أطفال رجاء يختبئون خلف عباءتها لشم رائحتها...وصغيرهم ينام على سريرها بعد أن خطفها السرطان
الوسط - فاطمة عبدالله
يختبئ تحت عباءتها ليستنشق رائحة عطرها وينام على سريرها فتهدأ دموعه، إلا أنه لا يوجد ما يسكن ألم يتمه في صغره، فهو في عمره يحتاج أن تكون هي بجانبه فهو يبلغ من العمر عامين، وطوال هذين العامين من ولادته حرم حتى من الرضاعة بعد مرضها.
سيدرضا غابت أمه عنه في (2 يناير/ كانون الثاني 2017)، عمره لا يعرف معنى الموت والحياة، إلا أنه يعرف معنى الاشتياق فغابت هي وخلفت وراءها أربعة أبناء أصغرهم سيد رضا وهو أصغرهم وهو الذي انقلب ليله إلى بكاء في كل ليلة منذ فراقها فهو لا يهدأ حتى ينام على سريرها الذي كانت تستلقي عليه بعد أن أخذ المرض منها ما أخذ.
يركض في غرفتها بحثاً عن عباءتها، يسأل بكلمات بسيطة «أين أمي؟»، يسكت أبوه أمام سؤاله، فما أن سأل حتى بدأ أخواه سيدمحمد وسيدهادي في البكاء، وما أن بدأ بالبكاء حتى غطى سيدمحمد وهو الابن الأكبر وجهه برداء السرير ليخفي دموع اليتم والفقد.
في كل يوم وليلة هذا هو حال أبناء الشابة رجاء عبدالهادي علي البناء بعد أن رحلت بعد معاناة مع مرض السرطان، مخلفة وراءها أربعة أطفال وهم سيدعلي (9 سنوات) وسيدمحمد (7 سنوات) وسيدهادي (4 سنوات) وسيدرضا عامان وأشهر.
عانت رجاء من أعراض المرض منذ العام 2014 عندما كانت حاملاً بابنها سيد رضا، فكانت تشكو من ألم مستمر في البطن، وكان في التشخيص بأنها حامل وهذه الأعراض طبيعية، حتى وضعت طفلها سيدرضا وكانت تشكو من الألم حتى بدأت تشعر بالدوار وألم في الرأس وكانت تسقط عند وقوفها، إلا أن تشخيصها تأخر بحسب ما أفاد زوجها.
تحدث زوجها سيدحسين شبر عنها في حديث إلى «الوسط» قائلاً: «إن زوجتي كانت تعاني بشكل كبير وفي كل مرة أنقلها كان الأطباء يعتقدون أنها تعاني من مرض نفسي ولابد من نقلها للطب النفسي على رغم أنها كانت تتلوى ألماً أمامهم، حتى بدأت ترفض الذهاب إلى طوارئ مجمع السلمانية الطبي أو حتى إلى المركز الصحي».
وأضاف «استمر الحال على هذا الوضع لمدة ستة أشهر تقريباً ونحن بين المستشفيات وأحياناً ترفض الذهاب إلى المستشفى بحجة ما ذكره الأطباء أنها تعاني من مرض نفسي. في أحد الأيام قامت بفحص الثدي في المنزل وقد تفاجأت بوجود كتلة، ساءت حالتها النفسية، في اليوم الثاني لجأنا إلى المركز الصحي وتبين هناك أن هناك كتلة، إلا أنه يجب إجراء أشعة في مركز النعيم الصحي، وتفاجأنا بأن الموعد بعد شهرين، إلا أن أحد أصحاب الخير تمكن من الحصول على موعد في اليوم نفسه وهناك نزل الخبر كالصاعقة، فهناك ورم في الصدر».
وتابع «تابعت مع إحدى الطبيبات في أحد المستشفيات الخاصة بعد إجراء أشعة في السلمانية والقيام بعدد من التحاليل وتبين أن المرض انتشر في جميع أنحاء الجسم».
