الطفلة زهراء حرمها مرض السرطان من والدها فانتظرته في منامها
المعامير - فاطمة عبدالله
استيقظت مسرعة لتوقظ أمها فهي على موعد مع والدها فقد طال اللقاء بينهما، فهي مدللته الصغيرة، وقد وعدها أن يأتي صباح يوم الجمعة، استيقظت الأم على كلمات ابنتها زهراء ذات الثلاث سنوات، لم تتمالك نفسها فابنتها اليوم فرحة تتنقل في أرجاء المنزل تنتظر عودة أبيها، فأخفت دموعها عن ابنتها الصغيرة.
بينما زهراء تركض في المنزل بحثاً عن والدها، تجلس فاطمة ذات الـ 13 ربيعاً أمام صندوق خشبي يحمل صورة أبيها خصصتها إلى الصدقات ليكون صدقة جارية لأبيها، ففاطمة تحمل الكثير في قلبها منذ صغرها كانت تحاول تحقيق حلم أبيها في التفوق وها هي اليوم تمشي على الطريق ذاته، إلا إنه بعد وفاته تغيرت أحلامها قليلاً... كان حلمها أن تدرس الطب التجميلي، واليوم شغفها دراسة علم الأورام، لعلها تساهم في نجاة مريض، فقد بدأت رحلة قراءة القصص وقراءة بحر هذه العلوم.
وانشغلت فاطمة في التعمق ودراسة علم الأورام رغم صغر سنها. وعلي (18 عاماً)، بعد أن كان يستعد للسفر إلى ألمانيا ليحقق حلمه بدراسة هندسة البيئة، أصبح اليوم يحمل هم عائلته الذي حمله وهو في الغربة ليحقق حلم أبيه بإكمال الدراسة.
أما عبدالله فهو أصغرهم سنا عمره لا يتجاوز العامين، نسي شكل والده، ويحتاج أحياناً إلى أن يقول كلمة «بابا» فأصبح يطلقها على من يراه في المنزل.
علي وفاطمة وزهراء وعبدالله هم 4 أبناء فارقهم والدهم حسين عبدالله بعد أن عانى لمدة 3 أشهر من مرض السرطان، وبعد رحلة معاناة اختاره الله لأن يغادر الحياة ويخلف وراءه أبناءه الأربعة ليواجهوا الحياة لتحقيق أحلامهم.
زوجته استقبلت «الوسط» لتنقل واقعا تعيشه كل عائله يعاني فرد من أفرادها من مرض السرطان، فالمرض لم يؤثر على المريض فقد عانى الأبناء جميعاً مرارة ألم المرض وألم الفراق.
بدأت زوجته تسرد تفاصيل ما حدث في العام 2016 قائلة: «إن زوجي كان يعاني من الضغط والسكري. وفي إحدى المرات كان يشكو من كثرة التعب ووجود ألم في المعدة، كان التعب ينهك جسده، توقع بأن يعاني من هبوط في الضغط او السكري، لكنه راجع المركز الصحي وكانت كل التحاليل سليمة، عاد الألم مجدداً في المعدة، وعاد إلى المركز الصحي وتبين من خلال الفحوصات وجود بكتيريا في المعدة، إلا أنه يجب أن يتم تحويله لمجمع السلمانية الطبي ولكن المواعيد بعيدة».
وأضافت «لأن الشركة التي يعمل فيها قد أمنت عليه صحياً قام بمراجعة إحدى المستشفيات الخاصة عند أحد الاستشاريين، وتفاجأ بأن التأمين لا يغطي هذا المستشفى، إلا أن الطبيب شعر بوجود ما يريب وضعه، فطلب منه إكمال العلاج حتى إن لم يكن التأمين يغطي، فكان الطبيب يحجز المواعيد بنفسه بدون أي مقابل، طلب إجراء أشعة مقطعية وعمل منظار فكان الطبيب يشعر بوجود هذا المرض، إلا أنه لم يتم إبلاغنا، فكان يبين لنا أن هناك تضخما في الكبد».
