النشاط العام جزءاً كبيراً من تكلفة مباشرة النشاط الخاص لأنشطته المختلفة من خلال الدعم المقرر لهذه السلع.
ويمثل ترشيد هذا الدعم، وخصوصا نظام شرائح استهلاك الكهرباء والماء التي وردت في القانون رقم «20» لسنة 2016، معالجة مستحقة وجزئية لدعم غير مبرر تتحمله الدولة لمصلحة النشاط الخاص الهادف إلى الربح، مثل أنشطة العقارات التجارية والسكن الاستثماري والأنشطة المالية والتجارية وغيرها، في ظل استمرار العجز في الموازنة العامة للدولة والناتج عن انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل القومي، فيما يقضي مبدأ التعاون العادل بين النشاطين العام والخاص أن يتحمل النشاط الخاص قسطا عادلاً من تكاليف ما يستهلكه من الكهرباء والماء، وقسطاً عادلاً من تكاليف ما يستهلكه من الوقود.
2 – مخالفة المادة 20 من الدستور في أن أساس الاقتصاد الوطني هو العدالة الاجتماعية.
ذلك أن القانون رقم 20 لسنة 2016 قد تبنى نظام شرائح الاستهلاك الوارد فيه، ليحقق قدراً أعلى من العدالة في توزيع الدعم وضمان وصول الجزء الأكبر منه إلى شرائح المستهلكين الأكثر استحقاقاً له، وليعالج الخلل في تقديم دعوم تعريفتي الكهرباء والماء إلى غير مستحقيها.
وأن تضخم حجم الدعم الحكومي المقدم لهاتين السلعتين الكهرباء والماء – حسبما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون – قد شكّل عاملاً ضاغطاً على قدرة الدولة على توفير التزاماتها الأخرى تجاه المواطنين، ومنها الخدمات الصحية والتربوية وتوفير الرعاية السكنية وغيرها. فضلاً عن كون هذا الدعم أفقياً، وليس رأسياً، أي أن المستفيد الأكبر هو الأكثر استهلاكاً، والأشد إسرافاً في استهلاك الكهرباء والماء، أي هو دعم لا يحقق العدالة الاجتماعية.
ومن ثم، فإن اقتراح إلغاء القانون 20 لسنة 2016 يتعارض مع مبدأ العدالة الاجتماعية، كما يتناقض مع ضرورات ترشيد الاستهلاك وحسن استخدام الموارد واستدامة قدرة الدولة على توفير الحاجات الأساسية في المدى الطويل، كما يتعارض اقتراح إلغاء القانون مع كون أسعار الكهرباء والماء أثماناً لسلع تملك الجهة العامة المنتجة لها حق تقديرها، بما يتناسب مع تكاليف إنتاجها وظروف العرض والطلب، فضلاً عن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية وضمان كفاءة استخدام الموارد المالية العامة واستدامتها.
كما أن القانون رقم 20 لسنة 2016، المتعلّق بزيادة تعرفة الكهرباء وتعرفة المياه، قد حدد مستويات قصوى لهاتين التعرفتين، وما زالت تلك المستويات القصوى تقل عن التكلفة الحقيقية لإنتاج كلتا السلعتين.
كما أنه من المهم في هذا المقام الإشارة إلى أن تعديل هيكل أسعار البنزين الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 2016/08/01 قد تبنى تفرقة عادلة بين سعر البنزين الممتاز وسعر البنزين الخصوصي من 8.3 في المئة إلى 23.5 في المئة، وبذلك يكون هذا القرار قد سعى إلى تحقيق قدر أفضل من العدالة الاجتماعية في توزيع مزايا الدعم السلعي الذي تقدمه الدولة.
وأن التوصية بتعديل هيكل أسعار البنزين، التي اعتمدها مجلس الوزراء، قد حافظت على استمرار دعم البنزين، وإن كان بمعدل يقل عن السابق، فأسعار البنزين ما زالت أقل من التكلفة الحقيقية لإنتاجه. جدير بالذكر أن الكويت هي أحد أقل أربع دول في أسعار البنزين في العالم، إلى جانب فنزويلا وليبيا والسعودية.
