العدد 5278 بتاريخ 17-02-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


خبراء إزالة الألغام يكافحون لتطهير أفغانستان إنقاذا للأرواح

كابول - د ب أ

يجلس خبير إزالة الألغام القرفصاء خلف الصخور وهو يرتدي درعا واقيا لجسده وقناعا ويبدأ في العد التنازلي (8،9،10 ...) ثم يدوي صوت انفجار بعد ثوان .. فلقد تم تفجير اللغم الذي عمل للوصول إليه على مدار ساعات وسعى إلى تطهير الأرض سنتيمترا بعد سنتيمتر، بصورة آمنة.

وكان من شأن ذلك اللغم الذي تُرك مخفيا في الأرض بجبل قرب العاصمة كابول أن يضيف إلى الحصيلة التي تزيد على ألفي مدني تقتلهم او تشوههم الألغام في أفغانستان كل عام.

وعثر خبراء إزالة ألغام من منظمة "هالو تراست" الدولية على هذا اللغم أثناء عملهم في مجموعات ومُنح كل فرد منهم رقعة من الأرض عرضها متر وطولها 10 أمتار.

ويتم فحص كل قطعة معدنية تلتقطها أجهزة الكشف عن المعادن التي بحوزتهم بعناية في حين يتم تحريك حبل أبيض عبر الأرض التي تم فحصها وتطهيرها.

ويعبر خبراء إزالة الألغام الأفغان ساحات المعارك السابقة في البلاد مترا بعد متر في مناوبات عمل مدة كل منها ساعة واحدة تتخللها فترة راحة لمدة 10 دقائق.

وكانت الجبال القريبة من كابول منطقة صراع رئيسية للمقاتلين الأفغان الذين حاولوا التصدي لأول زحف سوفييتي منذ عام 1979 فصاعدا ثم هجمات طالبان بعد ذلك.

وفي الصراعات العديدة بأفغانستان، زرعت جميع الأطراف المتحاربة الألغام على مدار عقود، وقد مات عشرات الآلاف بينما نجا عشرات الآلاف من الضحايا من الموت ولكن بعد أن تعرضوا لبتر في السيقان أو الأذرع. ويمكن رؤية هؤلاء في أنحاء مختلفة من البلاد، فهناك رجال بدون أرجل يجمعون رسوم وقوف السيارات أو يقومون بأعمال مختلفة أخرى في انحاء كابول، وأطفال لديهم بقايا أطراف مبتورة يلعبون في شوارع هلمند، فضلا عن نساء بدون أذرع يتسولن في مفترق طرقات قندوز.

وتم تطهير ما لا يقل عن 3600 كيلومتر مربع من الأراضي الملوثة بالألغام الأرضية منذ أن بدأت وكالات إزالة الألغام في العمل أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وهو ما يمثل نحو 80 في المئة من إجمالي ما يسمى بـ "تركة التلوث" من الحروب الماضية، وفقا لما يقوله محمد شفيق يوسفي، مدير مديرية تنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام في أفغانستان.

وتم العثور على أكثر من 715 ألف لغم مضاد للأفراد وجرى تدميرها حتى الآن، ومع ذلك لم ينته الكفاح بعد.

وفي البداية، كان من المفترض أن تكون أفغانستان خالية من الألغام في 2013، لكن تم تمديد المهلة المخصصة لذلك حتى عام .2023 ويبدو الآن أن المهلة الجديدة غير واقعية لعدة أسباب، حسبما يقول يوسفي.

أحد تلك الأسباب يتمثل في الحرب الجديدة مع طالبان التي تصاعدت وتيرتها منذ عام 2006 فصاعدا مما أدى إلى إبطاء جهود إزالة الألغام في المساحة الباقية من الأراضي الملوثة بالألغام التي تصل مساحتها إلى 600 كيلومتر مربع. وثلث المواقع المستهدفة على الأقل تقع في مناطق متنازع عليها حيث تحتدم المعارك بين طالبان والقوات الحكومية.

وهناك أيضا تضاؤل في الاعتمادات المخصصة لذلك. ويقول يوسفي إن وكالات إزالة الألغام حصلت على تبرعات تبلغ نحو 100 مليون دولار في 2011، إلا أن المانحين الدوليين قلصوا دعمهم إلى 35 مليون دولار منذ ذلك الحين. وقد حول المانحون اهتمامهم وأموالهم إلى العراق وسورية، بحسب يوسفي.

وربما الأمر الأكثر مأساوية في ذلك كله هو أن عدد المتفجرات التي وضعت في الأرض بأفغانستان يتزايد بالفعل بسبب الصراع الدائر.

ومن أجل عرقلة تحركات القوات أو استهداف موظفي الحكومة، قامت طالبان بزرع آلاف القنابل محلية الصنع أو ما يسمى بـ "العبوات الناسفة" في مختلف أنحاء البلاد.

وتتسبب تلك العبوات التي يتم تجميعها بصورة فجة في المنزل بدلا من أن يتم تصنيعها لاستخدام الجيش، في تمزيق الأطراف والقتل بنفس الطريقة.

ويقول ديان بانيك، منسق برنامج منظمة "إميرجنسي" الإيطالية غير الحكومية التي تقوم بإدارة عيادات لضحايا الحرب، إن أغلبية المرضى الذين يتم إدخالهم إلى مركز الإصابات التابع لها في إقليم هلمند جنوبي البلاد الذي يشهد تناحرا شديدا، قد أصيبوا بمثل تلك المتفجرات محلية الصنع.

ففي يناير/ كانون الثاني على سبيل المثال قتل سبعة مدنيين أفغان في إقليم نانجارهار شرقي البلاد بعد أن اصطدمت مركبتهم بقنبلة مزروعة على جانب الطريق.

وقد اشتكت الأمم المتحدة بمرارة حول استخدام تلك الأسلحة العشوائية.

والعبوات الناسفة هي ثاني أكبر سبب في قتل المدنيين، بحسب ما تقوله الأمم المتحدة في تقرير صدر حديثا عن القتلى والجرحى بين المدنيين في عام .2016 ويأتي هذا بعد المارة الذين يقتلون في الاشتباكات المسلحة.

ويقول التقرير إنه يحث "العناصر المناهضة للحكومة على وقف استخدام العبوات الناسفة في المناطق التي تشهد وجودا للمدنيين". وتقول الأمم المتحدة: "الهجمات بالعبوات الناسفة التي تستهدف المدنيين عمدا قد ترقى إلى جرائم الحرب".

ودفعت تقارير منتظمة حول ضحايا الألغام بدائية الصنع مجلس الأمن القومي في أفغانستان في أواخر عام 2016 إلى مطالبة مديرية تنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام في أفغانستان إلى إجراء مسح بشأن التهديد.

ويكشف التقرير عن أن أكثر من 420 كيلومترا مربعا من الأرض تلوثت حديثا بالألغام بدائية الصنع وبقايا متفجرات اخرى لمعارك نشبت مؤخرا.

ويتعين أن يتم إزالة تلك الألغام واحدا تلو الآخر من قبل العاملين في إزالة الألغام في أفغانستان وإلا فإنها ستشكل خطرا أكبر من أي وقت مضى على الشعب. ومع زيادة جرأة التمرد، تصبح آلاف الأرواح على المحك.

 



أضف تعليق