العدد 5264 بتاريخ 03-02-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


حالة الطوارئ الصحية متفاقمة في شرق الموصل

الوسط - المحرر السياسي

تصرخ أمينة عندما تزيل ممرضة الضمادات من الجروح والقروح التي تغطي صدرها وساقها اليسرى. تساعد عمتها الطاقم الطبي على تثبيت الفتاة التي تبلغ من العمر 13 عاماً على السرير، بينما تقوم الممرضة بعصر الجروح المتقيحة لإخراج الصديد، قبل شطفها بخشونة بمادة اليود.

بينما كانت القوات المسلحة تحارب من أجل السيطرة على أخر معاقل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، تعرضت الفتاة المراهقة لإصابات متعددة عندما دمرت غارة جوية تستهدف المسلحين منزل أسرتها في الموصل في شهر ديسمبر الماضي. ولقيت والدتها وأخوها الأكبر وابن أخيها البالغ من العمر ثلاثة أشهر حتفهم. يستمع والدها، وليد البالغ من العمر 56 عاماً، إلى صرخات ابنته من الألم، وعيناه مغرورقتان بالدموع، ويتذكر أن الجيران، الذين سحبوه هو وأمينة وابنه الأصغر من تحت الأنقاض، لم يكونوا يعتقدون أن أي شخص يمكن أن ينجو من هذا القصف.

وفي أعقاب الغارة الجوية، تم تضميد جروح أمينة في مستشفى ميداني. لم تكن أسرتها تملك مسكنات لتخفيف آلامها ومرت عدة أسابيع قبل أن يتمكنوا من توفير العناية الطبية المناسبة لها. وعندما فتح مركز طبي مؤقت أبوابه في حي الزهراء الذي يقع في شرق الموصل، اضطرت أمينة ووالدها إلى السير لما يقرب من ست ساعات للوصول إلى هناك، على الرغم من أن أمينة كانت تعاني من ألم مستمر. وفي صباح ذلك اليوم، انضما إلى مئات المرضى اليائسين الآخرين الذين اصطفوا على أبواب قسم الطوارئ المؤقت. وبعد ساعات قليلة، تمكنوا من الدخول من أبواب يغلقها الطاقم الطبي لمنع تعرض الجناح لهجمات غوغائية، والسماح لعدد قليل فقط من المرضى بالدخول في وقت واحد.

وحسبما نقلت وكالة "إيرين"، فإن هذه العيادة تستقبل حوالي 1,500 شخص كل يوم، ويشكل الأطفال مثل أمينة عدداً كبيراً من المرضى، الذين يصلون بعد إصابتهم بجروح الحرب لتي لم تلتئم بشكل صحيح بعد تضميدها في مستشفيات ميدانية سيئة التجهيز. وحيث أن جزءاً كبيراً من شرق الموصل لا يزال بدون كهرباء أو مياه جارية، فإن المصابين وحالات ما بعد الجراحة يجدون صعوبة في الحفاظ على نظافة جروحهم، الأمر الذي يعوق عملية التعافي.

وقد أدى القتال والغارات الجوية في النهاية إلى تحرير شرق الموصل الشهر الماضي، لكنها ألحقت أضراراً جسيمة بمستشفيات المدينة. ومنذ ذلك الحين، انتشرت المستشفيات الميدانية المؤقتة ومراكز الرعاية الصحية مثل مركز الزهراء، ولكنها تتعرض لضغوط تفوق قدراتها أثناء محاولة علاج المرضى والجرحى في المدينة، وحذرت منظمة الصحة العالمية في مطلع شهر يناير من أن معدلات سقوط الضحايا جراء الصدمات لا تزال مرتفعة قرب خط المواجهة في المدينة.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المشاكل الطبية المستمرة ترجع إلى سرعة إجراء العمليات الطارئة التي لم تكن ناجحة تماماً، والتي تم تنفيذها خلال القتال وأصبح المرضى الآن يصرخون طلباً للمزيد من العلاج.

أُصيب صلاح حسن البالغ من العمر عشر سنوات بجروح خلال هجوم بقذائف الهاون منذ ثلاثة أشهر. وهو يرقد الآن شاحباً ونحيفاً وصامتاً على سرير بإحدى المستشفيات، في انتظار قيام المسعفين بفحص إصابته المعوية السيئة التضميد.

"إنه لا يزال يعاني من ألم شديد وبحاجة ماسة إلى عملية جراحية ثانية. نصحنا الأطباء بالذهاب إلى أربيل لإجراء العملية، لكننا لا نستطيع تحمل تكاليف هذه الرحلة. لم يعد لدينا حتى المال الكافي لشراء المسكنات له،" كما قالت والدته سعاد وهي تبكي.