الشبهة الثالثة
عدم انطباق أحكام المادة 134 من الدستور
على أثمان السلع
حيث تنص المادة 134 من الدستور على أن: «إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها، كلها أو بعضها، في غير الأحوال المبينة بالقانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون».
وهذا النص يختص صراحة بنوعين من أنوع الأعباء المالية هما: أ – الضرائب. ب – الرسوم والتكاليف. ولا يتعلق بعبء مالي ثالث هو الأثمان. والتمييز بين هذه الأعباء المالية الثلاثة أمر مستقر في الدساتير وفي نظم المالية العامة. فمن حيث أسلوب دفعها ونفعها، فإن الضريبة تجبى جبراً ولا يقابلها أي نفع خاص، بل تستخدم في تحقيق منافع عامة، بينما يدفع الرسم أو التكليف جبراً، إمّا مقابل الحصول على خدمة تحقق نفعاً خاصاً مقترناً بنفع عام، أو مقابل غرامة جزائية. أمّا الثمن فيدفع مقابل الحصول على سلعة أو خدمة أو حق انتفاع، يحقق للشخص الطبيعي أو الاعتباري الحاصل عليه نفعاً خاصاً فقط.
أمّا من حيث هدف التحصيل، فإن الضريبة تهدف إلى توفير إيرادات عامة لموازنة الدولة، بينما هدف الرسوم والتكاليف هو توفير إيراد للمرفق العام المكلف بتوفير الخدمة، يغطي نفقاته كلياً أو جزئياً. أمّا الأثمان فتهدف إلى توفير إيرادات تسمح بتغطية تكلفة السلعة أو الخدمة أو الأصل المنتفع به، وقد تنتج عنها أرباح، كما قد تعوض الدولة الفروقات التي قد تنشأ بين التكلفة والثمن.
أمّا إنشاء وتحديد قيمة أو معدل هذه الأعباء المالية، فيتم في حالة الضريبة من خلال التشريع، أما الرسوم والتكاليف فيتم إنشاؤها من خلال التشريع، بينما يترك تحديد معدلها إلى الجهة التنفيذية المختصة بما يتوافق مع طبيعة السلعة أو الخدمة وحالة العرض والطلب. أما الأثمان ومقابل الانتفاع فتنشأ وتحدد مستوياتها من قبل الجهة المقدمة لها بما يتناسب مع التكاليف وحالة العرض والطلب.
ومؤدى ذلك أن تعرفتي الكهرباء والماء وأسعار البنزين تعتبر أثماناَ لسلع وليست من قبيل الرسوم أو التكاليف، بما يخرجها من دائرة الصلاحيات التي منحها الدستور للسلطة التشريعية بموجب المادة 134 من الدستور التي تقتصر أحكامها على: أ – الضرائب العامة التي تقررها السلطة التشريعية وتفرضها وتحدد معدلها بقانون، وذلك لمواجهة الحاجة إلى النفقات العامة. ب – الرسوم والتكاليف المالية التي تفرضها الدولة بموجب سلطتها السيادية، والتي تحقق نفعاً خاصاً مقترناً بنفع عام.
وما من شك في أن انحسار أحكام المادة 134 من الدستور عن أثمان الكهرباء والماء والبنزين يجعلها بمنأى عن فرض حدود قصوى لها من قبل السلطة التشريعية، أو إلغاء الأسعار التي تحددها السلطة التنفيذية لها.
ومعنى ذلك أن أحكام المادة 134 من الدستور لا تسري على أسعار الكهرباء والماء والبنزين، لأنها أثمان سلع تقدمها الدولة للقطاعات المختلفة، سواء من خلال الهيئات والمؤسسات العامة أو من خلال الشركات التي تملكها بالكامل، مما يجعلها، وايا كانت الجهة التي تقدمها من هذه الجهات، بمنأى عن تدخل السلطة التشريعية بموجب أحكام هذه المادة من الدستور التي لا تسري أصلا عليها.