وتابعت «أتذكر ذلك اليوم بالتحديد، ففيه كنا سنوصل زهراء إلى الروضة، فهو اليوم الأول لها في هذه الروضة، تلقينا اتصالا من الطبيب أبلغنا بأن زوجي مصاب بالسرطان، وعليه مراجعة مجمع السلمانية الطبي في أسرع وقت ممكن، وقد تواصل الطبيب مع أحد الأطباء في السلمانية. راجعنا المستشفى في نفس اليوم وبقينا على الانتظار حتى قابلنا الاستشاري، وكانت المفاجأة أنه مصاب بورم في الكبد».
وأضافت «واصلنا رحلة التشخيص والتي كانت طويلة في نظري، فأخذ عينة من الكبد كان يستغرق وقتاً، بعد مدة حصلنا على النتيجة وهي وجود السرطان في الكبد، ووجوده في الرئتين والخصيتين أيضاً، والأصعب كان الموجود في الكبد والرئتين، أخذ علاج تلطيفيا فوضعه لم يكن مستقراً، وبطلب من الأهل تم نقله إلى سنغافورة لعل هناك نحصل على علاج، إلا إنه لم نحصل، فعاد إلى البحرين بعد أسبوع وبقي في الطوارئ لأكثر من 10 ساعات حتى تم نقله إلى إحدى الأجنحة؛ بسبب نقص الأسرة في قسم الأورام، وبقي هناك لمدة أسبوعين».
وأشارت أم علي إلى أن وضعها كان صعباً، وكان ابنه علي لا يعلم ما هو مرضه، فكان يفاجأ عند زيارته في الأيام الأولى بوجوده في قسم الأورام، في حين أن فاطمة كانت منشغلة بدراستها وكان والدها يطلب منها فقط زيارته في أيام الإجازة الأسبوعية، في حين أن زيارة زهراء وعبدالله إليه كانت قليلة لأنه كان يخشى عليهما من المستشفى وما قد يتعرضان له.
وقالت: «علي أبلغه أفراد العائلة بإصابة أبيه بالمرض، الخبر وقع عليه كالصاعقة لكونه يعي ما يحدث ويدور، وأما فاطمة فهي الأخرى كان الخبر صادماً لها فكانت هي مدللته، فلمدة 10 أعوام لم ينجب غيرها وغير أخيها علي، في حين أن زهراء كانت ومازالت كثيرة السؤال عنه وعبدالله لا يعي ما يحدث».
وأضافت «في اليوم الذي توفي فيه كان الجناح الذي هو فيه يستعد لنقله إلى جناح الأورام فقد توافرت الأسرة، قبل نقله توجهت للجناح الذي يتواجد فيه وكان وضعه غير طبيعي فطعامه غير مأكول، وعند نقله في سرير المستشفى أثناء مرورنا في الممرات لاحظت صعوبة تنفسه، وعند وصولنا إلى قسم الأورام كان يعاني من صعوبة في الحركة، وما هي إلا ساعة حتى بدأ يحتضر، وآخر كلمات كانت في أمان الله ومع السلامة، قبل احتضاره كان علي ابني الأكبر قد وصل، وكان يحمل ملفاً به تذاكر السفر، فقد كان هذا اليوم الذي حجز فيه تذكرة للسفر والدراسة خارج البحرين».
وتابعت «كنت أحاول فترة مرضه ألا أعلم أين المرض وفي أي مرحلة وما يحدث، فكنت على أمل أن يشفى سريعا ويعود، إلا إنه بعد وفاته أبلغني أخي بأن المرض كان في المرحلة الرابعة وهي الأخيرة، وأن المرض بدأ في المرارة ولو اكتشف مبكراً لكان تم استئصالها قبل أن ينتشر».
فارق حسين عبدالله الحياة وبقي أبناؤه أكبرهم علي وفاطمة يشقان بجهد الحياة رغم مرارة الفقد، أما زهراء فمازالت تشعر بوجوده، فما إن تستيقظ حتى تخبر أمها بأن والدها بات معها على سريرها، وأحياناً تفاجئ أمها بأن أبيها أعطاها قطعة من الفواكه، وأحياناً تقف تنتظره عند الباب فقد أخبرها بأنه سيأتي، إلا أن ذلك حلم كان في منامها... وعلى الرغم من مرارتها إلا أنه يجعلها تضحك ما إن تستيقظ من نومها.