في محاضرة بجامعة الخليج العربي
الخولي: جدوى الأبحاث العلمية تكمن في خدمة المجتمع وتحقيق رفاهه
المنامة – جامعة الخليج العربي
قال أستاذ التخطيط الحضري بقسم الموارد الطبيعية والبيئة في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي أحمد الخولي، إن الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة الإنسان يجب أن تبنى على عملية تكاملية يجتمع خلالها كل العناصر للوصول إلى نتائج متكاملة. داعياً إلى تركيز الأبحاث العلمية على نتائج تهدف إلى تغيير وضع المجتمع بما يكفل خدمته ورفاهه.
جاء ذلك لدى تقديم الخولي محاضرة بعنوان " الأبحاث في خدمة المجتمع" ضمن سلسلة المحاضرات التي يقدمها قسم الابتكار وإدارة التقنية في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي.
هدفت المحاضرة لتبادل الآراء مع الأكاديميين والباحثين والطلبة حول مناهج البحث وعلاقتها في الوصول إلى نتائج تخدم المجتمع.
وقال الخولي: "من المعروف أنه هناك منهجيتين للأبحاث العلمية وهما المنهجية الكمية والمنهجية النوعية، إلا أن الأبحاث المتصلة بالإنسان لا يمكن أن تنحصر في نتائج إحصائية جامدة بل تحتاج تفاعلاً يعتمد على دراسة المجتمع بمختلف عناصره البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقياس اتجاهات الآراء المختلفة به، والوصول إلى نتائج تستقى من وسائل مختلفة كالتواصل المباشر، والملاحظة والمعايشة، بالإضافة الى جمع البيانات والإحصاءات الرسمية، مع أجراء استطلاعات الرأي، وغيرها من الدراسات الميدانية للتوصل إلى صورة متكاملة حول موضوع البحث".
وعرض الخولي، خلال المحاضرة نماذج لثلاث دراسات تهتم بخدمة المجتمع، الدراسة الأولى كانت كمية حول "الدعم الذي يستهدف الفقراء في محافظة ريفية في مصر" حيث هدفت الدراسة إلى رصد المخلفات البلدية الصلبة التي تخرج من المنازل لدراسة كم ونوعية المخلفات، وبالتالي تحديد أماكن سكن الفقراء. وتم التعامل في هذه الدراسة مع مختلف وسائل جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية، بالإضافة إلى العمل الميداني والذي تمثل في سحب عينات من المخلفات وفرزها وتسجيل الاوزان والمكونات، ثم تحليل البيانات باستخدام نظم المعلومات الجغرافية والتحليلات الاحصائية المتقدمة والمتعددة المتغيرات.
وقال أحمد الخولي: أن "البحث أظهر اختلافات نوعية بين المخلفات البلدية الصلبة المتولدة من المناطق الفقيرة مقارنة بمثيلتها في المناطق الغنية، واستنتج البحث أنه كلما أرتفع مستوى الدخل زاد الاستهلاك وبالتالي زادت كميات المخلفات البلدية الصلبة. كما بين البحث الميداني ظهور نوعيات غير عضوية في مخلفات المناطق الغنية كالزجاج والبلاستيك والصفيح وهو ما يعكس طبيعة المواد المستهلكة وعلاقتها بمستوى الدخل".
وأتبعت الدراسة الثانية التي أستعرضها الخولي، المنهج النوعي هادفة إلى "رصد أحوال طالبات العمارة في كليات التعليم المعماري في مصر" وقال، الخولي إن "الفكرة من الدراسة انطلقت من أن تقليدياً الهندسة المعمارية مهنة ذكورية فقبل نشوء كليات العمارة بدأت مهنة العمارة من عمال البناء المهنيين من الذكور، وبعد نشأة الكليات في أوربا بدأ الإناث في الالتحاق بكليات العمارة في القرن العشرين لكن الرائدات في فن العمارة من الإناث بقوا قلة مقارنة بالذكور، وهو ما يعكس ذكورية المهنة".