إن ما ورد في المادة الثانية من القانون رقم 79 لسنة 1995 من استثناء الأثمان التي تدفع مقابل الحصول على السلع التي تقدمها الهيئات والمؤسسات العامة، وهو الاستثناء المقترح إلغاؤه، لا يعدو أن يكون حكما كاشفا عن عدم خضوع هذه الأثمان اصلا للحظر والحد الأقصى المنصوص عليهما في المادة الاولى من هذا القانون، وذلك حرصاً من السلطة التشريعية على إزالة أي شبهة او لبس في خضوع أثمان هذه السلع لهذا الحظر.
الشبهة الرابعة
مخالفة أحكام المادة 21 من الدستور
حيث تنص المادة 21 من الدستور على ان: «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة تقوم على حفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني».
وتعلق المذكرة التفسيرية على هذا النص بالآتي:
«نصت هذه المادة على أن الدولة تقوم على حفظ الثروات الطبيعية وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني، ويقصد بهذه العبارة أن تراعي الدولة في هذا الشأن أمرين معاً، أولهما ما قد يقتضيه أمن الدولة من قيود على كيفية الحفظ أو الاستغلال، والأمر الثاني هو أن تراعي الدولة عند استغلالها لأي مصدر من مصادر الثروة أو مورد من مواردها، دور هذا المصدر او المورد في الاقتصاد الوطني في مجموعه، وبذلك يدخل ضمن المخطط العام للتنمية الاقتصادية».
وغني عن البيان أن النفط ومشتقاته ومنها البنزين، من الثروات الطبيعية التي أكدت المادة 21 أنها جميعها ومواردها كافة ملك للدولة المكلفة بموجب نص هذه المادة بحفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني.
ومؤدى ما تقدم ان استمرار الدعم أفقيا بما يجاوز مستحقيه الحقيقيين، هو إهدار لمورد من موارد الثروة الطبيعية، وهو النفط الذي يمثل المصدر الوحيد والرئيسي للدخل القومي، بما يخالف احكام المادة 21 من الدستور. وهو ما يوجب علينا الحفاظ على هذا المورد الهام وعدم التفريط به من خلال الدعم الموجه لغير المستحقين.
وقد كان للمشرع عند إصدار وإقرار القانون رقم 79 لسنة 1995، فضلاً عما بيّناه من أن الاستثناء الوارد في المادة الثانية من هذا القانون كان لإزالة اللبس حول خضوع الأثمان للحظر المنصوص عليه في المادة الأولى منه، كان كذلك تقديرا منه وحرصا على عدم مخالفة المادة 133 من الدستور التي ألزمته بكفالة استقلال الهيئات والمؤسسات العامة، فنص على استثنائها من هذا الحظر.
الشبهة الخامسة
مخالفة أحكام المادة 50 من الدستور
فيما نصّت عليه من أن «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور. ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور».
وقد أفرد الدستور المادة 51 للسلطة التشريعية، والمادة 52 للسلطة التنفيذية، والمادة 53 للسلطة القضائية.
وأن المستفاد من المادة 50 من الدستور التي لم تجز لأي سلطة النزول عن اختصاصها المنصوص عليه في الدستور، أن السلطة التنفيذية باعتبارها إحدى هذه السلطات التي نصت عليها المادة 52 من الدستور، لها اختصاصات تستمدها في أداء وظيفتها من الدستور مباشرة وليس من القوانين، وهي التي لا يجوز لها النزول عنها.
ذلك أن قيام السلطة التنفيذية بما تفرضه عليها مسؤولياتها تجاه المواطنين والمقيمين بمشروعات عامة، حين يعجز النشاط الخاص عن القيام بها في ظل ظاهرة تميز العصر الحديث، وهي قيام الدولة بتوفير السلع الضرورية لحياة المواطن، مما يجعل بيع السلع التي تحتكر الدولة أنشطتها أو تباشر إنتاجها جزءاً من النشاط الاقتصادي التنفيذي للدولة، وأن قيام السلطة التنفيذية بتحديد أسعار السلع التي تنتجها وفقا لظروف كل سلعة وتكلفتها وتداعياتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية هو أمر تستمده من الدستور ذاته بحكم توليها الوظيفة التنفيذية للدولة من بين وظائف الدول الثلاث.
