قصة قصيرة... الصندوق
دينا هشام ملكاوي - قاصة أردنية
لعن ذلك الصندوق، ولكزه برجله، وهو يقول: لو كنت رجلاً لطعنتك مئة طعنة، هكذا يبدأ معظم نهاراته.
خرج من بيته المزروع -منذ عقود- في تراب أحد أحياء المدينة القاحلة، حالماً بنهار أقل شقاء، حاملاً صندوقه، وكأنه تابوته، قاصداً رصيفاً في وسط السوق، اعتاد الجلوس عليه خلف الصندوق.
بعد مسيره بين بيوت أنهكت الأيام مفاصلها، وصعوده عدة أدراج محفوفة بأوراق خريف تقادم العهد عليها، وصل إلى هناك.
أنزل ذلك الحمل الثقيل -الذي لازمه زمنا طويلاً- من على كاهله، ومن كيسه الورقي أخرج الفرشاة، وعلب الأصباغ ذات الألوان المختلفة.
وضع الوسادة التي تبدي لمن ينعم النظر إليها أنها كانت زرقاء ذات يوم على حافة الرصيف، ثم جلس عليها، مستعداً للقاء أول حذاء يواجهه هذا الصباح.
على رغم تدافع المشاة، ووسط زحام الأرجل، ومن بين غبار السيارات، لمح حذاء يسير نحوه ببطء، كسحابة تسبح في سماء نيسان، بارك خطواته، وراقبها، وعلى رغم أنه غير ملمّع، غيّر اتجاهه واختفى.
استمرّ جالساً يتفرّس الأحذية التي تتنقل بين هنا وهناك، حتى استلقى على ظهر صندوقه أخيراً، أول حذاء.
ركضت الفرشاة مسرعة متوجّهة إليه، استمتعت في تلميعه غادية رائحة، استعادت نشاطها، وكأنها تمارس تمارينها الرياضية الصباحية، وبعد ذلك، أخذت الأحذية تنهمل عليه شيئاً فشيئاً.