وبين الخولي أن "الدراسة لاحظت أن نسبة كبيرة من خريجات الكليات لا يعملن في مهنة الهندسة المعمارية، واستفادة نسبة كبيرة منهن من المهارات العلمية الرديفة لعلم العمارة كالرسم والتلوين والتصميم للانخراط في مهن أخرى كالتصميم الداخلي، والازياء، وعمل اعلانات الشوارع، وتصوير الإعلانات، وذلك لما يتمتعن به من حاسة فنية غنية تؤهلهن لخوض مهن أخرى تعتمد على التكوين المعماري".
إلا أن الخولي "شدد أن هذه النتائج تشير إلى خسارة كبرى لمهنة الهندسة المعمارية، مرجعاً ذلك لعدم تقبل المجتمع للمهندسة المرأة، والضغوط الوظيفية وعلاقتها بطبيعة المجتمع المحافظ الذي لا يتقبل ابتعاد الاناث عن منازلهم لساعات طويلة أو العمل في مناطق بعيدة". موضحاً أن "الدراسة استخدمت الاستبيان وحلقات النقاش مع طلبة وطالبات الهندسة المعمارية وقارنت اتجاهات الرأي، وأوجدت أن نسبة ليست بالقليلة من الاناث لن يخترن تخصص الهندسة المعمارية لو رجع بهن الزمن نتيجة ما يتعرضن له من ضغوط اجتماعية، كما بينت النتائج أن هذا الاتجاه كان غالباً على الفتيات القادمات من الأرياف مقارنة بالقادمات من مدينتي القاهرة والإسكندرية اللتان تتمتعان بقدر أكبر من الانفتاح".
وفي الحالة الثالثة عرض الخولي، دراسة اعتمدت على المنهجيتين الكمية والنوعية للوصول إلى نتيجة متكاملة، حيث عرض آليات ونتائج دراسة أعدت بتكليف من هيئة الامم المتحدة للأمومة والطفولة في الأمم المتحدة (اليونيسف)، حول "تأسيس شبكة صرف صحي وشبكة مياه شرب وخدمة جمع المخلفات الصلبة بأربعة قرى في مناطق مختلفة بالريف المصري"، وتم اختيار القرى لحرمانها من المياه والصرف الصحي ولعدم تمتعها بخدمات جمع المخلفات الصلبة.
وبين الخولي: أن "الدراسة عملت على اتجاهين الأول دراسة المكان من النواحي البيئية والمكانية والسكانية مثل جمع البيانات الاحصاء الزراعي وتحليل عينات من مياه الابار. أما الاتجاه الثاني فاعتمد على الاستبيان والحلقات النقاشية لتحديد الفئات ذات الصلة وأصحاب المصلحة في كل قرية".
وأشار الخولي أن "الفريق البحثي قام بزيارات ميدانية للتعرف على الناس، وجمع البيانات ونقاشها حول الوضع المعيشي للسكان، والفئات القادرة على دفع رسوم الخدمات، والجهات القادرة على توفير شباب من العاطلين يرغبون في العمل في جمع القمامة، ونقلها، وإعادة تدويرها. مبيناً أن الدراسة لم تسعى لتوفير خدمات البنية التحتية فقط، إنما توفير فرص وظيفية من خلال هذه الخدمات للقضاء على البطالة وتحسين مستوى افراد المجتمع، حيث وفر هذا المشروع فرص وظيفية في حفر خطوط الصرف الصحي، وتركيب شبكة مياه الشرب، وأوجد فرص عمل في جمع المخلفات وإعادة تدويرها".
وقال أستاذ التخطيط الحضري بقسم الموارد الطبيعية والبيئية، أحمد الخولي: أن "المزج بين المنهجيتين حقق نتيجة متكاملة لم تنحصر في سبل انشاء شبكة مياه وصرف صحي وجمع المخلفات، إنما سعت إلى استفادة كل افراد المجتمع من هذه الخدمات واستثمارها في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل لأفراد المجتمع، لافتاً إلى أن هذا التقرير كان حصيلة معايشة وعمل جماعي للباحثين أستمر لمدة ثمانية أشهر".