وأضاف «اخترنا العلاج الهرموني وأكملت العلاج قرابة ستة أشهر، إلا أن المرض كان ينتشر بشكل كبير في الكبد ولم يستطع العلاج السيطرة عليه، لذا تم علاجها بالكيماوي ولم تكن تشتكي من مضاعفات فنفسيّاً كانت قوية على رغم تساقط شعرها، وبعد فترة عادت إلى العلاج الهرموني وبعدها إلى الكيماوي وكانت في تلك الأثناء تعاني من ألم مضاعف».
وتابع «أدخلت المستشفى بسبب هذا الألم وكانت الصفائح الدموية قد انخفضت وكانت تشتكي من ظهور بقع في الجسم، لذا أحيلت إلى أحد الأطباء على أن يكون الموعد بعد أسبوع، فطبيبها المعالج توقع بأن يكون هناك مرض في الدم وطلب أن يكون هناك فحص بأسرع وقت ممكن، إلا أن الطبيب الذي حولت عليه رفض ذلك وحجز لها موعد في شهر مايو/ أيار 2017، على رغم أننا كنا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016».
وأضاف «خرجت من مجمع السلمانية الطبي، وفي ذلك الوقت كانت تعاني من صعوبة في التنفس عند بذل أقل مجهود، أجريت لها تحاليل وكان التنفس طبيعيّاً، حتى بدأت حالتها تسوء لتدخل مرة أخرى إلى طوارئ السلمانية بسبب صعوبة في التنفس وألم في البطن وبقيت في انتظار الحصول على سرير أكثر من 12 ساعة، وبعد تحاليل تبين أن حالتها أفضل وأن المرض في السيطرة، إلا أنها مع ذلك كانت تشتكي من الألم».
وعن يوم وفاتها قال: «قبل وفاتها بقيت نائمة وذلك بسبب تخديرها من الألم، في يوم وفاتها تلقيت منها اتصالاً بضرورة أن أكون موجوداً، اتصلت بعائلتها ذهبت إلى هناك حالتها كانت سيئة، ومع انتهاء وقت الزيارة غادرت إلا أنني بعدها مباشرة تلقيت اتصالاً من المستشفى، فعدت مسرعاً إلى هناك وكانت المفاجأة بأن ما كانت تشتكي منه من انتشار الحبوب الصغيرة في الجسم علامة على إصابتها بتسمم بالدم، إضافة إلى أنها كانت تعاني من هبوط في مستوى صفائح الدم».
وأضاف «حاولوا نقلها إلى العناية المركزة إلا أن وضعها لم يكن يسمح بذلك فبقيت ساعات على أجهزة التنفس بعد تدني نسبة الأكسجين، إلا أنها فارقت الحياة».
فارقت رجاء الحياة وتركت أبناءها الذين شهدوا أيضاً معاناتها لمدة عامين تقريباً وهي تعاني من مرض السرطان، إلا أن حياتهم لم تتأثر بمرضها فكانت تسعى بأن تقوم جاهده بدورها كأم فكانت تسهر حتى الساعة الثانية فجراً تزين كتب أبنائها، وتسأل عن واجباتهم وترتب ثيابهم، بينما هم كانوا ينتظرون أن تخرج من المستشفى ليكونوا بين أحضانها.
غادرت رجاء مخلفة أبناءها الذين علموا بوفاتها في اليوم الثاني فكان الخبر نزل كالصاعقة فقد زاروها قبل وفاتها بيومين تقريباً وكان ذلك آخر اللقاء بينهم، إلا أنه مازال أبناؤها يتذكرون أن آخر لقاء كان يوم الجمعة.
بقي أبناؤها يبحثون عنها في زوايا المنزل فذلك يشم رائحة ملابسها وآخر يبحث عنها في كل مكان وذلك ينام في سريرها، وآخر ينتظر اليوم ليزور قبرها، ومازالت دموع كل منهم تنهمر كل ما جاء ذكرها، بعد أن عانوا هم أيضاً وهم يرونها تتعذب بسبب المرض واليوم أصبحوا يعانون فراقها.