تقع مرافق طبية أكثر تطوراً على بعد 86 كيلومتراً فقط في أربيل، العاصمة الفعلية لإقليم كردستان العراق، وتفيد تقارير الأمم المتحدة أن حوالي 1,675 جريحاً مدنياً قد أُرسلوا إلى المدينة لتلقي الرعاية الصحية لحالات الصدمة خلال الفترة من 17 أكتوبر إلى 25 يناير.

ولكن بالنسبة للعديد من المرضى والجرحى في الموصل، يعتبر الوصول إلى أربيل أمراً شديد الصعوبة. تقيم قوات البشمركة الكردية، التي تشعر بالقلق إزاء احتمال تسلل أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية السابقين عبر حدودها، نقاط تفتيش صارمة على نحو متزايد على الطريق من مدينة الموصل. ويقول العديد من المرضى أنهم أُعيدوا من حيث أتوا، وحتى أولئك الذين تمكنوا من اجتياز الحواجز الأمنية يقولون أن ترحيباً فاتراً ينتظرهم.

"يعاني ابني من تمدد الأوعية الدموية في فخذه بسبب إصابة بشظايا لم تُعالج. وحذر الأطباء [في الموصل] من أنه قد توافيه المنية في أي لحظة،" كما يوضح واكان البالغ من العمر 46 عاماً.

قيل له أن يأخذ ابنه يونس البالغ من العمر 21 عاماً - الذي انغرست 17 شظية في ساقيه - إلى أربيل. ونجحا في الوصول إليها، على الرغم من تأخير طال لمدة أربع ساعات عند أول حاجز أمني. وبحسب الإجراءات الأمنية الحالية، يجب على سكان الموصل ترك بطاقات الهوية الخاصة بهم عند ذلك الحاجز، لضمان عودتهم وعدم البقاء في كردستان العراق.

ولكن من دون بطاقات هوية، رفضت فنادق المدينة استقبالهما. "خلدنا للنوم في الشارع خارج المستشفى مع الآخرين من الموصل، وفي الصباح، اكتشفنا أن رجلاً لقي حتفه أثناء الليل. نعتقد أنه لم يتحمل البرودة الشديدة،" كما تذكر واكان، مضيفاً أن "المستشفى رفض علاج ابني لأنه لا يحمل بطاقة هوية".

وأُرغما على العودة إلى الموصل بعد منحهما علبة واحدة من المسكنات.

ويقول واكان أن الطبيب في أربيل اقترح عليهما أن يعودا بعد 15 يوماً إذا لم يقل التورم، لكنه يخشى أن لا يظل ابنه، الذي أُصيب قبل أسبوعين، على قيد الحياة لفترة طويلة إذا تمزقت الأوعية الدموية. وقال وهو يستشيط غيظاً: "سوف أبيع منزلي وسيارتي للتأكد من إجراء هذه العملية الجراحية لابني [في منشأة خاصة قد تتغاضى عن طلب بطاقة الهوية]. لا أعرف ماذا يمكنني القيام به غير ذلك".

وفي حي المحاربين، وهي منطقة أخرى في شرق الموصل، هجم المرضى على سيارة إسعاف أثناء خروجها من مستشفى المحاربين، المقام بداخل دار أيتام سابقة، ولوحوا بقصاصات من الورق تجيز لهم السفر إلى أربيل لتلقي العلاج.

يقف محمد البالغ من العمر 12 عاماً في صمت وسط هذا الحشد. فالكفاح للحصول على مقعد في سيارة إسعاف ليس أمراً غريباً عليه، بل إنه يضطر للقيام به بشكل منتظم لأنه يعاني من سرطان الدم. لم يعد والدا محمد قادرين على دفع 30 دولاراً لشراء الحقن التي يحتاج إليها لعلاج السرطان، لكن لديهما ما يكفي من المال لشراء زجاجة دم لنقل الدم إليه في أربيل كل ثلاثة أسابيع.

ويوضح سائق سيارة الإسعاف، خليل سالم، بصبر لكل أسرة أن السيارة بها مشاكل ميكانيكية. وسوف يضطرون جميعاً لانتظار عودة سيارة الإسعاف الوحيدة التابعة للمركز والتي تعمل بشكل جيد لكي تأخذ مجموعة أخرى من المرضى إلى نقطة تفتيش البيشمركة، حيث يتم نقلهم إلى سيارة إسعاف أخرى. يتنهد سالم ويهز رأسه قائلاً: "هناك أعداد غفيرة من الناس كل يوم ولا توجد أماكن كافية".