وإن ما ذهب إليه تقرير اللجنة التشريعية المشار إليه فيما قرره من أن الأصل هو وجود قانون، يعني حصر دور السلطة التفنيذية في مجرد تنفيذ القوانين بما لا يجعل منها سلطة حقيقية من السلطات الثلاث، وقد نصّ الدستور عليها في المادة 52 كسلطة قائمة بذاتها موازية للسلطتين الأخريين.
خلاصة
وترتيباً على ذلك، فإن الاقتراحات بقوانين المطروحة على اللجنة الموقرة تكون قد شابتها المخالفات الدستورية الثلاث التالية:
1 – التعدي على اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية في تحديد أثمان السلع التي تنتجها فيما تضمنه الاقتراحان من إلغاء ما تنص عليه المادة الثانية من القانون رقم 79 لسنة 1995 من استثناء أثمان السلع الواردة في هذه المادة من الحظر الوارد في المادة الأولى بعدم جواز زيادة الرسوم والتكاليف المالية عما كانت عليه في 1994/12/31، وهذا تعد على اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية، ذلك أن هذا الاستثناء لم يكن سوى كاشف عن اختصاصها في تحديد أثمان السلع التي تنتجها، وليس منشئاً لهذا الاختصاص، بما ينطوي عليه الاقتراح بقانون، من مخالفة لأحكام المادة 50 من الدستور.
2 – فيما تضمن الاقتراحان من عدم جواز زيادة أثمان السلع التي تنتجها الدولة إلا بقانون لأن ما تقرره السلطة التنفيذية من أثمان للسلع هو اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية تستمده من الدستور مباشرة، ولا يجوز لها النزول عنه، فيكون هذا الخطر مخالفاً لأحكام المادة 50 من الدستور.
3 – فيما تضمن المقترحان من إلغاء لشرائح استهلاك الكهرباء والماء، أي استمرار الدعم أفقياً، بما يجاوز مستحقيه الحقيقيين مما يعد إهداراً لمورد من موارد الثروة الطبيعية، بما يخالف أحكام المادة 21 من الدستور، وأحكام المادة 133 من الدستور التي تكفل استقلالية الهيئات والمؤسسات العامة.
وبادئ ذي بدء، فإن الحرص على التعاون بين السلطات الذي نصت عليه المادة 50 من الدستور، كان هو الدافع لدى الحكومة عندما بادرت إلى الطلب من مجلس الأمة إقرار القانون رقم 20 لسنة 2016 بعد استعراض حلول كانت محور مناقشات واسعة في ما يخص ملف الدعوم وبالأخص ملف الطاقة (البنزين، والكهرباء والماء)، في لقاءات واجتماعات للتشاور وتبادل الرأي جاوزت العشرين اجتماعاً في الفصل التشريعي السابق، سواء في المجلس أو في اللجان، بدأت من شهر ديسمبر 2015، وتم أيضاً إعداد وثيقة حكومية لتأكيد مسار الإصلاح الاقتصادي ومحاوره، والتي تم عرضها على المجلس وعلى الأطراف ذات العلاقة.
وإيماناً من الحكومة بروح العمل المشترك، فقد قامت الحكومة بتلبية طلب المجلس للخروج بحلول كفيلة بأن تحقق نتائج حقيقية في مجال الإصلاح المالي وإعادة توزيع الدعم لمستحقيه.
وفي ما يتصل بما جاء في تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية من تبرير إلغاء القانون لقرار زيادة أسعار البنزين بأن القانون أعلى مرتبة من القرار الصادر بزيادة أسعار البنزين، فإن هذا القول مردود عليه بأن علو مرتبة القانون على قرار مجلس الوزراء وإن كان صحيحاً، إلا أن مناط صحته أن يكون القرار صادراً تنفيذاً لقانون أقرته السلطة التشريعية، إلا أنه حين يكون قرار مجلس الوزراء مستمداً من صلاحيات السلطة التنفيذية التي نص عليها الدستور، فإن إلغاء القانون لهذا القرار يكون تعدياً على اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية منطوياً على مخالفة لأحكام المادة 50 من الدستور.