العدد 5280 بتاريخ 19-02-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... موجز الأخبار

صبا حبوش - قاصة سورية

لم يجد تفسيراً منطقياً لنوبات الحزن التي تأتيه بين فترة وأخرى، فجأة ومن دون سبب تنزل على صدره صخرة صلبة تسحق راحته فيعتصر الهم في قلبه، لجأ إلى أصدقائه لعلّ أحدهم يملك حلاً أو جواباً على الأقل لحالته، لكنه لم يلقَ لديهم ما يريح خواطره.

قرر أن ينفرد بأفكاره ويعيد مفكرة حساباته ويرجع للماضي قليلاً أو يلقي نظرة على المستقبل، فربما خرج بشيء كان يجهله، ويجد دواء لهمه.

فرد جميع أوراقه، خلطها، ثم رتبها، أعاد من جديد فردها، ثم ما لبث أن مزقها وعادت الصخرة لتجثم فوق صدره.

الدموع لم تعرف طريقاً لعينيه، يعلم أنّ البكاء يغسل الأوجاع قليلاً ويهدئ الروح، لكنه لا يستطيع إنزال دموعه عنوة.

عاد إلى البيت بعد يوم مرهق، حاول التمدد والتخلص من التوتر حول فمه، فأشعل سيجارة سادسة، وراح يراقب الدخان المنبعث منها كأنه فقاعات دائرية متعرجة.

التلفاز المغبر أمامه أغراه بفكرة متابعة فيلم رومانسي، فقد تتفاعل أحاسيسه من جديد وتتحرك، بين قناة وأخرى لم يجد ما يبحث عنه، فعاد إلى القناة الإخبارية التي لا يغيرها أبداً.

"سيارة مفخخة... وجثث"... "صواريخ... وأطفال"... "قذائف... وأرامل "... "شتاء... ولاجئين"..."فقر... ومهجرين"...

اهتزت الجدران من صراخه، السيجارة بين أصابعه غدت رماداً أحرق راحته، نوبة الحزن عادت بشكل أكبر هذه المرة، رأى الصخرة تسقط على قلبه، فانهال على التلفاز ضرباً وحنقاً، كسر شاشته، وهبط إلى الأرض محاولاً الإمساك بها، لكنها لم تدعه ينال منها، فتعثر بها وسقط على وجهه، ارتطمت جبهته بحجارتها المتناثرة، وانفجر شلال القهر بين جفنيه، غرق البيت بما فيه، انتهى الموجز الإخباري بعد أن ابتلع الكثير من الماء، تفتت الصخرة وذابت بين جزيئات الدمع، فاستطاع الوقوف مجدداً على قدميه، توصل إلى الجواب الذي بحث عنه طويلاً، وأدرك أن مشاهدة الأخبار عن وطنه تضر بسريرته انتابته راحة كبيرة، لن يحزن بعد اليوم، فالتلفاز احتضر منذ قليل.

عاد إلى سريره وغط في نوم عميق، تبعه التلفاز واستقر في رأسه، جاءته الأحلام على شكل موجز آخر، شاهد أهله يطوفون فوق بحر من دم، وأطفال الحي يتناثرون ككرات صوف متشابكة، حاول إنقاذ من بقي حياً لكن هدير الطائرة فجّر في أذنه دوامة الرعب، أدار ظهره للجميع، وركض باتجاه الغابات الموحشة، لم يستطع التوقف حتى تلقفته حفرة عميقة لا نهاية لها، قابل في داخلها أخيه الذي استشهد منذ سنتين ولم يعثروا على جثته، عانقه بقوة، حتى سمع صوت أضلاعه تتكسر على صدره، بكى حتى تلاشت عيناه، فأغلقهما وعاد إلى النوم بالقرب من جثته، ولم يصحُ منذ ذلك اليوم.



أضف تعليق