حتى السفر في سيارة إسعاف لديها ترخيص من إحدى المستشفيات لا يضمن تلقي العلاج. "تتعرض السلطات الصحية في كردستان لضغوط تفوق قدراتها، ولذلك فإنها لا تقبل الجميع. ويقوم [المسؤولون] أيضاً بتطبيق الإجراءات الأمنية الخاصة بهم على كل فرد. لا أعرف سياستهم بالضبط، لكننا لا نملك خياراً آخر سوى محاولة نقل المرضى إلى أربيل لتلقي العلاج الذي لا يمكننا توفيره هنا،" كما أوضح الدكتور محمد سعيد علي، المدير العام لمستشفى المحاربين.

وعلى الرغم من أن بعض المنظمات غير الحكومية الدولية تدعم مستشفى المحاربين بالإمدادات اللازمة لعلاج الجروح والصدمات النفسية، فإنها لم تعوض نقص أدوية الأمراض المزمنة أو الحالات الطبية اليومية، كما أفاد الدكتور علي.

"إننا نواجه وضعاً بائساً ويائساً هنا،" كما أضاف وهو يوقع ويختم قصاصات الورق التي تخول إحالة المرضى وإجراء العمليات الجراحية وصرف الوصفات الطبية.

وأضاف قائلاً: "إننا نستقبل في المتوسط 850 مريضاً يومياً، و50 حالة طوارئ، وما بين 20 و30 إصابة صدمة جديدة، معظمها ناجمة عن قذائف الهاون. إننا بحاجة ماسة للدعم وسوف نقبل المساعدة من أي شخص".

 

والآن، بعد تحرير شرق الموصل وجعلها أكثر أماناً للعمل بداخلها، تساعد منظمة أطباء بلا حدود الطاقم الطبي في مستشفى المحاربين على إنشاء وحدات الجراحة ورعاية الأمهات. إنها لا تزال بدائية إلى حد ما، حيث يتم تقسيم الغرف الفارغة بواسطة إطارات خشبية مثبت عليها أغطية بلاستيكية رمادية.

قد تكون بدائية، ولكن طبيبة التوليد أنفال السلطاني تفتح وتغلق الأبواب البلاستيكية المؤقتة بكل فخر واعتزاز وهي تصف التصميم المخطط لكل غرفة. وتعتقد الطبيبة البالغة من العمر 31 عاماً أن أقسام الجراحة المؤقتة سوف تحدث فرقاً كبيراً في مجتمعها المحلي. وتقول أنه من المتوقع أن تكون جاهزة لاستقبال المرضى في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وبمجرد وصول معدات جديدة.

ومع زيادة الاحتياجات، تقول منظمات الإغاثة الأخرى أيضاً أنها تكثف جهودها في شرق الموصل. وقالت منظمة الصحة العالمية أنها أقامت مستشفى ميدانياً يتسع لـ50 سريراً جديداً بغرض علاج الجروح الناجمة عن الإصابة بأعيرة نارية وحالات الطوارئ الأخرى.

لكن الدكتور علي، مدير عام مستشفى المحاربين، يقول أن أقسام الجراحة ليست كافية لمواجهة أزمة الرعاية الصحية العامة التي يعاني منها السكان المدنيون في المدينة، لاسيما في المناطق المحررة حديثاً.

وقد أدى نقص الغذاء الذي بدأ مع نشوب الحرب بين القوات المسلحة العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية في شهر أكتوبر الماضي إلى إصابة السكان المحليين بحالة من الضعف وربما يعانون من سوء التغذية. وتعاني معظم المناطق من نقص مياه الشرب والكهرباء، أو الكيروسين اللازم للتدفئة جراء تدمير البنية التحتية. وهذا يعني أن المستشفى يستقبل أعداداً متزايدة من المصابين بالإسهال والتهاب المعدة والأمعاء الذين يعتمدون على مياه غير صالحة للاستهلاك.

والجدير بالذكر أنه يتم نقل المياه بالشاحنات، ولكن الدكتور علي يقول أنها ليست كافية، موضحاً أن "الأسر الفقيرة غير قادرة على شراء المياه المعبأة في زجاجات، وبالتالي لا خيار أمامها سوى شرب المياه غير المأمونة". ثم ذهب للتعامل مع الحشد الذي تجمع خارج بابه متوسلين للحصول على المساعدة. وأضاف قائلاً: "يتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا لعلاج كل من نستطيع علاجه".



أضف تعليق