انتقادات حادة للأمم المتحدة حتى بعد إلغاء باكستان لأمر ترحيل الأفغان
الوسط - المحرر الدولي
تراجعت باكستان عن التهديد بترحيل أكثر من مليوني أفغاني بدءاً من الشهر المقبل، ولكن اللاجئين لا يزالون تحت ضغط شديد لمغادرة البلاد والأمم المتحدة متهمة بالتواطؤ في خطط مزعومة لإكراههم على العودة عبر الحدود إلى منطقة حرب ، وفق ما نقل موقع إيرين اليوم الثلثاء (14 فبراير/ شباط 2017).
فقد أعلنت باكستان الأسبوع الماضي أنها ستسمح للأفغان بالبقاء في البلاد حتى نهاية العام. ويقول العالمون ببواطن الأمور أن القرار الذي اتخذته حكومة رئيس الوزراء نواز شريف جاء بعد ضغوط من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلاً عن اثنين من الأحزاب السياسية الحليفة والحكومة الأفغانية. كما تلقت حكومة شريف تحذيراً من أن مثل هذه الخطوة قد تدفع أفغانستان إلى التقارب مع الهند، عدو باكستان اللدود.
مع ذلك، فإن هذا القرار لم يخفف من المخاوف وعدم اليقين اللذين يعاني منهما الأفغان في باكستان. وفي واقع الأمر، فإن الوضع الحالي مماثل لما كان عليه في العام الماضي، عندما عبر أكثر من 600,000 أفغاني الحدود تحت ضغوط مكثفة من الحكومة، بما في ذلك الموعد النهائي الأولي لترحيلهم، وهو نهاية العام (الذي تم تأجيله في وقت لاحق حتى نهاية مارس 2017).
وقال جيري سيمبسون، الذي كتب التقرير الصادر الاثنين عن منظمة هيومن رايتس ووتش: "إن إعطاء اللاجئين وضعاً قانونياً على المدى القصير وتهديدهم بالترحيل هو وسيلة فعالة للغاية لحمل الناس على المغادرة".
ويتهم التقرير باكستان بانتهاك القانون الدولي من خلال ارتكاب ممارسة الإعادة القسرية: وهي إعادة اللاجئين قسراً إلى بلادهم حيث يواجهون الاضطهاد أو التعذيب أو خطراً على حياتهم. ويقول التقرير أن مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين متواطئة لأنها تقاعست عن إدانة الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى إجبار الأفغان على العودة إلى بلادهم، وساعدت الحكومة عن طريق تقديم منح نقدية للعائدين.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، أضاف سيمبسون قائلاً: "من الواضح أن الوقت قد حان لكي تتحدث المفوضية بلغة إنجليزية سهلة وبسيطة وتسمي الأشياء بمسمياتها، وهي العودة القسرية".
انظر: هل تتورط الأمم المتحدة في الإعادة غير القانونية للاجئين الأفغان في باكستان؟
حرية الاختيار؟
من جهتها، رفضت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتهامات هيومن رايتس ووتش. وقالت دنيا إسلام خان المتحدثة باسم المفوضية في باكستان: "إن عودة اللاجئين الأفغان من باكستان في عام 2016 لم تكن إعادة قسرية على الإطلاق".
وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية أن المفوضية لا تشجع العودة إلى أفغانستان، ولكنها قدمت منحة نقدية لأولئك الذين قرروا مغادرة باكستان من تلقاء أنفسهم.
"إننا نعترف بأن ظروف العودة لم تكن مثالية،" كما أوضحت خان، مضيفة أن "المفوضية تقوم بتسهيل العودة الطوعية إلى الوطن بناءً على طلب وقرار مستنير تماماً من جانب اللاجئين".
من جانبه، يرى سيمبسون أن الظروف لم تكن "غير مثالية" فحسب، بل أصبحت صعبة للغاية بالنسبة للأفغان المقيمين في باكستان العام الماضي، حتى أن العودة أصبحت ضرورة أكثر منها قراراً.
ففي منتصف عام 2016، أطلقت الحكومة حملة إعلامية حذرت من خلالها الأفغان أن عليهم أن يرحلوا عن البلاد أو يواجهوا خطر الترحيل. وبعد ذلك، بدأ اللاجئون يبلغون عن عداء متزايد من قبل المجتمعات المضيفة في باكستان، وفي كثير من الأحيان فوجئوا بزيادة الإيجارات، وعدم السماح لأطفالهم بالذهاب إلى المدارس، وتضاؤل فرص العمل. وقد نفت الحكومة المزاعم التي تفيد بأنها أمرت قوات الأمن بمضايقة اللاجئين، ولكن منظمة هيومن رايتس ووتش جمعت أدلة على أن مثل هذه المضايقات قد زادت بشكل كبير بعد أن إعلان الحكومة عن تلك الخطة.
انظر: باكستان تجبر اللاجئين الأفغان على العودة إلى بلادهم وتُفرّق شمل أسرهم
ويبدو أن المضايقات التي تقوم بها قوات الأمن قد خفت حدتها في أواخر العام الماضي، عندما مددت الحكومة الموعد النهائي للترحيل إلى شهر مارس. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان اللاجئون سيواجهون الضغوط ذاتها في عام 2017، لكن سيمبسون حذر من هذا الاحتمال.
وسوف يرجع أولئك الذين قرروا العودة إلى أفغانستان إلى بلد يخوض حرباً لا تبدو عليها أي علامات للانحسار، بل أصبحت أكثر خطراً على المدنيين. وقد سجلت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان مقتل أو إصابة 11,418 مدنياً العام الماضي، وهو أعلى رقم منذ أن بدأت البعثة بتوثيق أعداد الضحايا المدنيين في عام 2009.
وفي سياق متصل، تكافح الحكومة الأفغانية لاستيعاب عدد قياسي من النازحين، بما في ذلك أولئك الذين فروا من ديارهم بسبب النزاع في العام الماضي، فضلاً عن أعداد قياسية من الأفغان الذين عاد معظمهم من باكستان وإيران. وقد طلبت الجهات الحكومية ومنظمات الإغاثة 550 مليون دولار من المجتمع الدولي لدعم الأشخاص الأكثر "ضعفاً وتهميشاً" في البلاد في عام 2017.
محادثات الغرف الخلفية
وقد طلبت الحكومة الأفغانية رسمياً من باكستان تمديد إقامة اللاجئين حتى يتحسن الوضع الأمني، وفقاً لمسؤول باكستاني بارز رفض الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الموضوع.
وقال المسئول أن مجلس الوزراء تلقى أيضاً إحاطات تحذر من أن الترحيل القسري من شأنه أن يفرض مزيداً من الضغوط على العلاقة المتوترة بين البلدين وأن الهند قد تستخدم هذا التوتر لصالحها.
"تستطيع الهند استغلال مشاعر اللاجئين المرحلين لخدمة مصالحها. ولذلك، فإننا بحاجة إلى أن نكون أكثر حذراً في دفع اللاجئين عبر الحدود،" كما أفاد.
في السياق نفسه، قال عمران ذيب، قائد الشرطة الباكستانية لشؤون اللاجئين الأفغان، لشبكة الأنباء الإنسانية أن الحكومة بنت قرارها أيضاً على مناشدة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واثنين من الأحزاب السياسية، وهما باشتونخوا ملي عوامي وجمعية علماء الإسلام (فضل).
وتجدر الإشارة إلى أن كلا الحزبين يحصلان على معظم الدعم من مناطق تقع على الحدود الباكستانية مع أفغانستان، وخاصة بين الأشخاص من عرقية البشتون الذين يعيشون على جانبي الحدود.
"نحن لا نريد أن نرميهم في أفواه الذئاب في أفغانستان. سوف يعود اللاجئون طواعية عندما يتحسن الوضع في بلداتهم،" كما قال محمد جمال الدين، عضو الجمعية الوطنية الذي ينتمي إلى جمعية علماء الإسلام.
وأكد سيمبسون من منظمة هيومن رايتس ووتش أن هناك إحتمالاً آخر يتمثل في أن باكستان ببساطة لا تملك القدرة على ترحيل ما يقرب من 2.4 مليون أفغاني يعيشون في البلاد بسرعة. ولكن إذا كثفت باكستان الضغوط عليهم كما فعلت في العام الماضي، وإذا ما رحل نفس العدد نتيجة لذلك، فإن هذا قد يسفر عن إجبار معظم اللاجئين المتبقين على مغادرة البلاد في غضون ثلاث سنوات.